نجاح الانتخابات في تونس رهين الالتزام المجتمعي

عدم المشاركة في التصويت يعني التطبيع مع الأوضاع الاجتماعية الرديئة.
السبت 2019/09/14
الانتخابات قد تغير مصير شعب

رغم خذلانهم من طرف السياسيين الذين تفرّغوا للصراعات العقيمة، أَثبت التونسيون أنهم شعب يعرف الالتزام بالمواعيد الوطنية الكبرى. وتعتبر الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها غدا الأحد موعدا وطنيا مهمّا، فهل سيظهر التونسيون التزامهم؟

تونس - يضرب التونسيون غدا الأحد موعدا مع الانتخابات الرئاسية. يكتسي الموعد أهمية كبرى في المجتمع التونسي رغم أن النظام السياسي الذي نص عليه دستور 2014 نظام “هجين”، فلا هو رئاسي ولا هو برلماني وقد ضغطت حركة النهضة الإسلامية لصياغته لتضمن لها نفوذا وحضورا دائمين.

ويدرك التونسيون تعقيد نظامهم السياسي، وحتى غرائبه، بسبب تَجْزِئة عديمة النفع للسلطة التنفيذية، وتفتيت السلطة التشريعية، كنتيجة مباشرة للقانون الانتخابي ونظام الاقتراع الذي تم اختياره من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة. ويقول مراقبون "ليس من الصعب أن نفهم من الذي حبك كل هذه التدابير وكيف تضمن له التمكن والسيطرة على كل السلطات، من خلال موقعه المحوري في البرلمان".

وبالنسبة لصلاحيات الرئيس، فإن هناك روايتين الأولى تبدو مكرّرة تدعي أن لها صلاحيات محدودة تهم فقط الدفاع الوطني والشؤون الخارجية، إضافة إلى مجلس الأمن القومي.

ويبدو أن من اعتمد هذه الرواية شرّع مباشرة لإمكانية تولي شخصية متواضعة القدرات لهذا المنصب، تكتفي بتمثيل الدولة وتأمين الالتزامات والمهام البروتوكولية.

غير أنه إلى جانب تفوق رئيس الدولة، نتيجة لانتخابه بالاقتراع العام، فهو الضامن للدستور، أي الوصي على احترام ما ينص عليه الدستور، إذ أن الرئيس مطالب بأن يراقب ويتصرف لضمان تنفيذ الدستور لخدمة جميع المواطنين دون تمييز، وبالتالي أن تكون له رؤية وتصور لكل ذلك.

ثقافة سياسية متواضعة

الطريق نحو الديمقراطية
الطريق نحو الديمقراطية

رغم أن التونسيين لا يتمتعون بثقافة سياسية عريقة، ذلك أنهم لا يزالون يتحسسون خطواتهم الأولى في تجربة الديمقراطية، إلا أنهم يأملون من وراء تجربتهم في تأسيس ديمقراطية قد تغير وجه المجتمع. وتشمل الثقافة السياسيّة الولاء والانتماء والشرعية وخاصة المشاركة السياسية.

وينظر علماء الاجتماع للمشاركة السياسية على أنها سلوك اجتماعي يعتمد على نشاطات وجهود سياسية مختلفة يقوم بها أفراد المجتمع بهدف تحقيق أهداف تفيد المصلحة العامة.

وتعتبر المشاركة السياسية هي أساس الديمقراطية والتعبير الواضح عن مبدأ سيادة الشعب. وتقتضي المشاركة السياسية وجود مجموعة من المواطنين الذين يتوافر لديهم شعور الانتماء والاهتمام بالشأن العام، والمشاركة هي أرقى تعبير عن المواطنة التي تمثل الانتخابات في المرحلة الراهنة.

وقد بلغ عدد المسجلين الجدد للانتخابات التشريعية والرئاسية المليون ونصف المليون مسجل، 54 منهم من الإناث وحوالي 60 بالمئة من الشباب (بين 18 و35 سنة)، وفق ما صرح به نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر.

ويبلغ عدد المسجلين في السجل الانتخابي حوالي 7 ملايين و200 ألف تونسي وتونسية، أي بما يعادل حوالي 80 بالمئة من نسبة الجسم الانتخابي، وهو ما يفوق المعايير الدولية التي اشترطت أن يضمّ السجل الانتخابي ثلثي الجسم الانتخابي على الأقل.

وتكمن أهمية المشاركة الانتخابية في أهمية شعور الناخب بمدى تأثير صوته الانتخابي في العملية الانتخابية، وبالتالي تغيير مصير الشعب، ووضع الوطن في الاتجاه الصحيح.

ويقول مراقبون إن رهانات الانتخابات المقبلة ليس أقل من خلاص البلاد، وإنقاذها بعد إخفاقات منظومات الحكم الناتجة عن انتخابات 2011 و2014، وأمواج خيبة الأمل والاستياء والإحباط التي طغت على المجتمع التونسي.

ومن سلبيات المرحلة في تاريخ تونس التهافت على المناصب العليا حتى ولو لم يكن الساعي أهلا لها، فآفة الدول عموما أن يتولّى مقاليد الحكم والمسؤولية فيها أشخاص متطفّلون على السياسة وخدمة الوطن. وتمثل الانتخابات القادمة إحدى المراحل المهمة لمتابعة تطوّر النظام السياسي في تونس وإسهامه في ديمقراطية النظام وبالتالي تطور المجتمع.

ما تعنيه عدم المشاركة

مخاوف من العزوف الانتخابي
مخاوف من العزوف الانتخابي

يتخوف مراقبون من العزوف عن المشاركة. ويرى أكثر المحللين للشأن السياسي أن قرار عدم المشاركة في الانتخابات البلدية الماضية يعكس حالة من العزوف عن كل الاستحقاقات الانتخابية القادمة، حيث ترجع أسباب ذلك إلى خيبة أمل يشعر بها أبناء الشعب تجاه السياسيين، نظرا إلى عدم الإيفاء بالوعود التي تم إطلاقها خلال الحملات الانتخابية بالإضافة إلى تأثيرات ظاهرة الاغتراب السياسي للشباب.

وتعتبر فئة الشباب بين 18 و40 سنة الأبرز بنسبة 60 بالمئة من كتلة الناخبين التونسيين. وبيّن سبر الآراء أجرته منظمة “أنا يقظ” في السنة الماضية أن 69 بالمئة من الشباب أعربوا عن عدم ثقتهم في الأحزاب السياسية فيما أعرب 55 بالمئة من الشباب عن عدم ثقتهم في مؤسسة رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة.

ولا تتجاوز نسب الانخراط الحزبي 2.7 بالمئة في حين أنّ نسبة حضور الشباب من الجنسين إلى الاجتماعات الحزبية والانتخابية تقارب 22.3 بالمئة.

وتسأل خديجة معلي “أنتَ أو أنتِ، يا من ترشحتَ أو ترشحتِ لأعلى المناصب في الدولة: رئاسة الجمهورية، لتكون مسؤولا عن أمن وأمان شعب بأسره بكل ما تحمله العبارتان من معانٍ، هل تُقدر حجم المسؤولية التي تدَّعي أنك أهل لها؟ فمثلا، هل لديك حل لمشكلة مليون شاب وشابة، عاطلين عن العمل ويعيشون على حلم إيجاده، وحلم الحصول على مسكن لائق وتكوين أسرة تعيش حياة كريمة؟.. هذا إذا لم يكن العاطل عن العمل مسؤولا عن أسرة، فتراه يعيش يوميا كابوس تدبير نفقات المنزل وتعليم الأطفال وتوفير المأكل والملبس والرعاية الصحية.. فكيف تضمن حل مشكلة هؤلاء؟ وهل تدرك حجم المسؤولية الضخمة التي أنت مقبل عليها؟”.

الانتخابات القادمة إحدى المراحل المهمة لمتابعة تطوّر النظام السياسي في تونس وإسهامه في ديمقراطية النظام وبالتالي تطور المجتمع

وتضيف أن “12 مليون تونسي وتونسية ينتظرون من يحل كل مشاكلهم! كيف يمكنك أن تواجه النظرات النارية في أعينهم والإحساس بالغضب والقهر وخيبة الأمل المتمكن من أفئدتهم لأنك لم ولن تستطيع أن تكون في عونهم فضلا عن عجزك عن الإيفاء بكل الوعود التي تقدمها الآن بكل استخفاف وعدم مسؤولية، بل وباستهزاء بمستقبل أجيال سوف تَلعَنُكَ إلى أبد الدهر”.

ويؤكد مراقبون أنه إذا قاطع التونسيون الانتخابات فإنها ستتحول إلى عيد لأنصار الأحزاب الكبرى وبالتالي العودة إلى ما قبل 2010. تلك الأحزاب، وهي أساسا حركة النهضة والحزب الأقوى ذو المرجعية الدستورية الذي لم تتضح بعد ملامحه.

ويرجح خبراء أن المشروع السياسي الجديد ليوسف الشاهد وفقا لخارطة التحالفات السياسية الجديدة، سوف يكون الرابح الحقيقي من هذا الفراغ. إذ لها خزانها الانتخابي من الأنصار والأتباع والموالين والذين سوف يخرجون للتصويت التزاما بالواجب الحزبي وبالتالي سوف تهدينا انتخابات 2019 ذات الخارطة الحزبية الحاكمة.

وفي المحصلة ماذا يعني عدم خروجك للتصويت في الانتخابات القادمة؟ هو يعني استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه أي استمرار نفس الوجوه الحاكمة بذات البرامج المفقودة وبذات الأطماع في الاستفراد بالحكم. وسوف يجد التونسي نفسه مخيرا إمّا أن يخرج للتصويت لتغيير هذا الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وإما عليه التصالح مع مجمل الأزمات التي يعيشها مثل ارتفاع الأسعار وارتفاع نسبة التضخم وتراجع الخدمات الأساسية في الصحة والتعليم والنقل ونقص الأدوية وارتفاع معدلات الجريمة وتنامي مجمل الظواهر الاجتماعية السلبية بسبب انتشار المخدرات والعنف.

20