موريتانيا تدخل مرحلة جديدة: محكمة متخصصة لمواجهة العبودية

الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني يحرص في ولايته الثانية على معالجة موضوع العبودية بشكل عملي وعدم الاكتفاء بالشعارات، وهو ما يفسر تشكيل محكمة متخصصة وتوسيع صلاحياتها حتى لا تقف عند النموذج التقليدي وتطال أشكال العبودية الجديدة مثل تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر.
تدخل موريتانيا مرحلة جديدة من معركتها مع ظاهرة الرق بعد أن صدقت الجمعية الوطنية (البرلمان الموريتاني) على مشروع قانون يتضمن إنشاء محكمة متخصصة لمحاربة العبودية والاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين.
وقال وزير العدل في الحكومة الموريتانية محمد محمود ولد عبدالله بن بيه إن مشروع القانون يرمي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف والمبادئ المتعلقة بحسن سير العدالة وضمان المزيد من النجاعة في معالجة قضايا العبودية والاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين، عبر إدخال بعض الإصلاحات على سير المحاكم المكلفة بمحاربة العبودية والممارسات الاستعبادية.
وخلال حملته الانتخابية قال الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني في يونيو الماضي إنه يريد دولة تمحى فيها آثار العبودية وتعلي من شأن العدالة والمواطنة، مؤكدا أن الموريتانيين شعب واحد ولا مكان بينهم للعنصرية والفئوية والتمييز.
وأوضح ولد الشيخ الغزواني أنه سيعمل على تسوية ملف الإرث الإنساني بمقاربات توافقية بين الإخوة، توصل إلى حلول تجعل الملف وراءنا، وتمكّن من مداواة جراحات الماضي بشكل كامل، وشدد على أن الشعب الموريتاني “شعب واحد تعدد مكوناته مصدر تنوع وثراء”، مؤكدا أنه يريد موريتانيا دولة لا عبودية فيها ولا عنصرية ولا شرائحية.
وفي ديسمبر الماضي، كشف مفوض حقوق الإنسان والعمل الإنساني والعلاقات مع المجتمع المدني، الشيخ أحمدو ولد سيدي عن إنشاء قطاعه خلية مشتركة مع وزارة العدل والنيابة العامة، عهد إليها بالمتابعة الدقيقة لقضايا العبودية والاتجار بالأشخاص، المعروضة أمام القضاء.
وأكد ولد سيدي أن وضعية حقوق الإنسان في موريتانيا شهدت خلال العام الماضي تطورات كبيرة وإنجازات ملموسة في مجال حماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وترقيتها، تعززت معها مكانة موريتانيا بين مصاف الأمم الساعية بجد إلى بناء دولة القانون والمؤسسات وترسيخ مفهوم الممارسة الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ويرى مراقبون أن تصفية ملف العبودية يحتل مكانة مهمة في البرنامج الاجتماعي للرئيس ولد الشيخ الغزواني خلال ولايته الرئاسية الثانية التي دشنها في أوائل أغسطس الماضي، وأن هناك إجراءات عدة سيتم اتخاذها على نطاق واسع بالاعتماد على أحكام القانون وقيم حقوق الانسان والمساواة وعلى حركة ثقافية وإعلامية واسعة.
وأشار وزير العدل إلى أن التطبيق الفعلي للقانون رقم 2015 – 031 المجرّم للعبودية والمعاقب للممارسات الاستعبادية أظهر نواقص وثغرات تحد من فاعليته مما يستدعي معالجتها والتغلب عليها.
وأوضح الوزير أن الإصلاحات المقترحة تهدف إلى إنشاء محكمة متخصصة، ذات اختصاص وطني، وذلك بغاية تحقيق عدة أهداف، منها انسجام المنظومة القضائية الوطنية لمواجهة الظواهر المذكورة، وتعزيز مهنية المعالجة القضائية لجرائم العبودية والاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين، مع تعزيز حماية حقوق الإنسان، وتقريب العدالة الجنائية من المواطن ومن ضحايا هذا النوع من الجرائم خاصة، وإلغاء المحلفين من تشكيلة المحكمة، وكذلك إلغاء نظام التداول بالأصوات لما ينتج عنه من عرقلة وتدافع للمسؤوليات.
وأكد الوزير أن الهدف من انتقال المحكمة المختصة لموقع الجرم هو إظهار الجدية والمواكبة وبعث رسائل مطمئنة، لكنه في النهاية مسألة اختيارية للمحكمة، ولها واسع النظر فيها، ويمكن أن تعدل عنها حين ترى أنها قد تخلق ضغوطا عليها.
وأضاف ولد عبدالله بن بيه أن التعديل المقترح من خلال هذا النص جاء بعد تقييم تجربة المحاكم الثلاث المختصة في محاربة العبودية، حيث أظهر ذلك التقييم ندرة في القضايا المعروضة عليها، وتأثيرا لغياب الطابع التخصصي لتشكيلاتها، بالإضافة إلى بعض الاختلالات الحاصلة في آليات عملها، وهو ما يستدعي المعالجة والتصحيح.
◄ الإصلاحات الجديدة تسد بعض الثغرات عبر تقديم المتهمين بجرائم الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين إلى هذه المحكمة الجديدة
ووفقا لمؤشر العبودية العالمي لعام 2018، هناك ما يقرب من 90 ألف شخص مستعبدين في موريتانيا، وهو ما يمثل 2.1 في المئة من السكان الذين يبلع عددهم 4.927532 نسمة وفق إحصاء سنة 2023.
ويعود تاريخ الجدل حول العبودية في موريتانيا إلى السنوات الأولى لاستقلال البلاد بداية ستينات القرن الماضي، حينما كانت العبودية تنتشر بشكل علني، بين كافة فئات المجتمع الموريتاني، سواء تعلق الأمر بالأغلبية العربية، أو الأقلية الأفريقية.
وتعد موريتانيا آخر دولة في العالم، ألغت الرق في العام 1981، كما أن العبودية في البلاد هي ظاهرة متجذرة في بنية المجتمع، ولها ارتباط وثيق بالتركيبة العرقية، لكن السلطات تسن القوانين منذ سنوات في محاولة لاحتواء هذه الظاهرة.
وخلال الجلسة العامة للجمعية الوطنية الثلاثاء الماضي، أعرب أعضاء البرلمان عن مخاوفهم من التأثير على قرارات المحكمة عند انتقالها للمنطقة التي ارتكب فيها الجرم الداخل ضمن اختصاصاتها، معتبرين أن الأولى نقل طرفي القضية المثارة إلى مقر المحكمة في العاصمة، وتضيق الهوة بين المكونات الاجتماعية، وتحقق الانسجام الاجتماعي، ورفع المستوى المعيشي للفئات الهشة.
وكشف النواب عن الحاجة إلى تقليل فترة انتظار الأحكام القضائية المتعلقة بقضايا الاسترقاق، وتعزيز الاستقرار الوظيفي للجهاز القضائي المكلف بمحاربة العبودية وتمكينه من التكوين المستمر، وتوضيح العلاقة المهنية بين النيابة العامة على مستوى الحيز الجغرافي للجريمة والنيابة العامة المختصة، وكذا إشكالية التصويت الاستشاري، مؤكدين على ضرورة إلمام القضاة بخصوصيات الشرائح الاجتماعية واحترام ثقافاتها وأساليبها التعليمية.
وفي مارس الماضي، صدّقت الحكومة الموريتانية على مشروع قانون يتعلق بإنشاء محكمة متخصصة لمحاربة الرق والاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين.
وقالت آنذاك إن مشروع القانون يهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف المتعلقة بحسن سير العدالة وضمان المزيد من النجاعة في معالجة قضايا الرق، مشيرة إلى أنه سيدخل بعض الإصلاحات على سير المحاكم المتخصصة وعددها وتشكيلها لمحاربة الرق والممارسات الاستعبادية.
وكانت الحكومة الموريتانية قد أنشأت محكمة متخصصة لمحاربة الرق بموجب قانون في 10 سبتمبر 2015، وقالت الحكومة إن هذا القانون ظهرت فيه بعض الثغرات بعد مضي ما يزيد على 8 سنوات على تطبيقه وإن هناك ضرورة لسد تلك الثغرات والتغلب على الصعوبات والمعوقات التي كانت تحد من فاعلية القانون.
وبحسب السلطات الموريتانية، فإن الإصلاحات الجديدة تسد بعض تلك الثغرات عبر تقديم المتهمين بجرائم الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين إلى هذه المحكمة الجديدة، بعدما كانت تنظرها في السابق محاكم أخرى عادية وغير مختصة.
وقالت السلطات إن المحكمة الجديدة ستعزز حماية حقوق الإنسان طبقا للدستور وللتعهدات المنبثقة من المواثيق الدولية المصدق عليها.
وفي نفس العام، أقرت الحكومة الموريتانية قانونا يجرّم الاسترقاق، يقع في 26 مادة تنص المادة الثانية منه على أن الاستعباد “يشكل جريمة ضد الإنسانية غير قابلة للتقادم”، كما تحدد المادة الثالثة “مختلف الحالات التي يمكن أن يطلق عليها استعباد”
وينص القانون الجديد على إلزام القاضي المتعهد بجريمة تتعلق بالعبودية بالمحافظة على حقوق الضحايا في التعويض، هذا بالإضافة إلى تنفيذ الأحكام القضائية التي تتضمن تعويضا لضحايا العبودية دون الالتفات إلى الاستئناف أو المعارضة، حسب القانون.
كما فرض القانون غرامات مالية على كل من شتم علنا شخصا ووصفه بأنه عبد، أو ينتسب إلى العبيد. وقد تصل العقوبة إلى عشر سنوات سجنا نافذا، وتصل الغرامة المالية إلى خمسة ملايين أوقية (حوالي 14 ألف دولار)، ونص القانون الجديد على استحداث محاكم متخصصة لمواجهة الرق بقضاة متخصصين، ألزمهم بالمحافظة على حقوق الضحايا في التعويض، وتنفيذ الأحكام القضائية التي تتضمن تعويضا لضحايا العبودية، دون انتظار الاستئناف.