نجاح الموساد في اختراق إيران تحدّ إضافي أمام بايدن

تقدّم العملية التي تبنّاها الموساد بشأن قتله للرجل الثاني في تنظيم القاعدة في طهران أبوأحمد المصري، بغض النظر عن الرواية الإيرانية الرسمية، الدليل على مدى تغلغل إسرائيل في العمق الإيراني، وهو ما جعل محللين يفسّرون تلك الخطوة بكونها تشكل تحديا إضافيا للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، الذي سيسعى إلى اللعب على وتر التوازن بين حليف استراتيجي للولايات المتحدة وآخر يشكل تهديدا على الأمن النووي للمنطقة.
نيويورك – تباينت تحليلات الخبراء حول مدى اهتمام جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (موساد) بتعقب أعضاء القاعدة في إيران بعد العملية الأخيرة التي استهدف الرجل الثاني في التنظيم مع أن هناك تعاونا مع جهاز الاستخبارات الأميركية (سي.آي.أي) لاستهداف كبار رؤوس التنظيم المتشدد، لكنها تتفق حول أن إسرائيل استطاعت اختراق إيران، وهذا أمر قد يسبّب صداعا للإدارة الأميركية الجديدة.
ورغم نفي إيران تقريرا نشرته مؤخرا صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية ذكرت فيه أن عملاء إسرائيليين قتلوا في طهران الصيف الماضي الرجل الثاني في تنظيم القاعدة عبدلله أحمد عبدالله والملقب بأبي محمد المصري، لكنّ محللين يرون أن نجاح الموساد في اختراق إيران بحد ذاته يشكل تحديا إضافيا أمام الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن.
وكان المصري على رأس قائمة الإرهابيين المطلوبين للولايات المتحدة، حيث رصدت واشنطن مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إلى القبض عليه. وحتى قبل تقرير الصحيفة بيوم، كانت صورة المصري لا تزال على قائمة المطلوبين.
ويرجّح المحلل الأميركي إيلي ليك، في تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ للأنباء، أنه عندما يتولى بايدن مقاليد الأمور فعليا ويبدأ في تلقي إحاطات استخباراتية ربما يهتم على نحو خاص بـ”عملية إسرائيل الناجحة ضد المصري”.
وأكد مسؤولون في الاستخبارات الأميركية أن عملاء إسرائيليين، وبناء على أوامر من مسؤولين في الولايات المتحدة، اغتالوا المصري في إيران في السابع من أغسطس الماضي، وقتلت معه ابنته مريم، أرملة حمزة بن لادن، نجل أسامة بن لادن، الزعيم الراحل للقاعدة.
والمصري متهم بأنه أحد العقول المدبرة للهجوم الذي استهدف سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في عام 1998 مما أسفر عن مقتل 224 شخصا وإصابة الآلاف، بالتزامن مع الذكرى السنوية الثامنة لقدوم القوات الأميركية للسعودية.
وتكمن أهمية هذه العملية ودلالتها في أنها وقعت داخل إيران، حيث قتل المصري بالرصاص في أحد شوارع طهران. وقال ليك إنه بحسب الحكمة التقليدية لتيار “يسار الوسط”، فإن هذا أمر مستحيل الحدوث.
وعلق يوسي ميلمان، المحلل العسكري الإسرائيلي في مقال بصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية الأحد الماضي، قائلا إن “الموساد أثبت أنه يعرف كيف يعمل كمقاول من الباطن لدى وكالة الاستخبارات الأميركية”.
وأوضح أن تنظيم القاعدة وقادته لم يكونوا يوما على رأس أولويات الاستخبارات الإسرائيلية، لذلك من المحتمل أن تكون عملية الاغتيال التي وقعت قبل ثلاثة أشهر، قد نفذت بناء على طلب السي.آي.أي.
واعتبر المحلل العسكري الإسرائيلي أنه من الصعب التصديق أن الموساد كان سيخصص الموارد والقوى البشرية لمطاردة واغتيال المصري بسبب مشاركته الثانوية في هجوم مومباسا.
وفي حين يقر العديد من المحللين بأن قادة تنظيم القاعدة البارزين فروا إلى إيران عقب سقوط نظام طالبان في أفغانستان، إلا أنهم يصرون على عدم وجود علاقة مهمة بين النظام الإيراني حيث الأغلبية الشيعية في الجمهورية الإسلامية والجماعة الجهادية السنية.
وأشار ليك إلى أن الرجل الثاني في القاعدة بعد أيمن الظواهري، الزعيم الحالي للتنظيم، لدوره في تفجير سفارتي أميركا في شرق أفريقيا، كان يعيش بحرية في إحدى ضواحي طهران، ومن الواضح الآن أن إيران تريد التعاون مع تنظيم القاعدة عندما تتقارب مصالح الطرفين.
ويؤكد توماس جوسكلين، المحرر المؤسس لموقع “لونغ وور جورنال” الإخباري، أن “إيران وتنظيم القاعدة تعاونا معا على مدار عقود ضد أهداف أميركية في منطقة الشرق الأوسط، وهناك أدلة وفيرة تعود إلى تسعينات القرن الماضي على أن إيران تسعى إلى العمل مع القاعدة في بعض الأحيان.”
وجرى الكشف عن ذلك علنا في العام 2017 عندما أصدرت السي.آي.أي مجموعة من الوثائق التي جرى العثور عليها داخل المجمّع الذي كان يختبئ فيه زعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن في باكستان. وإحدى هذه الوثائق عبارة عن مذكرة في 19 صفحة تستعرض العلاقة بين التنظيم وإيران على مدى ربع قرن.
وتظهر الوثيقة أن الاستخبارات الإيرانية عرضت على القاعدة الأموال والسلاح والتدريب، كما سهّلت سفر بعض عملاء التنظيم، وقدمت ملاذا آمنا لعملاء آخرين، كما أن زوجات أسامة بن لادن وأولاده فروا إلى إيران بعد مقتله.
ويرى ليك أن لبايدن شأنا وثيقا بجميع هذه الأمور، حيث يبحث الرئيس المنتخب حاليا عن كيفية تحقيق الهدف الذي حدده بنفسه والمتمثل في العودة إلى الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية، بعدما انسحب منه الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب في العام 2018.
وتساءل ليك في حال مضى بايدن قدما في خطته الحالية برفع العقوبات النووية المفروضة على إيران، مقابل عودة طهران إلى الامتثال لنصوص الاتفاق النووي، ماذا ستفعل إدارته حينئذ لردع إيران عن تأييد الإرهاب؟ وهل يُبقي الرئيس المنتخب على العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على البنك المركزي وعلى الجيش في إيران بسبب دعمهما للإرهاب؟
وهناك سؤال آخر مطروح بشأن ما إذا كان بايدن سيشجع إسرائيل على مواصلة عملياتها الاستخباراتية الجريئة في الداخل الإيراني؟
وعندما كان بايدن نائبا للرئيس السابق باراك أوباما، أثنت الولايات المتحدة إسرائيل عن اغتيال علماء نوويين إيرانيين، خاصة في ظل قيام واشنطن بالدور الدبلوماسي الذي قاد في نهاية المطاف إلى الاتفاق النووي في فيينا عام 2015.
وما يثير اهتمام المحللين أنه على مدار الأعوام الخمسة الماضية كانت العمليات الإسرائيلية ناجحة، وأن اغتيال المصري تم خلال صيف شهدت فيه عدة مواقع استراتيجية داخل إيران تفجيرات، على ما يبدو، نتيجة لعمليات تخريب إسرائيلية. فهل يطالب بايدن إسرائيل بالتهدئة؟
وقبل عشر سنوات، كان مفهوما أن الولايات المتحدة تسعى إلى كبح جماح إسرائيل في الوقت الذي كانت فيه واشنطن تخوض المفاوضات مع إيران. وقد حاولت إدارة الرئيس أوباما التوصل إلى صفقة أكثر قوة واستمرارية، للحد من طموحات إيران النووية، ولكنها لم تتمكن من ذلك.
ويرى ليك أن على إدارة بايدن الآن أن تأخذ في الاعتبار معرفة ما إذا كان الاستمرار في هذه الصفقة “المعيبة” يمثّل أمرا يستحق جهدا. وعلى مدار الأشهر القليلة المقبلة يتعيّن على بايدن وإدارته الانتقالية التوصل إلى قرار بشأن ما إذا كان كبح جماح إسرائيل سيساعد في احتواء إيران، أم أنه سيعيق ذلك؟