نمتلك القوة لمواجهة كورونا.. شعار الشباب الرافض للتطعيم

يشكل الشباب النسبة الأكبر من الرافضين للقاح ضد فايروس كورونا في العالم العربي، ومن ضمنهم أولئك المؤمنون بنجاعة اللقاح وحاجة العالم إليه لإنهاء الجائحة، وهناك من يعتبرون أنهم ليسوا بحاجة إليه ويمتلكون القوة الكافية لمقاومة الفايروس.
صنعاء – ترقب المواطنون العرب في العديد من الدول العربية وصول لقاح كورونا للانتهاء من أزمة الجائحة التي طالت تداعيات مختلف جوانب حياتهم، وتعالت الأصوات المستاءة من تأخر اللقاح. لكن إثر سؤال الكثيرين عن مدى استعدادهم للتلقيح كان التردد واضحا خصوصا لدى فئة الشباب الذين تتباين لديهم أسباب الرفض، فهي إما شخصية أو بسبب ظروف المناطق التي يعيشون فيها.
وأشارت العديد من الدراسات والتقارير الإخبارية إلى عزوف نسبة كبيرة من الشباب عن التلقيح في مختلف أنحاء العالم، لكن بالنسبة إلى الشباب العرب فإن هناك أوضاعا أو واقعا يفرض نفسه وأدى إلى صعوبة الحصول على اللقاح، كما هو الحال بالنسبة إلى إجراءات التباعد الاجتماعي والإغلاق والبقاء في المنازل، فهي غير ممكنة في دول مثل اليمن الذي يشهد نزاعات وانقسامات سياسية أثرت على إمكانية تطبيق الحجر الصحي وتلقي اللقاحات أيضا.
ورفض المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة العامة والسكان في صنعاء نجيب القباطي الخوض في نقاش حول توفير اللقاحات في مناطق سيطرة الحوثيين أو الحديث عن المنظمات الصحية العاملة فيها، والتي من المقرر أن تتولى عملية تقديم اللقاحات وتوزيعها في حال توفرها. فمنظّمة اليونيسيف لا تزال تحاول مع السلطات الوصول إلى اتفاق يسمح لها بتوزيع هذه اللقاحات.
قرابة 12.2 في المئة من المصريين لا ينوون التلقيح حتى لو تم توفيره مجانا
وقال القيادي في ميليشيا الحوثيين محمد علي الحوثي في تغريدة له على تويتر “إن على بريطانيا التي تبرعت باللقاحات لليمن أن تُوقف فايروسات أسلحتها فهي أشد فتكا باليمنيين، وإن البريطانيين يزودون المنظمات التي تتحالف معها بالسلاح الحديث”.
وكانت منظّمة اليونيسيف قد أعلنت على موقعها الرسمي في الإنترنت أنها ستقود عمليات شراء وتوريد اللقاح لدعم 92 دولة من البلدان منخفضة الدخل من ضمنها اليمن، إضافة إلى تأمين خدمات الشحن والتخزين للقاحات، كجزء من خطة التلقيح العالمية الخاصة بمنصّة “كوفاكس”، إلا أنها لم تتمكن من إيصال اللقاح إلى المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وأثّرت مزاعم الحوثيين في بعض الشباب اليمنيين الأقل تأثرا بالفايروس، وقال علي المنصوري من سكان صنعاء (28 عاما) “لا نريد اللقاحات، نحن لا نحتاجها وليس لدينا كورونا في اليمن”.
وأضاف المنصوري أن أغلب الناس في صنعاء يرون أن فايروس كورونا ليس إلا مؤامرة، وتابع “نحن لا نحتاج كورونا، من يحتاجه هم المسجونون في منازلهم في باقي دول العالم، نحن نمارس الحياة بصورة طبيعية، ولم نتأثر بما حدث للدول الأخرى”. وأشار إلى أنه حتى في حال توفر اللقاح فإنه لن يقبل التلقيح به.
شكوك وارتياب
لكن موقف المنصوري لا يمكن تعميمه على باقي الشباب في اليمن، وخصوصا من أصيب بالفايروس سابقا وعانى من مضاعفاته وأعراضه الخطيرة ويخشى تكرار التجربة مع السلالات المتحولة من الفايروس حيث قال الأطباء المختصون إن الإصابة السابقة لا تمنع الإصابة بسلالة أخرى متحولة.
وأعرب أحمد القرنعة (31 عاما) من مدينة إب أنه أصيب سابقا بفايروس كورونا، ويرى أن “موقف الحوثيين من التصدي للوباء سيزيد الوضع سوءا”، وأكد أنه ينتظر اللقاح بفارغ الصبر له ولعائلته لاسيما أن إصابته بالفايروس كادت تودي بحياته.
وينتشر الارتياب في اللقاحات لدى الكثير من الناس؛ إذ يخشون ظهور آثار جانبية للقاحات ويتداولون هواجسهم على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولأن مناعة الشباب أقوى وهم الأقل تأثرا بمضاعفات الفايروس فإن الكثير منهم يرون أنفسهم ليسوا مضطرين إلى التلقيح.
وخلصت دراسة استطلاع رأي لاتجاهات المصريين حول أزمة فايروس كورونا المستجد، أجراها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، إلى أن أغلب الأشخاص الذين لا ينوون التلقيح هم من الشباب.
وأفاد الاستطلاع بأن قرابة 12.2 في المئة من المصريين لا ينوون التلقيح حتى لو تم توفيره مجانا.
وتركزت النسبة الأكبر الرافضة للتلقيح في الشريحة الشبابية من عمر 18 سنة (أقل عمر مسموح له بالتلقيح) إلى 30 عاما، بواقع 13.8 في المئة من تلك الشريحة العمرية، تلتها الشريحة العمرية من 30 سنة إلى أقل من 50 عاما، بواقع 13.6 في المئة من تلك الشريحة. أما المواطنون من عمر 50 سنة فأكثر فأغلبهم يرغبون في التلقيح، والرافضون له تبلغ نسبتهم 8.5 في المئة فقط.
وعن المستوى التعليمي لرافضي التلقيح أشار الاستطلاع إلى أن النسب هي: 21.9 في المئة في ما يتعلق بالحاصلين على مؤهل جامعي فأعلى، و10.4 في المئة بالنسبة إلى الحاصلين على شهادة التعليم الثانوي أو ما يعادلها، و7.9 في المئة بخصوص الحاصلين على تعليم أقل من الثانوي.
وقالت مصادر لـ”العرب” إن تأثير الإصابة بالفايروس على الشريحة الشبابية عادة ما يكون ضعيفا، في مقابل تأثيرات خطيرة على كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، ومن ثم يكثر الإقبال على اللقاحات من قبل هاتين الفئتين، على عكس الشباب الذين عادة ما تكون إصاباتهم بالفايروس غير مقلقة.
تحرك عاجل

واللافت أن البعض من الشباب أعربوا عن استعدادهم للتلقيح لا لشيء إلا خوفا على حياة ذويهم المسنين، وأملا في انتهاء الجائحة وتحسن الأوضاع، وليس لأنهم مقتنعون بضرورة التلقيح؛ إذ تشير تقارير عديدة وتصريحات لمسؤولين حكوميين إلى أن الشباب يتحملون جزءا كبيرا من مسؤولية انتشار الفايروس وتعريض ذويهم لمخاطر الإصابة به بسبب عدم التزامهم بالمحاذير الصحية وإجراءات التباعد الاجتماعي.
وقال تاكيشي كاساي المدير الإقليمي لمنطقة غرب المحيط الهادي بمنظمة الصحة العالمية، مؤخرا، إن انتشار فايروس كورونا يقوده بشكل متزايد أشخاص أعمارهم تتراوح بين العشرينات والثلاثينات والأربعينات ولا يدرك الكثيرون أنهم أصيبوا بالعدوى.
وأضاف كاساي، في إفادة عبر الإنترنت، “هذا يزيد من مخاطر التداعيات على الفئات الأكثر ضعفا: كبار السن والمرضى الذين يتلقون رعاية طويلة الأمد والذين يعيشون في مناطق مكتظة بالسكان ومناطق محرومة”.
وتابع “هذه هي المرحلة التي ستحتاج فيها الحكومات إلى التعامل مع الزيادات أو الزيادات المتعددة، ولكن بطريقة مستدامة”.
وأضاف أن الحكومات ستحتاج إلى استجابات مستهدفة في وقت مبكر من تفشي المرض، ومواصلة تحسين أنظمة الرعاية الصحية، وتعزيز عادات صحية طبيعية جديدة من شأنها أن تساعد على منع انتشار الفايروس.
وفي الأردن على الرغم من ارتفاع الإصابات والوفيات سيطرت نغمة التشكيك على أحاديث الناس انطلاقا من ظهور الفايروس القاتل وصولا إلى ظهور اللقاح المضاد له.
كما أن كثرة التصريحات وتناقضاتها في بعض الأحيان كانتا من أبرز أسباب القلق لدى الأردنيين.
وبدأ الأردن في 13 يناير الماضي حملة تطعيم باستخدام لقاحي “سينوفارم” الصيني و”فايزر ـ بيونتيك” الأميركي من خلال 29 مركزا، حددتها وزارة الصحة، توزعت على مختلف محافظات المملكة.
نغمة التشكيك سيطرت على أحاديث الشباب انطلاقا من ظهور الفايروس القاتل وصولا إلى ظهور اللقاح المضاد له
وتباينت آراء الأردنيين بين مقتنع وغير مقتنع، فيما أرجع البعض من الأردنيين سبب عدم إقبالهم على تلقي اللقاح إلى ما أسموه بضعف أسلوب ترغيب الناس في الحصول عليه، وكان واضحا إقبال الفئات المسنّة على تلقي اللقاح مقابل انخفاض ملحوظ في أعداد الشباب.
والباعث على القلق لدى الأردنيين تمحور في معظم أحاديثهم حول تأثيراته الجانبية المحتملة، إلا أن أحد خبراء التطعيم في أحد مراكز الصحة اعتبر أن تلك المخاوف “غير مبررة”، مرجعا ذلك إلى حصول الملايين عليه حول العالم، وشدد على أن الأمر ليس مزحة ليتم التلاعب بحياة الملايين من الناس، لكن البعض من الشباب يرون أنهم ليسوا مضطرين إلى التلقيح.
وقالت حنين المفتي (طالبة أدب إنجليزي) إنه ليس لديها استعداد لتلقي لقاح كورونا وترى أنه “حتى الآن لم يثبت فاعليته حسب رأيي الشخصي، وأنا قلقة جدا لأن المدة غير كافية لتجربته على الجنس البشري ومعرفة أضراره وآثاره الجانبية. وأعتقد أن أخذ اللقاح مجازفة”.
ووصل الجدال على مواقع التواصل بشأن اللقاح المضاد لفايروس كورونا إلى حدّ الانقسام بين من يرفضه وبين المتحمسين له، فيما أطباء ومختصون يؤكدون على أمانه وضرورة تلقيه.
وانتشرت الشائعات وضجت بها المنصات الاجتماعية وصارت تبعث على الحيرة والتردد والخوف في أحيان كثيرة، خصوصاً أن الكثير منها لا يُعرف من أطلقها.
وجادل بعض الشباب بأنهم غير ملزمين بتلقيح أنفسهم ضد فايروس كورونا لاقتناعهم بأن المناعة الطبيعية أفضل من المواد التركيبية المصنعة، وأن لديهم نسبة قلق وخوف من اللقاح ومن الأعراض الناتجة عنه، ويعتقدون أن اللقاح ما هو إلا هدف تجاري.
واعتبر العديد من الناشطين الشباب أن كبار السن وأصحاب المناعة الضعيفة قد يكون اللقاح مهم بالنسبة إليهم أكثر من الفئات الأخرى الأصغر سنا حيث سيعمل على تحسين حالتهم الصحية ويزيد من مقاومتهم للفايروس.
ويؤكد الأطباء أن الحملة ضد اللقاح أثرت على الناس، لكنها السبيل الوحيد للسيطرة على الوباء والحد من انتشاره بما يمكّن من العودة إلى حياة طبيعية والوصول إلى مستوى معقول من المناعة المجتمعية التي تتحقق من خلال التطعيم.
مناعة ذاتية
لكن هناك من يصر على أنه ليس مضطرا إلى التلقيح، ويقول المهندس محمد عواد من عمان إنه أصيب بفايروس كورونا مؤخرا وتماثل للشفاء بعد أسبوعين من ظهور الأعراض، وعانى من أعراض صعبة ومؤلمة لكنه مازال غير متحمس للتلقيح.
وينتظر المهندس الشاب إجراء المزيد من التجارب والفحوصات التي تؤكد نجاعة اللقاح دولياً ومحلياً، وقال “لقد صبرنا طويلاً قبل ذلك وخلال المرحلة السابقة وعلينا أن نصبر حتى يثبت اللقاح فاعليته ويتأكد الخبراء من عدم خطورة أعراضه الجانبية”.
وبحسب عواد فإن العديد من أصدقائه يشاطرونه الرأي، ويعترف بأن هناك الكثير من الشباب الذين أبدوا استعدادا وتحمسا للتلقيح، لكنه ليس منهم. ويجادل بأنه ليس ضد التلقيح بالمطلق، لكن لقاح كورونا تم التوصل إليه على عجل.
وركزت العديد من الدراسات العالمية على تأثير اللقاح على فئة المراهقين والشباب ونجاعته ضد الفايروس، ففي دراسة أجريت على 2260 متطوعا أميركيا تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عاما، أظهرت البيانات الأولية عدم وجود حالات كوفيد – 19 بين المراهقين الذين تم تطعيمهم، حسب ما ذكرته شركة فايزر – بيونتيك.
وأبلغ الباحثون عن مستويات عالية من الأجسام المضادة المقاومة للفايروسات، وهي أعلى إلى حد ما مما لوحظ في الدراسات التي أجريت على الشباب.
وقالت الشركة إن الأطفال يعانون من آثار جانبية مماثلة للآثار التي بدت على الشباب، وهي الألم والحمى والقشعريرة والتعب، خاصة بعد الجرعة الثانية.
وستستمر الدراسة في تتبع المشاركين لمدة عامين من أجل المزيد من المعلومات بشأن الحماية والسلامة على المدى الطويل.