نداء تونس وحركة النهضة معا في الحكم: التقاطعات والتوازيات

الثلاثاء 2015/07/21

لئن يسعى نداء تونس وحركة النهضة الإخوانية إلى تناسي الحملة الانتخابية، فإن آثارها ما زالت محفورة في ذاكرة التونسيين الذين يستحضرون أقوال الساسة من الحركتين المتنافستين المتعاديتين حينها. لقد كانت كل حركة تخوّن الأخرى وتخيف التونسيين منها.

انتهت الحملة الانتخابية إلى ما انتهت إليه. وفازت الأختان العدوّتان بالتشريعية. وكان الخيار الذي اختاره الحزب الأغلبي نداء تونس مخالفا لكل الديمقراطيات في العالم، حيث اختار التحالف مع خصمه اللدود وترك أصدقاء آخرين أقرب إليه في العتمة.

حركتا نداء تونس والنهضة اليوم تتشاركان في حكم تونس. وبينهما ما بينهما من التقاطعات التي تقرّبهما من بعضهما بعضا ومن التوازيات التي تبعد إحداهما عن الأخرى. ولا يعني التونسيين غير سؤال واحد؛ ما الذي يمكن أن يحققه لهم هذا التشارك في الحكم بين الحركتين العدوتين؟

كان خيار التشارك في الحكم بين الحركتين قرارا فوقيّا لم يخضع إلى أي شرعية ديمقراطية. فحركة النهضة مثلا تستفتي قواعدها في تأجيل مؤتمرها العاشر ولا تستفتيها في التحالف مع عدوّ الأمس! وكان لهذا الخيار تبريراته طبعا. التبرير المعلن هو البحث عن الأغلبية البرلمانية الضرورية التي تحتاج إليها الديمقراطية الناشئة. ولكن السبب غير المعلن لهذا التحالف الناشز يتمثل في الاشتراك في الرغبة في الحكم لا في خدمة الشعب التونسي وتحقيق انتظاراته وآماله وفي الولاء والطاعة لدوائر القرار والمال الأجنبية.

حركة نداء تونس حركة دستورية تدعي أنها وريث الحركة الإصلاحية التونسية من خيرالدين باشا إلى بورقيبة. طبعا لا تخفى عملية الاستيلاء التاريخي غير المبررة على إرث الشعب التونسي؛ إذ أن تاريخ تونس ملك للتونسيين جميعا ولا يمكن أن يكون ملكا لأي حزب أو حركة. كما أن هذا الإرث الإصلاحي والبورقيبي متنازع عليه بين الكثير من الأحزاب التونسية لاسيما التي تقودها شخصيات تجمعية من حزب الرئيس التونسي السابق بن علي. وبعض هذه الأحزاب ممثل في البرلمان التونسي، مثل حركة المبادرة الدستورية، لكنها لا تنتمي إلى الرباعي الحاكم. وهذا يعني أن تشارك نداء تونس في الحكم مع النهضة ليس خيارا إصلاحيا بل هو خيار مصلحي وقد لا يكون خيارا وطنيا بل مفروض فرضا.

كما أن نداء تونس حركة علمانية لطالما نددت وشهرت بذلك التداخل الذي حاولت النهضة فرضه بين الدين والدولة. فلقد كان يحلو لوزراء النهضة أن ينشروا صورهم وهم يؤمّون مساعديهم للصلاة داخل مكاتبهم. كما كان الكثير من مسؤولي النهضة السياسيين ومن نوابها في التأسيسي يتولّون إمامة الناس في المساجد مستعيدين أدوارا قديمة للأمراء والخلفاء. وكانت نداء تونس من الحركات التي وقفت خلف الجبهة الشعبية متصدية لدستور يونيو 2013 الذي كان يريد أن يغير هوية الدولة التونسية وينص على الشريعة مصدرا رئيسيا للتشريع.

بينما حركة النهضة حركة إخوانية عقائدية تؤمن بأن “الإسلام هو الحل”. والحركة (ورئيسها) تكنّ حقدا معلنا لبورقيبة ملهم حركة نداء تونس ومرجعها. وتراه سببا في ما تسميه تجفيف المنابع الذي واصله خلفه بن علي. كما لم تعلن الحركة يوما أنها تتبنى العلمانية أو على الأقل أنها لم تعد ترى فائدة في الجمع بين الدين والدولة. بل إنها لم تقم بأي مراجعات في هذا الاتجاه. وهو ما يطرح سؤالا محيرا حول طبيعة الشراكة بين الحركتين في الحكم، فأي مشروع يشتغلان عليه من أجل تونس؟

ما أرادت حركة نداء تونس تحقيقه بإشراكها لحركة النهضة في الحكم إلى جانب الأغلبية البرلمانية هو كسب نقاط في محاربة الإرهاب الذي كان الندائيون يتهمون النهضة صراحة بدعمه. ولكن ضربات الإرهاب لم تتوقف بل زاد أذاها لتونس. وحملات التجنيد الإلكتروني والجمعياتي لم تهفت فما زال الإرهابيون التونسيون يتصدرون بقية الجنسيات عددا في مختلف الجبهات الخارجية. والصفحات والمواقع الاجتماعية الموالية للنهضة لم تغير من خطّها المتشدد المهاجم لكل مظاهر الحداثة والتحرر والعلمنة في تونس.

كما لم تحقق تونس أي مكسب اقتصادي إلى حدّ الآن. ولم تبلغ درجة الاستقرار الاجتماعي. وعلى المستوى الدبلوماسي لم تنجح تونس في الملفات الأربعة الكبرى الموروثة عن الترويكا ألا وهي الملف الليبي والملف السوري والملف المصري والملف الجزائري. ففي ليبيا التخبط الكامل والاعتراف بحكومتين والفشل في حماية التونسيين هناك. وفي سوريا لا جديد. وفي مصر موقف النهضة مناقض للموقف الرسمي التونسي في علاقة بمآلات 25 يناير. وفي الجزائر غموض والتباس وتوجّس.

من جهة أخرى، يستغرب التونسيون الإعلان المتكرر لقادة نداء تونس بأن حركتهم استمرار للبورقيبية متناسين أن بن علي تربى عند بورقيبة وكان من رجاله وصار امتدادا له وأن حزبه التجمع كان استمرارا للحزب الدستوري. كما لابد من الإقرار بأن بورقيبة لم يكن ديمقراطيا. وهو الذي بدأ في التلاعب بحرمة الدستور وكرّس الرئاسة مدى الحياة. كما أنه مارس القمع وسجن المعارضين واغتال معارضين آخرين. وهو الذي رسّخ العنصرية الجهوية التي واصلها بن علي ونتج عنها تفاوت جهوي رهيب انتهى إلى انفجار 17 ديسمبر 2010. فلا يمكن أن يكون مستقبل الشعب التونسي وراءه إذ الثورة فعل تقدمي بالضرورة. بهذا المعنى، ليس إعلان الانتماء البورقيبي إلا عجزا من نداء تونس عن إبداع درب جديد يحقق أهداف الثورة ويقود تونس إلى الأمام. فالبورقيبية ليست هدفا من أهداف الثورة وإن كانت النخب التونسية مدينة لبورقيبة بمشروعه التحديثي خاصة في مجال حرية المرأة والمراهنة على التعليم.

كاتب وباحث سياسي من تونس

9