نحن لا نرقص مع آبائنا

بين العروس العربية والعروس من إحدى الدول الغربية والأوروبية فوارق كثيرة تحصيها وكأنك تجمع بين جلد الذات وكتابة أطرف النكات المضحكة. كما بين العرس العربي التقليدي والعرس الأوروبي، فبين العرس التقليدي التونسي في خصائصه العامة وبين عرس أوروبي فوارق لا تحصى.
يعرض مقطع فيديو تم تداوله كثيرا في مواقع التواصل الاجتماعي، عرس فتاة أوروبية عاشت لحظات مثيرة ومميزة. للفتاة خمسة أشقاء ذكورا ابتكروا طريقة ذكية ليجعلوا حفل زفافها استثنائيا وسعيدا، ومن بين عادات وتقاليد أعراسهم أن ترقص الفتاة مع والدها وهي بثوبها الأبيض، ويهمس في أذنيها معبرا عن حبه وسعادته وقد يمر لتقديم بعض النصائح التي يراها ذات فائدة عندما تصبح زوجة، لكن والد الفتاة توفي قبل أشهر من الزفاف.
الأشقاء اقترحوا أن يعوضوا أختهم على الرقصة مع والدها ويرقصوا معها جميعا بالتوالي، اختاروا موسيقى تحبها الفتاة ويحبها أيضا والدهم واختاروا مقاطع صوتية مسجلة وهو يخاطبها مرة يقول لها لقد كبرتي، وأخرى يقول لها أنت حبيبتي وأنت ملاكي، وأخرى يصرخ إلاهي كم أنت جميلة يا عروسي.. مرت الفتاة بلحظات جمعت بين الفرحة والحزن كانت تبكي بين الاثنين وتحتضن إخوتها وهي تستمع لصوت والدها…
الموقف أو التجربة جد مميزة، لكنها تجعلك تفهم إحساس العروس، حالة الانتشاء فرحا، مع الكثير من الإحساس بالفقد والحنين، لكن كأنها رقصت مع والدها بل لعل التجربة جعلتها أكثر تعلقا وحبا لإخوتها. المشهد برمته استفز تساؤلات راكدة في ذهني لماذا لا ترقص غالبية العرائس العربيات مع آبائهن؟ لماذا لا تحمل عاداتنا هذا التقليد في حفلات الزواج؟ لماذا تشتهي إحدانا هذه اللحظة وتتمنى تلك الرقصة؟
بعض من المضحكات المبكيات التي تعيشها في هرج ومرج أعراسنا التقليدية أن تحجب العروس قبل الزفاف، في بعض المدن التونسية مازالت هذه العادة سارية، تحجب العروس عن أنظار الناس وحتى عن أنظار والدها وأشقائها الذكور خصوصا الأكبر منها سنا، شيء أشبه بالإقامة الجبرية..
بعد تلك الفترة ومنذ البدء في طقوس الزواج يجب أن تبدي العروس الخجل والحشمة وقد تسكنها تلك الفكرة إلى درجة لا تستطيع تبادل النظرات والحديث ومجالسة والدها وإخوتها.
إحدى الصديقات حدثتني أنها منذ بدء الاحتفالات بزفافها التي دامت سبعة أيام بلياليها لم تر والدها وأنه من فرط خجلها منه كانت تحرص أن لا يعترضها في أرجاء البيت ولا تلتقي عيناها عينيه ولو صدفة، هو كذلك كاد يغادر بيت الأسرة لكي لا يراها خجلا طبعا، وفي ليلة الزفاف طلبت أن يتصور معها صورة تذكارية لكنه نهر شقيقتها الصغرى التي بلغته ذلك الطلب، وقال لها ألا تخجلان كيف تريدينني أن أقف بجانبها وهي عروس؟ بالرغم من أن والدها معروف بشدة خجله لكن ردة فعله بدت لها جد مبالغ فيها.
لم تره إلا بعد مرور أسبوع من الزفاف في حفل الأسبوع، تقول “خنقتني العبرات وتمنيت أن أرتمي في حضنه من شدة الشوق فأنا لم أبتعد عنه من قبل لأكثر من يومين أو ثلاث، كما أنني أردت أن أشكوه شوقي لبيتنا وللمتنا فيه”.
مر على حفل زواج صديقتي أكثر من عقدين لكنها لم تنس تلك التجربة في زفافها وما زالت بداخلها حسرة على أن لا صورة تجمعها بوالدها وهي عروس. وتساءلت حائرة لماذا نحن لا نرقص مع آبائنا؟ لماذا كل هذه الحدود التي توضع أمامنا معهم؟ هل العروس تقترف جرما أو شيئا مخجلا يتطلب التستر؟ لماذا نحرم من رؤية تلك الفرحة والبسمة العريضة على محيا الأب فرحا بزفاف ابنته؟
أدق تفاصيل الزفاف عندنا تراعي الخجل والحشمة والعادات والمظاهر وكلام الناس وما لفها ولا تعير اهتماما للفرحة، للسعادة من القلب، للحظات فارقة في الحياة تخلد في الذاكرة. ما الذي يجعلنا لا نحرص على أن ترقص البنت مع أبيها في إحدى أهم لحظات عمرها؟
نحن نتفنن في كل التفاصيل وفي كل شيء لكننا لا نعرف كيف نكون سعداء، كيف نعيش الفرحة بكل حلاوتها، هذا ما يجعل بعض نسائنا يشعرن بشيء من الحسرة والحسد ربما تجاه تلك العروس الأوروبية التي ترقص مع والدها وإخوتها يوم زفافها.
بالكثير من التفاؤل والفرحة أجبت صديقتي بأننا يمكن أن نعوض بناتنا عما حرمنا منه، فاليوم صار الكثير من الآباء والأشقاء في أسرنا العربية يحرصون على التعبير عن فرحتهم للبنت والأخت العروس وبعضهم يرقص ويغني معها وباتت مواقع التواصل الاجتماعي اليوم منابر تخلد هذا التغيير في عقول الأجيال الشابة بفيديوهات تثلج الصدر بما يشع منها من فرحة وبهجة.