نقاط كثيرة لصالح دبلوماسية اللقاح الروسية.. ومعرقلات أيضا

موسكو تسعى إلى تجديد صورتها كقوة علمية وخيرية من بوابة لقاح "سبوتنيك 5".
الثلاثاء 2021/03/09
الإمدادات العقبة الأكبر

استطاعت روسيا عبر اتباع دبلوماسية اللقاح أن تكسب تأييد الكثير من الدول للحصول على "سبوتنيك 5" منذ أن أعلنت أنه فعال ضد فايروس كورونا مسجلة بذلك نقاطا جيوسياسية. ومع ذلك لا تزال عقبات الإيفاء بوعود الإمداد بالجرعات المطلوبة وتبديد غيمة الشكوك حوله، بالنظر إلى عدم موافقة دول على استخدامه، تشكل تحديا لموسكو.

موسكو - أوجد تفاخر روسيا في أغسطس الماضي بكونها أول دولة تصادق على لقاح لفايروس كورونا شكوكا في عدم كفاية اختباراتها؛ فبعد ستة أشهر، ومع تزايد الطلب على لقاح “سبوتنيك 5″، أثار الخبراء أسئلة مرة أخرى حول ما إذا كان بإمكان موسكو مواكبة جميع الطلبات التي ترد إليها من مختلف البلدان.

وبينما حصلت سلوفاكيا على قرابة 200 ألف جرعة مع بداية هذا الشهر، رغم أن وكالة الأدوية الأوروبية لم تبدأ مراجعة استخدامها سوى الخميس الماضي في عملية سريعة، قال ميلوش زومان رئيس التشيك التي تضررت كثيرا جراء الوباء إنه كتب مباشرة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للحصول على إمدادات من اللقاح.

ومن المتوقع أن تحصل دول في أميركا اللاتينية وأفريقيا ودول الاتحاد السوفييتي السابق والشرق الأوسط على ملايين الجرعات ضمن موجة من دبلوماسية اللقاحات الروسية.

نقاط جيوسياسية

لورانس جوستين: روسيا تريد تحسين صورتها العلمية بغايات جيواستراتيجية
لورانس جوستين: روسيا تريد تحسين صورتها العلمية بغايات جيواستراتيجية

غطت القنوات التلفزيونية الروسية الحكومية صادرات اللقاحات على نطاق واسع مستشهدة بالثناء من الخارج لموسكو وبثت مقاطع حول الصعوبات التي تواجهها البلدان جراء اللقاحات الغربية.

وعلى سبيل المثال قالت المذيعة أولغا سكابيفا في القناة التلفزيونية الحكومية “يواصل سبوتنيك 5 غزو أوروبا بثقة”، بينما اعتبر ديمتري كيسيليف، أكبر مذيع مؤيد للكرملين في الشبكة، الشهر الماضي أن “لقاح كورونا الروسي هو الأفضل في العالم”.

وخفف تقرير نشرته المجلة الطبية البريطانية “ذا لانسيت” الانتقادات المبكرة لـ”سبوتنيك 5″ بقوله إن “الاختبارات واسعة النطاق أظهرت أنه آمن، حيث تبلغ نسبة فاعليته ضد الفايروس 91 في المئة”.

ويمكن أن يساعد ذلك على تجديد صورة روسيا لتصبح واحدة من القوى العلمية والتكنولوجية والخيرية، وخاصة أن البلدان الأخرى تواجه نقصا في اللقاحات لأن الدول الأكثر ثراء تستحوذ على الإصدارات غربية الصنع أو لأن الشركات المصنعة تواجه طاقة إنتاج محدودة.

ويقول محلل الشؤون الخارجية فلاديمير فرولوف “تسمح حقيقة أن روسيا من بين خمس دول كانت قادرة على تطوير لقاح سريع لموسكو بتقديم نفسها على أنها قوة معرفية عالية التقنية بدلا من كونها مضخة بنزين في حالة تدهور”.

وفي حين يشير البعض من الخبراء إلى أن روسيا تريد تسجيل نقاط جيوسياسية يقول آخرون إن زيادة استخدام اللقاحات من الصين وروسيا، والتي لم تكن شائعة مثل تلك المصنوعة في الغرب، يمكن أن توفر طريقة أسرع لزيادة الإمداد العالمي.

ويعتبر لورانس جوستين، الأستاذ في معهد أونيل لقانون الصحة الوطني والعالمي بجامعة جورج تاون والمتعاون مع منظمة الصحة العالمية، أن بوتين يستخدم اللقاح لتحسين صورة مشوهة عن براعة روسيا العلمية والتكنولوجية ولأغراض جيواستراتيجية في المناطق التي تريد فيها روسيا أن يكون لها نفوذ.

عقبة الإيفاء بالوعود

Thumbnail

تبقى قدرة روسيا على تلبية الطلبات إشكالا آخر، حيث زودت الصين دولا أخرى بملايين الجرعات، لكن إنتاج اللقاح يبدو أقل بكثير من الطلب في الوقت الحالي.

وترى جودي تويغ، أستاذة العلوم السياسية المتخصصة في الصحة العالمية بجامعة فرجينيا كومنولث، أن الروس نجحوا بما يتجاوز أحلامهم الجامحة في جعل هذا اللقاح منتجا قابلا للاستعمال والتسويق.

وقال تويغ لوكالة أسوشيتد برس “لقد قدموا كل هذه الوعود الصريحة والضمنية للأشخاص داخل روسيا وخارجها بشأن الوصول إلى هذا المنتج. والآن هم عالقون في محاولة اكتشاف كيفية الوفاء بكل تلك الوعود”.

لكن ذلك ليس كل شيء؛ فروسيا عليها أن تهتم بنفسها أيضا خاصة بعد أن أعلنت السلطات عن خطط لتطعيم 60 في المئة من البالغين، أو ما يقرب من 68 مليون شخص، بحلول نهاية يونيو المقبل.

وكان الانتشار المحلي للفايروس في روسيا بطيئا مقارنة بالدول الأخرى، مع تطعيم حوالي أربعة ملايين شخص أو أقل من 3 في المئة من السكان اعتبارا من أواخر فبراير. وقد يرجع بعض ذلك أيضا إلى عدم ثقة الروس في اللقاحات.

وحتى الآن لم يكشف صندوق الاستثمار المباشر الروسي، الذي يمول اللقاح ويسوقه في الخارج، عدد الجرعات التي تذهب إلى بلدان أخرى، لكنه ذكر في وقت سابق أنه تلقى طلبات من أكثر من 50 دولة للحصول على 2.4 مليار جرعة.

وتقدر شركة التحليلات العلمية آﻳﺮﻓﻴﻨﻴﺘﻲ البريطانية أن روسيا وافقت على تصدير حوالي 392 مليون جرعة إلى الخارج، وهناك محادثات مع دول حول ما لا يقل عن 356 مليون جرعة أخرى.

وقال مؤسس آﻳﺮﻓﻴﻨﻴﺘﻲ، راسموس هانسن، “إذا حكمنا من خلال الإنتاج والصادرات حتى الآن تبقى روسيا بعيدة كل البعد عن أن تكون قادرة على تقديم هذا الكم من اللقاحات”.

وصنعت روسيا ما يزيد قليلا عن مليوني جرعة العام الماضي، وسط تقارير تفيد بوجود مشاكل مع المنتجين المحليين في شراء المعدات وصنع المكون الثاني من اللقاح. وفي الشهر الماضي صرح رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين بأنه تم إنتاج أكثر من عشرة ملايين جرعة من سبوتنيك 5″.

ويستخدم اللقاح الروسي فيروسا غير ضار يحمل مادة وراثية لتحفيز جهاز المناعة. وقالت إلينا سوبوتينا، مستشارة فريق وسط وشرق أوروبا من سي.بي.بي بارتنرز للاستشارات الدوائية، إن إنتاجه “يبقى عملية معقدة، إذ لا يمكن ضمان إنتاج مستقر لأن العمل مع المكونات البيولوجية ينطوي على الكثير من التباين من ناحية جودة المنتج النهائي”.

خطوة التنفيذ

جودي تويغ: الروس عالقون الآن في محاولة اكتشاف كيفية الوفاء بوعودهم
جودي تويغ: الروس عالقون الآن في محاولة اكتشاف كيفية الوفاء بوعودهم

لم توافق بعض البلدان التي عرضت عليها موسكو دفعات كبيرة من اللقاح الروسي على الاستخدام بعد، وربما يعود ذلك إلى المخاوف التي تحيط بـ”سبوتنيك 5″.

ففي الهند التي من المقرر أن تتلقى 125 مليون جرعة يخضع اللقاح الروسي لدراسات من أجل تحديد ما إذا كان ينتج استجابة مناعية مماثلة. أما وزارة الصحة البرازيلية فقالت إنها تتفاوض لشراء عشرة ملايين جرعة، لكن الوكالة التنظيمية في البلاد لم تأذن باستخدامها بعد.

ولم تبد النيبال التي عُرضت عليها 25 مليون جرعة موافقتها بعد، بينما عانت دول أخرى من تأخيرات في استلام شحنات اللقاح. وحصلت الأرجنتين على ما يقرب من 2.5 مليون جرعة بحلول مطلع هذا الشهر، رغم أن الحكومة كانت تتوقع في وقت ما حصولها على خمسة ملايين جرعة في يناير وأكثر من أربعة عشر مليون جرعة أخرى في فبراير.

وقال المسؤولون في المجر، الذين وافقوا على شراء مليوني جرعة على مدى ثلاثة أشهر، في يناير الماضي إنهم يتوقعون 600 ألف جرعة في أول 30 يوما، لكنهم حصلوا على 325.6 ألف جرعة فقط بحلول الشهر الجاري. ووقعت المكسيك اتفاقا بشأن أربعة وعشرين مليون جرعة وكانت تأمل في تلقي أربع مئة ألف جرعة في فبراير الماضي، لكنها حصلت على مئتيْ ألف فقط.

وأبرم صندوق الاستثمار المباشر الروسي اتفاقيات مع الشركات المصنعة في دول مثل البرازيل وكوريا الجنوبية والهند لتعزيز الإنتاج، ولكن المؤشرات تشير إلى محدودية صنع كميات كبيرة من اللقاح.

وبدأت شركة برازيلية مرحلة الاختبار التجريبي، وستشارك نتائجها مع روسيا قبل الإنتاج بهدف البيع. كما كان من المقرر أن تبدأ شركة الأدوية الهندية هيترو بيوفارما، التي عقدت صفقة لصنع 100 مليون جرعة، الإنتاج في بداية 2021، ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت العملية قد بدأت بالفعل.

وأكد كيم جي يونغ المتحدث باسم جي.أل رافا الكورية الجنوبية أن الشركة، التي تتوقع إنتاج 150 مليون جرعة هذا العام، ستصنّع المنتجات النهائية في مارس الحالي.

ولم تواجه روسيا حتى الآن أي انتقادات لتأخير إمدادات “سبوتنيك 5” إلى دول أخرى، مع تفاؤل المسؤولين الأجانب بشأن الصفقات، ومن بينهم مسؤولو المجر التي قال رئيس وزرائها فيكتور أوربان الجمعة الماضي إن “الروس يفون بوعودهم إلى حد كبير”.

وكان الناطق الرسمي باسم الخارجية المجرية تاماش مينتسر قد قال الشهر الماضي إن “موسكو ستسلّم 600 ألف جرعة متفق عليها في المرحلة الأولى بأقل تأخير ممكن، ثم 1.4 مليون جرعة إضافية”.

ومع ذلك ترى تيريزا فالون، مديرة مركز دراسات روسيا وأوروبا الذي مقره بروكسل، أن الوعد بأكثر مما يمكن تقديمه من لقاحات كورونا يمثل مشكلة عالمية، كما أنه يمثل خطرا حقيقيا على روسيا أيضا، “فقد فازت بالميدالية الذهبية لصنع هذا اللقاح الفعال. لكن المشكلة تكمن في التنفيذ”.

7