نهاية حلم المونديال تضع ساوثغيت في مفترق طرق

ودع المنتخب الإنجليزي مونديال قطر 2022 وهو يجرّ أذيال الخيبة خلفه مع صورة مألوفة من قبل عشاق الكرة المستديرة من الألم نتيجة إهدار ركلة جزاء مهمّة في بطولة كبرى، ولكن برضا عن المدرب غاريث ساوثغيت رغم بعض الانتقادات.
الدوحة - دارت عدة أحداث حول ظروف الخروج الحزين بدت وكأنها انفصال عن الماضي، في حين يحزم منتخب “الأسود الثلاثة” حقائبه تمهيدا للعودة إلى بلده. لم يساور القلق الجماهير الإنجليزية بشأن إخفاقات تكتيكية أو عدم كفاءة فنية.
ولم تغادر إنجلترا على وقع قرع طبول المطالبة بإجراء مراجعة جذرية وتفصيلية لكرة القدم، كما لم ترتفع الأصوات مطالبة برحيل المدرب. بخلاف ذلك، تنامى شعور بأن يتم السماح للمدرب ساوثغيت، في حال أراد ذلك، بالاستمرار في مهامه على الأقل لبطولة كبرى أخرى.
تعرض ابن الـ 52 عاما لانتقادات بعد خروج إنجلترا من بطولتين سابقتين، وألقي باللوم على عدم قدرته على تعديل خطته في منتصف الطريق خلال الخسارة أمام كرواتيا في نصف نهائي كأس العالم 2018 وهزيمة نهائي أمم أوروبا العام الماضي على أرضه في ملعب ويمبلي أمام إيطاليا بركلات الترجيح.
عقد ساوثغيت يستمر حتى نهاية عام 2024، ما يعني أنه سيحصل على فرصة قيادة إنجلترا إلى نهائيات أمم أوروبا
أخيرا، وعلى الرغم من أن غبار الخسارة أمام فرنسا 1 – 2 في نصف نهائي مونديال قطر لم ينقشع بعد، إلا أن قلّة اتهمت ساوثغيت بعدم الكفاءة التكتيكية. قرر ساوثغيت مجاراة الفرنسيين بالأسلوب الهجومي باختيار خطة 4 – 3 – 3، كانت قاب قوسين من أن تؤتي ثمارها.
وقال ساوثغيت “أردنا أن نجاريهم، وشعرنا بأن هذه هي الطريقة التي أردنا أن نقترب بها من البطولة”، مضيفا “لقد فعلنا ذلك”. وتابع “قدمنا عروضا متسقة في ثلاث بطولات ولكن هذه الأمسية ربما تكون أفضل ما لعبناه ضد دولة كبرى خلال الفترة التي كنت أتولى فيها المسؤولية”.
وأردف “لكننا فشلنا والنتيجة هي كل ما يهم، وهذا أمر يصعب تحمله”. يستمر عقد ساوثغيت حتى نهاية عام 2024، ما يعني أنه سيحصل على فرصة قيادة إنجلترا إلى نهائيات النسخة المقبلة من أمم أوروبا إلا أنه قال إنه يخطط لأخذ فترة للتفكير بشأن مستقبله وتحديدا بشأن قرار البقاء أو الرحيل.
وفي هذا الصدد قال صاحب الشأن “يجب أن أتأكد من أن أي قرار أتخذه هو الصحيح”. وأضاف “أعتقد أنه من الصواب تخصيص بعض الوقت للقيام بذلك لأنني أعرف في الماضي كيف تغيرت مشاعري في أعقاب البطولات مباشرة”.
ضرورة الاستمرار
ربما يتم إقناع ساوثغيت بالاستمرار من خلال مجموعة المواهب التي يجب أن تبقى تحت إشرافه من أجل خوض غمار بطولات أخرى. فمتوسط أعمار التشكيلة الأساسية للمنتخب الإنجليزي السبت بلغ 26 عاما. ويجب أن يظل جوهر الفريق متاحا لسنوات مقبلة، إذ لا يزال لاعبون مثل جود بيلينغهام (19 عاما) وفيل فودن (22) وبوكايو ساكا (21) وديكلان رايس (23) في مرحلة النضج.
من ناحيته، ألمح المدرب الإنجليزي إلى أن صغر سن لاعبي المنتخب قد يقنعه بمراجعة عقده. وقال “هناك الكثير مما يجعلك متحمسا عندما تنظر إلى أعمار الكثير من اللاعبين”، ليضيف بكلمات تختزن بعض الحزن “لكن لا يزال يتعين عليك الفوز بالمباريات التي يمكن الفوز بها للوصول إلى الدور نصف النهائي والنهائي”.
قد يميل ساوثغيت إلى السير على المسار نفسه لنظرائه القاريين، فالألماني يواكيم لوف، مدرب منتخب ألمانيا السابق لم يذق طعم النجاح في كأس العالم إلا في المحاولة الرابعة لـ”دي مانشافت”، بينما كان المدير الفني للمنتخب الفرنسي ديدييه ديشان مسؤولا عن المنتخب الفرنسي منذ 2012، قبل التكريس العالمي في روسيا بعد أربعة أعوام.
ويحصل ساوثغيت على دعم لاعبيه داخل غرفة الملابس وخارجها، لذا يصرّ الجميع على بقائه في منصبه، في حين عكس رايس رغبتهم قائلاً “آمل في أن يبقى”. وأضاف “هناك الكثير من الحديث حول ذلك. هو رائع لنا. هناك الكثير من الانتقادات التي لا يستحقها”.
من ناحيته، يأمل الهداف والقائد هاري كاين الذي أهدر في الدقائق القاتلة ركلة جزاء أمام فرنسا كانت كفيلة بفرض التعادل 2 – 2، في أن يستمر ساوثغيت في منصبه. قال “نحب وجود غاريث كمدرب ونريده بالتأكيد أن يبقى، لكن هذا قراره”، مضيفا “لدينا فريق رائع. لاعبون شباب رائعون يصلون إلى أوجهم، ونهائيات كأس أمم أوروبا ليست بعيدة كثيرا. وبقدر ما يؤلمنا، علينا المضي قدما والتطلع إلى ذلك”. انضم اللاعبون السابقون أيضا إلى جوقة دعم ساوثغيت، فقال قائد مانشستر يونايتد السابق غاري نيفيل “إنجلترا في مكان جيد جدا، فلنكن واضحين بشأن ذلك”، مشددا “لقد خرجنا من البطولات مع عار وتساءلنا ما هو المستقبل. لدينا مستقبل عظيم وهو ساوثغيت جزء كبير من ذلك”.
الشعور بالألم
“نفس الشعور بالألم ولكن بطريقة مختلفة”، عادة ما يكون إقصاء إنجلترا عبر ركلات الترجيح، كما حدث في آخر 7 من أصل 12 بطولة شاركت فيها قبل المونديال. فدائما ما كان الإخفاق جماعيا في ركلات الجزاء، ولكن هذه المرة أتى الإخفاق بشكل فردي بإهدار هاري كين لركلة جزاء.
ويبقى للجانب النفسي تأثير هائل على كين، حيث منح هوجو لوريس، حارس فرنسا، إشارة إلى ما يمكنه القيام به في ركلة الجزاء الأولى، كما أن الضغط يزداد عند تنفيذ ركلة جزاء ثانية، ويعرف كين ذلك الأمر جيدا. ففي شهر أكتوبر الماضي سجل كين ركلة جزاء وأهدر أخرى أمام آينتراخت فرانكفورت في دوري أبطال أوروبا، كما أنه أهدر ركلة وسجل أخرى أمام ليفربول في ملعب أنفيلد في شهر فبراير من عام 2018، بحسب “سكاي سبورتس”.
وأتى نجاح كين في تسجيل ركلتي جزاء في مباراة واحدة في 3 مناسبات رفقة إنجلترا، وكان ذلك أمام سان مارينو وبلغاريا وبنما، وبالتالي لم تكن تلك المباريات بنفس الضغوطات التي تعرض لها. ومع ذلك سجل كين 53 هدفًا في 80 مباراة خاضها مع إنجلترا، مما يجعله الرجل المناسب لتنفيذ ركلة الجزاء، خاصة أن نسبة نجاحه في تنفيذ ركلات الجزاء مع النادي والمنتخب تبلغ 84 في المئة، لكن هناك علاقة خاصة بين إنجلترا وألم ركلات الجزاء في البطولات الكبرى.
وكانت البداية بالسقوط بركلات الترجيح في مونديال إيطاليا 1990 بركلة كريس وادل المهدرة، وأتى الدور على ديفيد باتي وبول إنس أمام الأرجنتين في 1998.
وهناك غاريث ساوثغيت في يورو 1996 وديفيد بيكهام في يورو 2004، إضافة إلى الخسارة بركلات الترجيح أيضًا في ربع نهائي مونديال 2006 ويورو 2012 ونهائي اليورو الماضي، لتكون ركلات الجزاء اللعنة الأكبر التي تطارد حلم الإنجليز دائما في البطولات الكبرى.