نساء باكستان في قبضة التشدد الديني

إسلاميون متطرفون يعترضون مسيرة يوم المرأة العالمي بمزيد التضييق على حريات الباكستانيات.
الثلاثاء 2020/03/10
ثمن باهظ للنضال من أجل حقوق المرأة

مناخ التشدد في باكستان الذي يطوّق كل التحركات المجتمعية ويحاصرها، لم يسمح بخروج النساء الباكستانيات في مظاهرة للمطالبة بحقوقهن في اليوم العالمي للمرأة. اعترض المتشددون الإسلاميون المظاهرة التي انتظمت الأحد في إسلام آباد ورشقوا المتظاهرات بالأحذية والحجارة، في حركة دالّة على الوضع الذي تعيشه المرأة الباكستانية في ظل هيمنة التيارات والحركات الإسلامية المتطرفة.

إسلام آباد – تظاهرت نحو ألف امرأة الأحد الماضي في إسلام آباد، المحافظة جدا، للمطالبة بحقوقهن وتعرضْنَ لرمي بالحجارة والعصي من معارضين لهذا التحرك.

وفي موازاة هذه التظاهرة، سارت نساء محجبات للمطالبة “بحرية العيش وفقا للشريعة”.

وفي مجتمع يهيمن عليه الرجال وتقتل فيه نساء بالرصاص أو طعنا بسكاكين أو خنقا ورجما وحرقا، بحجة أنهن “لطخن شرف” عائلاتهن، تواجه التظاهرات القليلة جدا المطالبة بحقوق النساء معارضة عموما.

ورشق إسلاميون في باكستان نشطاء يشاركون في مسيرة بالعاصمة إسلام آباد، بمناسبة يوم المرأة العالمي الأحد الماضي، بالحجارة والأحذية والعصي.

وشارك رجال ونساء في المسيرة وهي أكبر حشد من نوعه في البلاد ويعرف في باكستان باسم “مسيرة أورات” وتعني المرأة باللغة الأوردية.

وانتهت التظاهرة في حديقة عامة في مقابل التظاهرة المضادة التي نظمتها نساء إسلاميات. وقد فصل بين التظاهرتين حاجز بسيط وطوْق فرضته الشرطة.

وقالت إحدى المتظاهرات وتدعى طاهرة مريم (55 عاما) لوكالة فرانس برس “لا تزال المرأة تعتبر في باكستان ملكا للرجل”.

وفي الجانب الآخر من الحاجز وصفت عصمت خان (33 عاما) المناديات بحقوق المرأة بأنهن “ساذجات” يتعرضن للاستغلال من قبل “اللوبي اليهودي”. وأضافت “نحن حرات في عيش حياتنا بحسب الشريعة”.

ونُظمت تظاهرات تطالب بحقوق المرأة في مدن باكستانية أخرى. فقد شاركت نحو ألف امرأة في تظاهرة في كراتشي وبضع مئات أخريات في لاهور. وفي سوكو، في جنوب البلاد، تجمعت نساء احتجاجا قرب نهر السند حيث غالبا ما تلقى جثث النساء اللواتي يسقطن ضحية “جرائم الشرف”.

Thumbnail

وفي الآونة الأخيرة، حاول معارضون حظر هذه المسيرات، فيما حذر حزب سياسي ديني من أنه سيحاول منعها “بأي ثمن”. وفي أفغانستان المجاورة نزلت فقط حفنة من النساء إلى الشارع للتظاهر.

وقال نائب قائد شرطة المنطقة حمزة شفقات إن عشرات الرجال والنساء من “فرقة المسجد الأحمر” التي تضم أعضاء في العديد من الجماعات المتشددة في البلاد نظموا حشدا مضادا قبالة موقع مسيرة المرأة.

وقال مظهر نيازي المسؤول بالشرطة إن الضباط اعترضوا طريق الإسلاميين الذين حاولوا اقتحام طوق أمني لمهاجمة المشاركين في المسيرة.وقال شاهد من رويترز ونيازي إن الإسلاميين رشقوا المشاركين في المسيرة بالحجارة والطوب والعصي والأحذية. وقال نيازي إن أحدا لم يصب بسوء.وأضاف أن دعوى جنائية ستُرفع ضد الإسلاميين لانتهاكهم القانون ومحاولتهم مهاجمة مسيرة المرأة.

وثار الغضب بين دوائر المحافظين بسبب شعارات أطلقت في مسيرتين سابقتين مماثلتين منها “جسدي اختياري” و”جسدي ليس ساحة معركتك”.

وقبيل مسيرة هذا العام قال المنظمون إنهم واجهوا ردود فعل غاضبة شملت تهديدات بالقتل والاغتصاب، وإن ملصقات وجداريات دمرت، ومنها واحدة دمرها إسلاميون من فرقة المسجد الأحمر.

في مجتمع تقتل فيه النساء بحجة أنهن "لطخن شرف" عائلاتهن، تواجه التظاهرات القليلة المطالبة بحقوق النساء معارضة متطرفة

وقال منظمون إن عددا ممن شاركوا في المسيرة أصيبوا بجروح جرّاء رشقهم بالطوب والحجارة. ونشر أحد منظمي المسيرة ويدعى عمار راشد صورة على تويتر لإحدى القيادات النسائية العلمانية، وهي عصمت شاه جهان وقد أصيبت بجرح في رأسها. وقالت الشرطة إنها ستحقق في هذه المزاعم. وأقيمت مسيرات في مناطق أخرى من البلاد بشكل سلمي وسط تشديد أمني.

وسمحت محكمة في مدينة لاهور في شرق البلاد بتنظيم المسيرة هناك بشرط التزام المنظمين والمشاركين “باللياقة والقيم الأخلاقية”.

يشار إلى أن “مسيرة اورات” النسائية، التي يتم تنظيمها للاحتفال باليوم العالمي للمرأة في 8 مارس من كل عام، أصبحت تمثّل أكبر تحرّك نسوي احتجاجي في مجال حقوق الإنسان في باكستان خلال السنوات الماضية، حيث تجتذب سنويا الآلاف من المشاركات.

ولكن الجماعات الإسلامية المتطرفة والأحزاب السياسية اليمينية في باكستان تعارض المسيرة وتتشبث بفكرة مفادها أن المرأة تتمتع فقط بالحقوق المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية.

حيث أعلن حزب الجماعة الإسلامية يوم الخميس الماضي، ومنذ الإعلان عن تنظيم المسيرة وبدء الإعداد لها، أنه سوف ينظم فعالية مضادة يُطلق عليها “مسيرة الاحتشام”، وقال إن عضوات جناحه النسائي سوف يشاركن في هذه المسيرة وهن يرتدين الحجاب.

المرأة الباكستانية تكافح من أجل حريتها
المرأة الباكستانية تحارب التطرف من أجل حريتها

وقال بيان حزب الجماعة الإسلامية الذي تضمن الإعلان عن مسيرته المضادة لمسيرة اورات، إن  “مجتمعنا مختلف عن الغرب… لا ينبغي أن تطالب نساءنا بأي شيء آخر غير ما يكفله لهن الإسلام”.

وخلص تقرير أممي نُشر الأسبوع الماضي، إلى أن التحيّز ضد النساء على مستوى العالم مازال شائعا على نطاق واسع. وذكر التقرير أن الدول التي سجلت أعلى عدد من المواطنين يظهرون أي نوع من أنواع التحيّز ضد النساء هي باكستان وقطر ونيجيريا وزيمبابوي، في حين سجلت أندورا والسويد وهولندا والنرويج ونيوزيلندا أدنى مستويات تحيّز.

وتجدر الإشارة إلى أن المسجد الأحمر، هو مسجد في إسلام آباد ملحق به مدرسة دينية بني في العام 1965، وقد شهد في 3 يوليو 2007 مواجهات دامية بين قوات الأمن الباكستانية وبعض الجماعات الإسلامية المتطرفة والتي تتبنّى أفكار حركة طالبان، ما أدى إلى اقتحام الجيش الباكستاني في 10 يوليو 2007 المسجد الأحمر، وانتهت العملية بمقتل زعيم المتحصنين بداخله، عبدالرشيد غازي، ونحو 56 من رفاقه واستسلام الباقين.

وقد خلّف هذا الحدث تداعيات أمنية خطيرة، حيث تلته تفجيرات وعمليات اغتيال ما وضع البلاد في حالة من الفوضى زادت السخط الشعبي على رئيس البلاد وقتذاك برويز مشرف. وانطلاقا من ذلك اليوم اتخذت بعض التنظيمات الإسلامية لنفسها اسم “فرقة المسجد الأحمر” للتذكير بالحادثة وللتعبير عن انتمائها.

وتعاقب أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، على استخدام أزمة المسجد الأحمر في وسط العاصمة الباكستانية، ذريعة وشعارا، لإعلان “الجهاد” على نظام الرئيس برويز مشرف، الحليف الأساسي لواشنطن في الحرب على الإرهاب.

12