مولع بالجبل وفاغنر

الثلاثاء 2017/09/12

لو صادفت جبلا، وهذا يحدث لبعض الناس، فانظر إليه وتأمل وتفرج وافعل أي شيء عدا أن تتسلقه. لا أدري ما الذي يدفع الناس إلى تسلق الجبال. الجبل شيء جميل وملهم ودراماتيكي، بل وحتى أوبرالي، وفيه شيء من فاغنر ولكن للنظر لا للتسلق.

قرأت أن هتلر كان مولعا بالذهاب إلى بيت له على قمة جبل يقال له عش النسر. واحد من خاصته ذكر أن الفوهرر نظر مرة إلى جبال الألب من حوله ودمدم: أرى دماء ودماء والمزيد من الدماء.

هذا مشهد فاغنري يليق به شيء من البرق والرعد. وأذكر أني كنت في مطعم في جبال العلويين قرب اللاذقية ذات ربيع سوري عاصف. ورأيت الجبال يضيؤها البرق ودمدمت “أرى دماء ودماء والمزيد من الدماء”. وقد حصل.

المشكلة في تسلق الجبال هي أن الجبل ملهم وأوبرالي كما قلنا ولكن بالنظر إليه. من يعتلي شيئا لا يراه. في مدن أوروبا القديمة ذات العمارة الغوطية أو تلك التي يسمونها القروسطية (نسبة إلى القرون الوسطى) للكنائس فيها أبراج مدببة ذات فتحات مقرنصة وحجر بنائها مزخرف.

ترى أفواج السائحين بمجرد أن يشاهدوا برجا جميلا مدهشا حتى تتملكهم رغبة صعوده وتسلق أكثر من مئة درجة لبلوغ قمته والوصول إلى نقطة يرون منها كل شيء عدا البرج الذي أعجبوا به. حين تكون في أعلى البرج لا تراه.

يحصل هذا أيضا في مدينة سامراء العراقية. فيها هيكل عماري حلزوني جميل وفريد اسمه “الملوية”. ويقال إن حتى رائد الحداثة في العمارة فرانك لويد رايت زار الملوية التي رأى صورها عندما كان يفكر في تصميم متحف غوغنهايم في نيويورك. الملوية يتسلقها الزائرون أي يمشون في طريق مترب من القرن التاسع يرتفع بهم ثم ينحدر بهم لدى النزول ولا يرون بهاء الهيكل العماري نفسه.

خير من انتبه إلى أن تسلق المكان المرتفع يعني ألا تراه كان الكاتب الفرنسي غي موباسان. كان موباسان هذا يمقت برج إيفل الذي اكتمل بناؤه عام 1889 وموباسان عمره 39 عاما. كان صاحبنا يكره أن يرى هذا البرج الحديدي المنتمي إلى عصر الفولاذ والصناعة. المشكلة أن البرج ارتفاعه ثلاثمئة متر وهو أعلى مبنى في باريس حتى الآن.

هذا يعني أنك تراه وأنت تتناول غداءك في أي مكان في باريس القرن التاسع عشر. عرف موباسان أن في البرج مطعما. صار يتغدى هناك كل يوم حتى لا يرى البرج الكريه. هذا هو الإجراء الصحيح.

24