نافيد كرماني: على أوروبا مواجهة القوميين الجدد

السبت 2016/06/11
كاتب مسلم مثير للجدل ترشحه الأحزاب الكبرى لرئاسة ألمانيا

باريس - أعلن الرئيس الألماني الحالي يواخيم جاوك، عدم نيته الترشح لولاية ثانية. في بلاد عامرة بالديمقراطية هذا القرار طبيعي. قرار لا يثير الشكوك ولا الشبهات. موقف لا يحرك الجماهير “الأبية” باتجاه الساحات للنداء من أجل بقاء الرئيس مدى الحياة. لكنه قرار دفع بالألماني-الإيراني المسلم نويد كرماني إلى واجهة الحدث السياسي للمرة الثالثة في حياته.

بدأت الأسئلة تطرح عن إمكانية إعلانه مرشحاً عن أحزاب المعارضة لمنصب الرئيس. منصب شرفي في بلاد يحكمها المستشار. خلصت التحليلات إلى أن كرماني قد يكون مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي مع حزبي الخضر واليسار المعارضين. فولد السؤال على طاولة التشريح؛ هل يفعلها قادة هذه الأحزاب ويرشحون شخصاً مسلماً لرئاسة ألمانيا؟

كرماني وصلب المسيح

ظهر كرماني سياسياً للمرة الأولى عام 2009. في ذلك العام قرر اثنان من كبار رجال الكنيسة في ألمانيا رفضهم مشاركته جائزة ولاية هيسن الثقافة. كتب يومها الباحث الاستشرافي الألماني شتيفان فايدنر يقول “تغيرت النظرة الخاصة بالحوار حول الإسلام، حتى خُيّل للمرء أن ممثلي الكنيسة ذوي النفوذ القوي كشفوا عن وجوههم الحقيقية التي كانت منشرحة للحوار. تُرى ماذا حدث؟”.

الحدث هو أن ممثلين رسميين للمؤسسات الدينية، منهم الكاردينال الكاثوليكي كارل ليمان والرئيس السابق للكنيسة البروتستانتية بولاية هيسن المطران شتاين أكر، رفضا مشاركة “كرماني” في هذه الجائزة التي رفضها مؤسس معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية بجامعة فرانكفورت. الألماني ـ التركي فؤاد زسكن بسبب تقاسمها مع رئيس الجالية اليهودية في فرانكفورت سالومون كورن، المعروف بمواقفه المحابية لإسرائيل وخاصة يوم عدوان الأخيرة على قطاع غزة.

يومها ظهر كرماني الذي فضل مشاركة الجائزة رغم موقفه من كورن. فرفض رجال الدين المسيحيون مشاركة هذه الجائزة معه بسبب مقال له انتقد فيه التفسير اللاهوتي للصليب.

قال الكاتب المؤمن، بحسب وصف المواقع الألمانية، إن عملية الصلب تثير اشمئزازه لدرجة “أنه يجد فيها نوعا من الاستخفاف بالرب”. تعبير وصفي كتبه بعد زيارته كنيسة القديس لورينزو في فلورنسا. أضاف حينها “كنت جالسا أمام لوحة جيدو رينى الموجودة في الهيكل وكان المنظر مؤثراً ومباركاً لدرجة أني تمنيت ألا أترك المكان. ولأول مرة ظننتُ، ولستُ أنا فقط، أنني بدأت أصدق عملية الصَّلب”. وكان هذا استكمالا لحادثة الصليب. الحادثة تسببت بسحب الجائزة من كرماني، فثار الكثير من اللغط والنقاش.

ظهر كرماني للمرة الثانية على الساحة السياسية في خطاب حماسي. كلمات قوية ألقاها يوم تسلّمه جائزة السلام من اتحاد الناشرين الألمان في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب عام 2015. ختم كرماني كلامه بتلاوة سورة الفاتحة أمام الجمهور طالباً الصلاة للمسيحيين المختطفين لدى داعش.

اقترب من المسألة السورية كألماني، ورفض العنف والإبادة الجماعية التي يقودها النظام السوري، وقص على الألمان حكاية الأب جاك مراد، الراهب اليسوعي التابع لرهبانية الخليل التي كان يرأسها الأب باولو دوليليو.

كرماني أثناء خطاب حماسي ألقاه يوم تسلمه جائزة السلام من اتحاد الناشرين الألمان في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب عام 2015. وقد قرر أن يختم كلامه بتلاوة سورة الفاتحة.

سرد كرماني قصة خطف مراد من بلدة القريتين السوريَّة. وتحدث عن العيش المشترك الذي قامت به الجماعة مع جوارها المسلم الذي تعايش معها بحب أيضا. وكلامه جاء ترجمة لمشاهداته المباشرة لهذا العيش يوم زيارته لسوريا سنة 2012.

سأل كرماني يومها: كيف بات من الممكن القيام بمثل هذه الأفعال؟ أجاب نفسه، بأنها تكمن بالتحديد في مواجهة العالم الإسلامي الصادمة مع الحداثة المستوردة من أوروبا والمفروضة بالعنف غالباً. تكمُن من جهةٍ أخرى برأيه في الحاضر، حيث يجري استبدال كلِّ عودةٍ فعليةٍ إلى التقاليد التي نمت تاريخياً بالادعاء بالعودة إلى بدايةٍ أصيلةٍ مزعومةٍ.

ضد الفاشية الدينية

جاءت دعوة كرماني للنضال ضد الفاشية الدينية التي تواجه المسلمين والغرب، والتي يراها تتمثل في إيران وتنظيم داعش. نضال يعتبره إلزامياً، ولا بد أن يخاض ذات يوم، وذلك سوية من قبَلِ المسلمين وغير المسلمين، لأنَّ كليهما يعاني من ذلك.

كتب يومها الباحث الألماني شتيفان فايدنر والذي يظهر بدور المدافع عن كرماني بكلّ قواه، أن الأخير نجح في إطلاق هذا النداء، لأنَّه استطاع تقديم ما ينبغي على الكاتب أن يكون قادرًا على تقديمه، استخدام الكلمة في اللحظة المناسبة وفي المكان المناسب، تحرير الإسلام من أسرِ الفاشيَّة الدينيَّة، يقول فايدنر “أهدانا كرماني، نحن وكلّ من لديهم قلوبٌ مفتوحةٌ، أهدانا تطهيراً وغسلاً وتنقيةً للقلوب، لم ندركها إلا في اللحظة التاريخيَّة التي تلقيناها فيها، بعد مدةٍ طويلةٍ جدًا من تحريمها على أنفسنا”.

كانت لحظة منح كرماني جائزة السلام تلك، برأي فايدنر وخطابه في كنيسة القديس بولوس في مدينة فرانكفورت، “شاهد عيان على لحظةٍ تاريخيَّةٍ بحق. هذا ليس بسبب منح مسلمٍ ألمانيٍ للمرّة الأولى أهمّ تكريمٍ تقدِّمه ألمانيا الثقافيَّة في الوقت الحاضر، وليس لأنَّ منح الجائزة قد تمَّ في هذه الكنيسة السابقة، التي كانت في سنة 1848 مكان اجتماع أوّل برلمانٍ منتخبٍ بحريَّةٍ في ألمانيا، بل بسبب فعلٍ جماعيٍ تكوَّنَ من خطابٍ مؤثر ومن الاهتمام والانفعال البالغين. وأخيراً وليس آخراً من حضورِ ساسةٍ مهمين وشخصياتٍ اجتماعيَّةٍ مرموقة، ولأنَّ الإسلام في هذا الحفل، والمسلمين، وفي نهاية المطاف كل الذين يتعاملون مع المسلمين، قد تم تحريرهم من الأسر الذي وقع فيه المسلمون منذ أكثر من قرنٍ ونصف من الزمن، بدايةً بسبب الاستعمار الغربي، ومن ثم بسبب الردِّ عليه الذي لبس لبوس التعصب الديني”.

إن كان منحُ مسلم جائزة السلام تلك نال كل هذا التحليل، وموقفه من الصليب منعه من جائزة ثقافية أخرى، فكيف بترشيحه إلى منصب رئيس الدولة؟ هل يمكن للألمان قبول فكرة “مسلم رئيسا للدولة؟” أم فعلا تجاوز الشعب الألماني المسألة الدينة؟ إذا ما انتبهنا إلى كونه مسلماً متديناً وليس مسلماً مدعياً للعلمانية. فهو صاحب مؤلفات في الإسلام وتأثير جمالية النص القرآني على السامعين والقُرّاء. كتب بعنوان “بلاغة النور” كتابا ترجم للعربية يحلل فيه جمالية النص القرآني.

وعرف عنه تتلمذه على يد الباحث الإسلامي نصر حامد أبو زيد. فهل يُقبل هذا في أوروبا اليوم؟ أوروبا التي وصفها كرماني في أحد حواراته مع معهد “غوته” بأنها مهددة بالتطرف. بل طالب بتأسيس تحالفات أوروبية أصغر حجماً لخلق القدرة على الفعل.

“بلاغة النور” كتاب يحلل فيه كرماني جمالية النص القرآني، وفيه وفي غيره لا ينكر إيمانه،
وبهذا تسير أوروبا بسرعتين، الاتحاد الأوروبي والتحالفات الأوربية الأصغر بين الدول، بهدف التصدي لما أسماه “الموجة الجديدة من القومية، وأيضاً التصدي للمأساة المتفاقمة على أبواب أوروبا، فإن أوروبا تحتاج لدفعة اجتماعية جديدة. وهذه الدفعة يجب ألا ننتظرها دائما من مستويات عليا، بل يجب أن تأتي من المواطنين أنفسهم. فنحن نرى، وعلى الأقل الآن، ما هو المجتمع الذي يودّ رافضو المشروع الأوروبي العيش فيه. ما هو على المحك الآن هو قيمنا وهي التضامن والحرية والانفتاح على سبل الحياة المتعددة، ليس على الثقافات الأجنبية فقط. ويشكل كل من فيكتور أوربان (رئيس وزراء هنغاريا اليميني)، وماري لوبان (رئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني في فرنسا)، أو حزب البديل من أجل ألمانيا، تهديداً لهذه القيم أكثر من التهديد الذي يشكله مليون لاجئ لها”.

المسألة مازالت في حدها التأويلي. ربما لن يرشح “كرماني” لأيّ منصب وربما تفعلها الأحزاب الألمانية وترشحه. وربما تفعلها الجمعية العمومية الناخبة وتختاره رئيسا لألمانيا، كما سبقها الناخبون في لندن بانتخاب صادق خان عمدة لمدينتهم كأول مسلم يصل إلى هذا المنصب الرفيع في أوروبا.

مسلمون قادة

كل شيء اليوم في أوربا متوقع. بجولة قصيرة بين البلديات والمجالس النيابية والمراكز الحكومية الكبيرة تجد العشرات من المسلمين في مناصب قيادية وحساسة. في البرلمان الألماني عشرات الأتراك. وكذلك في بلجيكا وحكومة بروكسل العامرة بالعرب المهاجرين. وزيرة التعليم الفرنسية نجاة بلقاسم ووزيرة العمل الفرنسية أيضا مريم الخمري. دولة المؤسسات حلّت المعضلة فلا منصب دائم وأبديّ. ا منصب حرّ يتحكم صاحبه بمقدرات الدولة كيفما شاء. لا دولة تسمح بتجيير قدراتها السياسية والعسكرية لحساب فلان أو فلان. مؤسسات لا تعطي الصلاحية لأحد بأن يجيّر قدراتها ومنصبه لصالح بلده الأم. فلا خوف من كرماني الإيراني بأن يُقرب العلاقات الإيرانية الألمانية لكونه من تلك البلاد، فهو يراها بلادا متطرفة وخطرة على الإسلام أولا والغرب ثانياً.

لن يكون إيراني الأب والأم المولود في مدينة زيجن الألمانية عام 1967، والذي يعيش في مدينة كولونيا حاليا، إلا ألمانيا من أصل إيراني. ولن يكون إلا نتاج ثقافة هذا المجتمع. إن صار رئيساً نتيجة انتخابه من قبل الجمعية العامة والبرلمان الألماني البوندستاج الذي طالبه بمناسبة الذكرى الـ65 على كتابة الدستور، في خطاب ألقاه كرماني هناك، لاعتماد سياسة لجوء أكثر تسامحاً مع اللاجئين.

12