نبوءة السياب والموت غرقا

تأتي السيول التي تقتلع القرى وتهدد المدن، ويعلو صوت التحذيرات من أخطار محتملة تهدد مدن العراق الغربية التي استوطنت حول الفرات، فقد اعتادت الحضارة العراقية على أن تبني مدنها حول حوض الأنهر.
الخميس 2019/03/28
أهل العراق مغلوبون على أمرهم

حين كتب السياب “أنشودة المطر” لخّص جوهر مأساة العراق الذي تنهمر فيه الدموع كالمطر وهو يحاكي القرى والمدن التي يسمعها، التي تذْخرُ فيها الرعود وتخزن البروق في السهول ويسمع أنين المهاجرين الذين يصارعون بالمجاديف العواصف خائفين من الهطول والسيول التي ظل الشعب يئن كل تلك العقود من السيول حيناً والجفاف في حياته أحياناً، برغم الخير الوفير لتشبع الغربان والجراد، وكأن الحياة رحى تدور تطحن الشوان والحجر.

وكأن الجوع قدر عراقي تشربت به أرض الرافدين التي تفيض كل موسم ويتهدد الملايين من سكانها الذين أغرقتهم عوالم الفوضى التي تفاقمت بعد ألفين وثلاثة بأزمات بدأت كي لا تنتهي، فقد غرق الناس في الموصل وهناك ضحايا ما زالت جثثهم لم تنتشل بعد بحادث غريب ضاع فيه المئات من الأطفال والنساء، كانوا يبحثون عن الفرح الغائب في أعياد نوروز وبدء موسم الربيع.

تأتي السيول التي تقتلع القرى وتهدد المدن، ويعلو صوت التحذيرات من أخطار محتملة تهدد مدن العراق الغربية التي استوطنت حول الفرات، فقد اعتادت الحضارة العراقية على أن تبني مدنها حول حوض الأنهر.

العراق الذي تخلص برهة من تهديدات الفيضانات لخمسين عاما خلت ببناء ستين سداً، وكان وطن الماء بل ومخزن الماء الذي يجعله أمناً معافى فقد تلك الخاصية نتيجة إدارات سيئة لم تعِ قيمة خبراته في الري، الذي هو خبرة عراقية بامتياز منذ أقدم العصور الآشورية والبابلية حتى عصر العباسيين الذين برعوا في تنظيم الري، حتى تأريخه الحديث الذي عملت فيه الحكومات المتعاقبة.

السيول تداهم المدن وتدق أبواب البيوت في نينوى وصلاح الدين والأنبار، جعلت أهل العراق يستغيثون، وسكانه مغلوبين على أمرهم، فما إن انقضت أحداث الموصل وأوشك الناس على لملمة جثث قتلى العبارة حتى سقطت سقيفة في البصرة.

 هرع الناس خوفا من السيول والعواصف الرعدية التي تكشف ضعف جاهزية إدارات الدولة وخواءها وترهلها وتعري زيف ملايين الموظفين الذين بلغوا ثمانية ملايين موظف يستنزفون ثلثي ميزانية البلاد التشغيلية، في سابقة لم يشهدها العراق في كل تاريخه تنم عن غياب التخطيط والعشوائية في عمل الإدارات والقيادات التي تسعى لاسترضاء أتباعها، الذين أنتجوا ثمانية ملايين موظف حكومي يشكلون ظاهرة فريدة في تاريخ البلاد التي كان عدد موظفيها لحظة الاحتلال ثلاثة ملايين موظف دولة، يعملون ليل نهار لأداء مهامهم، في نظام لم يعطهم ربع الذي يتلقاه موظفو الدولة حاليا.

24