نهاية فكرة

الأوراق العديدة التي نشرت من قبل بعض الكتاب المغاربة، تكاد تجمع في مجملها على مفارقة الزمن الثقافي محليا وعالميا لوجود فكرة اسمها "اتحاد الكتاب" وآليات اشتغاله في الفترة الأخيرة؛ حيث ظل يقتات على أمجاد الماضي.
الأربعاء 2019/03/06
مساعي إنقاذ اتحاد كتاب المغرب نزعة تلفيقية وتوفيقية

هل بمقدورنا أن نحيي الأفكار وهي رميم؟ وبتعبير آخر أبمكاننا أن نستعيد وعينا القديم بمفاهيم ونهج ورؤى التصقت بلحظة ما، وبمحيط وثقافة ومناخ اجتماعي وسياسي؟، ونعيد غرسها في زمننا متطلعين إلى أن تستعيد نضارتها؟. أعتقد أن الرجوع إلى أفكار وقيم من تاريخ انقضى، وتحميلها فوق ما تطيقه لياقتها، رغبة في تمطيط حياتها، ما هو في العمق إلا رغبة في استعادة يفاعتنا الآفلة، والتشبث بذاكرة محكومة بالمضي إلى مستقر لها في التاريخ. ذلك ما يمكن أن نتمثل به اليوم مفاهيم من قبيل: الالتزام، والقومية، والثقافة الجماهيرية، والفن الطليعي…، ليس لأن هذه الأفكار أفلست، ولا لأنها باتت مفرغة من أي مضمون، فقد كانت صحيحة وعميقة في لحظتها، وملهمة وبانية لمشاريع فكرية مؤثرة في تاريخ الفكر والثقافة، ولكن أساسا لأن استعادتها عجز عن الانتماء إلى اللحظة الراهنة واحتماء بذخيرة بائدة.

من هنا يخيّل إلي أن المسار الذي اتخذته فكرة “اتحاد كتاب المغرب” منذ المؤتمر 17، كان من شأنه التأكيد على نهاية مرحلة تاريخية من الممارسة الثقافية، وتمثل أدوار الكتابة، بما تضمنته من انكسارات وما انطوت عليه من خلل، مرحلة حافظت فيها المنظمة على مجرد صيغة اسمية، دون تأثير ولا قيمة مضافة، ولا حتى قدرة على صيانة تماسكها العضوي، وبات استقلالها مجد ذكرى، وصيغها التدبيرية مستنقعة في الأمراض المستشرية في كل الصعد.

 ولا نحتاج إلى العودة للتذكير بالتحولات التي شهدها المجتمع السياسي والثقافي المغربي للتدليل على عمق الهوة التي أضحت تفصل بين الاتحاد وسياقه الحاضن، فالأوراق العديدة التي نشرت من قبل بعض الكتاب المغاربة، تكاد تجمع في مجملها على مفارقة الزمن الثقافي محليا وعالميا لوجود فكرة اسمها “اتحاد الكتاب” وآليات اشتغاله في الفترة الأخيرة؛ حيث ظل يقتات على أمجاد الماضي، ويشتغل بهدي من الرصيد الموروث، ويعيد إنتاج الأعطاب والتناقضات ذاتها: مركزية متفاقمة يوما بعد يوم، وابتعاد ملحوظ عن هموم المجتمع ومؤسساته، وانجرار تدريجي للتماهي مع توجهات ومآرب فئوية، لتنتهي هياكله إلى حال من التكلس والجمود، بعد احتكارها من قبل أقلية استمرأت التواجد الدائم في الأجهزة التقريرية، لتعميم صفات رمزية فقدت كل دلالاتها.

لهذا أعتقد أن ما جرى ويجري اليوم من مساع لإنقاذ مؤسسة باتت من الماضي، فيه نزعة تلفيقية وتوفيقية لفكرة مع سياق لم يعد يتحملها ولا يستوعب وجودها، ليس لأنها خاطئة، لكن لأن قاعدتها الإنسانية تغيرت، وهي في النهاية التحام لبشر حول مشروع لا مجرد هياكل افتراضية.

15