نحاتون شباب يعيدون إلى ساحات الموصل تماثيلها

فريق من النحاتين الشباب يعمل على إعادة إحياء التماثيل المدمرة سعيا منهم إلى مساعدة سكان المدينة على نفض ذكريات الحرب والخراب .
الأحد 2020/10/04
 الحرص على إعادة الهوية الثقافية والجمالية إلى مدينة أم الربيعين

بدأت حملة عدد من النحاتين العراقيين الرامية إلى إعادة تماثيل الموصل إلى ساحات المدينة بعد حوالي ثلاث سنوات من انطلاقها، تؤتي أكلها، حيث أصبحت الشخصيات الرمزية متنفسا مسائيا للسكان.

الموصل (العراق) – يتوافد العديد من سكان الموصل عند غروب الشمس لإلقاء نظرة على تمثال مهيب مطلي باللون الذهبي لامرأة تتأمل المدينة المنكوبة التي تحررت قبل ثلاث سنوات من قبضة تنظيم داعش.

والنصب واحد من ستة أعمال أقيمت في إطار حملة تبناها نحاتون عراقيون لتأهيل ما يمكن تأهيله من التماثيل البارزة التي كانت تزين ساحات المدينة الواقعة شمال العراق، وإعادة الموصل التي تُعرف باسم “أم الربيعين” لجمال وطول موسم الربيع فيها، إلى شكلها الرائع كما عرفها أهلها.

وتساعد هذه الأعمال الفنية السكان على التخلص من ذكريات العقوبات الوحشية التي فرضها تنظيم داعش في الساحات، حتى مع بقاء جزء كبير من مدينتهم في حالة خراب.

إذ عمل فريق من النحاتين الشباب يضم محمد نزار وعمر الخفاف ونزار عبداللطيف وخالد العبادي وعمر إبراهيم، على إعادة إحياء التماثيل التي دمرتها أيدي التطرف سعيا منهم إلى مساعدة سكان المدينة على نفض ذكريات الظلم والقهر الوحشي والعقوبات الفظيعة التي كانت الساحات العامة مسرحا لكثير منها، وعاثت في مدينتهم خرابا.

وكان النحاتون الشباب قد تمكنوا في فبراير 2018، من إعادة تأهيل تمثال “الإبريق”، وهو أول تمثال أعيد تأهيله ونصبه في إحدى ساحات الموصل، تلاه تمثال “سيدتي الجميلة” الذي أقيم في سبتمبر من نفس السنة في دائرة مرور أين اعتاد مقاتلو داعش جلد ورجم، كل من يخالف تعاليمهم.

وقال النحات عمر إبراهيم، وهو يقف قرب عمله “حاولت عبر نصب التمثال في هذه الساحة محو الصورة المظلمة المرعبة من قتل وذبح وجلد من أذهان الناس، واستبدالها برمز للجمال والانتصار على الإرهاب”.

وأضاف أن “تمثال ‘سيدتي الجميلة’ يمثل جمال الموصل وولادتها من جديد بعد التغلب على كل عقبات هذه الفترة العصيبة”.

وشرع النحات البالغ من العمر 35 عاما بالعمل على التمثال في ظروف غاية في الخطورة، عندما كان الجهاديون لا يزالون يسيطرون على المدينة، فكان يعمل عليه في قبو سري تحت الأرض.

ودمر التنظيم بعد سيطرته على الموصل في صيف 2014 العديد من التماثيل والآلات الموسيقية والتحف والمعالم التاريخية التي تعود لآلاف السنين في المنطقة.

وكانت تلك الأفعال الهمجية ضربة قاسية للموصل، التي اشتهرت على مدى قرون كمركز ثقافي للأدب والموسيقى والفنون.

وكانت الموصل تحتضن ستة تماثيل أبرزها “فتاة الربيع” الذي يجسد شابة تحمل باقة من الزهر والهواء يتلاعب بشعرها وملابسها.

وتوصل فنانو الموصل إلى إعادة نحت تمثال شبيه بالتمثال الأصلي يقف اليوم أمام مبنى خرقت واجهته القنابل والرصاص، حيث يستجير الموصليون بظله من جديد من حر الصيف القائظ.

واستطاع فريق الفنانين، بعد أشهر من العمل المضني، إكمال مشروع نحت نسخة جديدة لتمثال “بائع السوس” الذي أنجزه في سبعينات القرن الماضي النحات الموصلي طلال صفاوي، وكان يقف عند دوار السواس، في غرب الموصل، كأحد المعالم الفولكلورية التي كانت تزين المدينة.

وأعادوا كذلك نحت تمثالي الشاعر أبوتمام والموسيقي الشهير عثمان الموصلي، ليعودا إلى مكانهما في غرب الموصل.

ولكن الفنانين نحتوا التماثيل الجديدة في الإسمنت المسلح فيما كانت التماثيل الأصلية مصبوبة من البرونز أو حجر الموصل المحلي.

وقال فارس محمد، المسؤول في أمانة الموصل، “هناك نية لاستحداث تماثيل أخرى ترمز لشخصيات موصلية تاريخية كانت لها بصمة في حياة المدينة”، مشيرا إلى أن أحد التماثيل التي يريد أن يراها مثبتة هو لابن سينا​​، أب الطب الحديث، لتكريم ماضي الموصل كوجهة للرعاية الطبية من الدرجة الأولى.

ويرى الباحث في شؤون التاريخ والتراث زياد الصميدعي أن “هذه النصب تعبر عن رمزية مدينة الموصل وهويتها الثقافية وحياتها ومهنها وفصولها وخصوصا جمال ربيعها الذي عبر عنه تمثال فتاة الربيع”.

ولم يعد سوى القليل من تاريخ الموصل الثري مرئيا اليوم، فبالإضافة للخراب الذي أحدثه تنظيم داعش، تعرضت البنية التحتية للمدينة للدمار خلال المعارك التي استمرت عدة أشهر لاستعادتها، وخصوصا الجانب الغربي منها.

فلا يوجد في المدينة اليوم سوى مستشفى عام واحد، فيما لا يزال الحصول على الكهرباء والماء أمرا نادرا، عدا عن انتشار المباني المدمرة التي يتنقل بينها الأطفال للوصول إلى مدارس قليلة أعيد فتحها.

ويلجأ البعض اليوم إلى الجلوس قرب هذه التماثيل كل مساء، وذلك للحصول على لحظات من السكينة والهدوء.

وتعبر هديل نجار، ربة منزل، عن سعادتها بعودة الحياة تدريجيا إلى مدينتها مبدية أملها بعودة النازحين من أهاليها.

وأكدت نجار (30 عاما) أن “نصب التماثيل ضروري لأنه جزء من إعادة الحياة للموصل المنكوبة”.

وتم ترميم أغلب التماثيل في أماكنها السابقة بمدينة الموصل شمال العراق، بعد حوالي ثلاث سنوات من استعادة المدينة، التي تبعد 400 كيلومتر شمال العاصمة بغداد، من تنظيم داعش.بببب

24