مَن يتغدّى بِمن؟

يبدو أن رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي أجاد تطبيق المثل الشعبي الشائع “تغدّى به قبل أن يتعشّى بك” في مناوراته السياسية للتقرّب إلى خصومه، بعد محاولات التفرّد بالقرار السني والخروج من السرب الذي أدى إلى تزايد النقمة عليه من قبل قادة المكون في طائفته، ومحاولات البعض منهم التوافق والاتفاق مع الإطار التنسيقي لإيجاد بديل لكرسي رئاسة البرلمان الذي يشغله الحلبوسي لدورتين متتاليتين، خصوصا مع وجود أرضية خصبة للتغيير يقودها نوري المالكي زعيم دولة القانون، الذي لم يغب عن ذاكرته تحالف الحلبوسي مع غريمه مقتدى الصدر ومسعود بارزاني لتشكيل تحالف إنقاذ وطن الذي كان يرفع شعار حكومة الأغلبية لتشكيل الحكومة، ومحاولاته كسر شوكة الحلبوسي انتقاما من ذلك التحالف الذي كان يعارض المالكي.
إسقاط الصبي البهلوان أصبح مسألة وقت، وهو ملخص القرار الذي اتخذه بعض القادة في الإطار التنسيقي لإسقاط الحلبوسي، عندما كانت تغريدة أبوعلي العسكري، القيادي في كتائب حزب الله العراقي، تقول إن نهاية سلطة الحلبوسي باتت وشيكة، ملمّحا إلى الرغبة بإزاحته مع آلية الاستقالة التي رماها الإطار التنسيقي في مرمى البيت السني.
الحراك لن يتوقف عند المنشقين، بل سيمتد إلى نواب تحالف عزم برئاسة النائب مثنى السامرائي الذي كان يوالي الإطار التنسيقي في تحالفه
إلا أن الحلبوسي، على ما يبدو، أدرك اللعبة جيدا، فمارس سياسة استباق الأحداث قبل وقوعها، عندما بادر إلى عقد سلسلة من لقاءات الصلح مع معارضيه، ابتدأها مع الشيخ حاتم سليمان أمير قبائل الدليم بواسطة أحمد أبوريشة، لتستمر محاولات التراضي – تتسرب منها هذه الأيام محاولة التراضي مع جمال الكربولي زعيم حزب الحل – وتشير مصادر سياسية إلى حراك سياسي يقوده رئيس البرلمان العراقي وخميس الخنجر رئيس تحالف السيادة للصلح مع خصومهم بهدف توحيد البيت السني، حيث اشترط الكربولي عدة شروط مقابل موافقته على الصلح، منها إعادة توزيع المناصب في الأنبار والمحافظات ذات الغالبية السنية، وإطلاق المشاريع في المناطق التي تقع تحت وصاية الكربولي، وصياغة اتفاق جديد بشأن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
ويبدو أن سلسلة من لقاءات الصلح تواصلت في الأنبار، وكانت من ضمنها المصالحة مع محافظ الأنبار علي فرحان الدليمي والبعض من شيوخ الأنبار المعارضين. وهناك مساع لتوحيد الجبهة السنية بدأها الحلبوسي، يشاركه فيها خميس الخنجر لترتيب الوضع السني القادم. ومن الواضح أنه سينضم إلى تلك الجبهة نواب ديالى الذين انشقّوا عن تحالف السيادة وكذلك النائب مشعان الجبوري.
وتشير المصادر إلى أن الحراك لن يتوقف عند المنشقين، بل سيمتد إلى نواب تحالف عزم برئاسة النائب مثنى السامرائي الذي كان يوالي الإطار التنسيقي في تحالفه.
توحيد البيت السني هو ما سيوقف التراشق الإعلامي بين الأطراف المختلفة كبداية حسن نية، خصوصا بين الحلبوسي والإخوة الكربولي الذين يملكون قناة فضائية (دجلة) كانت قد أعلنت عن إنتاج مسلسل بعنوان “دهن حر” وهو إيحاء ضمني لتوصيف ونقد رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، حيث سيتوقف عرض هذا المسلسل بعد تعهد دفع تكاليف وخسائر المسلسل من قبل صندوق الحلبوسي مع ضمان عدم عرضه أيام شهر رمضان على شاشة الفضائية.
كل الأحداث والوقائع تدل على أن الحلبوسي بدأ حراكا يستبق به القوى التي تريد إسقاطه بخطوتين، ويجعله يتغدّى بها قبل أن تتعشّى به. لكن حلبة السياسة في العراق لا تُعرف نتائجها ولا يمكن تقدير الفائز من الخاسر إلا بعد انتظار نهاية اللعبة، خصوصا إذا كان العامل الخارجي حافزا وفاعلا في المشهد السياسي العراقي، ليبقى المواطن بانتظار خاتمة مسرحية أبطالها وفصولها تحكي حكاية عنوانها “من يتغدّى بِمن؟”.