ميتا تنضم إلى سباق "برمجة بلا مبرمجين".. وزوكربيرغ يحدد موعد التحوّل

نقلة مفاهيمية في مجال البرمجة تمثل بداية انتقال من نماذج دعم المهندسين إلى نماذج استبدالهم التدريجي بوكلاء أذكياء.
الأحد 2025/05/04
تحولات جذرية في وادي السيليكون

واشنطن - في تحوّل يعكس الاتجاه المتسارع نحو الأتمتة الشاملة، قال مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، إن أدوات الذكاء الاصطناعي ستتولى قريبا كتابة معظم الشيفرات البرمجية الخاصة بالشركة، مرجحا أن يتم ذلك في غضون فترة تتراوح بين 12 و18 شهرا. وتصريحات زوكربيرغ، التي جاءت خلال مقابلة إذاعية مطوّلة مع بودكاست دواركيش باتيل، أثارت موجة جديدة من الجدل حول مستقبل مهنة البرمجة، ودور المهندسين في بيئة تتغير جذريا بفعل التقنيات التوليدية.

وقال زوكربيرغ إن الذكاء الاصطناعي الذي تطوره ميتا لم يعد يقتصر على تقديم اقتراحات للمبرمجين، بل بات قادرا على تولي دورة حياة التطوير كاملة، من تلقي الهدف، إلى تنفيذ الاختبارات، واكتشاف الثغرات، وتحسين الأداء، وكتابة شيفرة بجودة تتجاوز ما ينتجه المهندسون المحترفون، “لا أتحدث فقط عن أدوات إكمال تلقائي، بل عن وكلاء أذكياء يمتلكون القدرة على التفكير البرمجي المتكامل”.

وأضاف، "خلال أقل من عامين، ستُكتب غالبية الشيفرات داخل ميتا بواسطة أدوات ذكية".

هذه النقلة المفاهيمية تمثّل بداية انتقال من نماذج دعم المهندسين إلى نماذج استبدالهم التدريجي بوكلاء أذكياء، ما يفتح بابا واسعا للأسئلة حول طبيعة المبرمج في السنوات القادمة.

مختصون يرى أن مهنة البرمجة لن تختفِي، ولكنها ستتغير جذريا، تماما كما تغيرت الصحافة، أو التصوير، أو حتى الترجمة

وأوضح زوكربيرغ أن ميتا لا تطور أدوات تطوير برمجية بهدف تسويقها خارجيا، بل تبني منظومة مغلقة من وكلاء الذكاء الاصطناعي مخصصة لتطوير وتحسين أدواتها الخاصة، وعلى رأسها مشروع “لاما” (نموذج اللغة الكبير للذكاء الاصطناعي من ميتا)، الذي بات يمثل حجر الزاوية في طموحات ميتا لتطوير نماذج مفتوحة المصدر قادرة على المنافسة في سوق الذكاء الاصطناعي العالمي.

وأكد "نحن لا ننافس على أدوات التطوير العامة، بل نبني وكلاء برمجة وبحث يدعمون أعمالنا الداخلية، خصوصا في الأبحاث التأسيسية لمشروع لاما".

وتتناقض تصريحات زوكربيرغ الأخيرة جزئيا مع توقعاته السابقة، حيث كان قد أشار مطلع العام الجاري إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعي ستكون قادرة على أداء مهام مهندس برمجيات من المستوى المتوسط بحلول نهاية عام 2025. أما الآن، فيتحدث عن منتصف عام 2026 كموعد أقرب لتحقيق هذا الإنجاز، في إشارة ضمنية إلى صعوبات فنية وتقنية لم تكن محسوبة بدقة.

وهذه المراجعة في الجدول الزمني تعكس ما وصفه مراقبون بـ"الواقعية الجديدة"، إذ بدأت الشركات تعترف بأن بعض وعود الذكاء الاصطناعي السابقة قد شابها بعض التسرع أو المبالغة التسويقية.

وزوكربيرغ ليس وحده في هذا الاتجاه، ففي مارس الماضي، قال داريو أمودي، الرئيس التنفيذي لشركة أنثروبك، إن الذكاء الاصطناعي سيكون قادرا على إنتاج 90 في المئة من الشيفرات البرمجية في غضون 3 إلى 6 أشهر، مؤكدا أن أتمتة تطوير البرمجيات أصبحت “مسألة وقت لا أكثر”.

وفي السياق نفسه، تتزايد الضغوط على شركات مثل أوبن إيه آي وغوغل ومايكروسوفت لتقديم نتائج ملموسة من أدوات البرمجة الذكية التي يروج لها على نطاق واسع، مثل "جيت هاب كوبيلوت"، "جمني كودي" و"كود ويسبرر"، رغم أن العديد من المطورين لا يزالون يشيرون إلى محدودية هذه الأدوات في التعامل مع المشاريع المعقدة أو السياقية.

وتثير هذه التوجهات أسئلة مصيرية حول مستقبل العاملين في مجال البرمجة. فهل سيتحول دور المبرمج إلى "مشرف" أو "موجه" لأدوات الذكاء الاصطناعي؟ وهل ستُصبح المهارات التقنية أقل أهمية من القدرة على إدارة وتوجيه النماذج الذكية؟ ففي ظل هذا الواقع الجديد، يبدو أن المهندسين مطالبون بإعادة النظر في مهاراتهم، والتأقلم مع أدوات أصبحت جزءا لا يتجزأ من عملية التطوير.

ويرى مختصون أن مهنة البرمجة لن تختفِي، ولكنها ستتغير جذريا، تماما كما تغيرت الصحافة، أو التصوير، أو حتى الترجمة، مع دخول الأدوات الرقمية والذكية إلى الخط.

وبين الرؤية الطموحة والتحديات الواقعية، تمضي ميتا بخطى ثابتة في تطوير أدوات برمجية داخلية قائمة على الذكاء الاصطناعي، في إطار سباق عالمي نحو أتمتة المهام التقنية عالية المهارة. ومع تراجع بعض التوقعات الزمنية، تبرز أهمية التفكير النقدي حيال وعود الثورة البرمجية القادمة.

13