من ينفخ في زجاج دمشق بعد الحلاق ورفاقه الأربعة

الحرفي السوري أحمد الحلاق يرى أن قلة صبر الأجيال لتعلم مهنة النفخ في الزجاج وهجرة الأغلبية من الشباب وارتفاع الأسعار تهدد استمرارية المهنة.
الجمعة 2021/09/17
أيقونات فنية من نفايات الزجاج

يعتبر النفخ في الزجاج من أقدم المهن التي لها مكانتها الخاصة عند الدمشقيين الذين يستعينون بالمشغولات الزجاجية في احتياجاتهم اليومية وديكورات بيتهم، إلا أن هذه المهنة الفنية تواجه اليوم مخاطر الاندثار نتيجة هجرة شيوخ الكار والعمال.

دمشق ـ في دمشق القديمة تقع منشأة شيخ الكار الحرفي أحمد الحلاق أبومحمود (65 عاما)، وهو جالس على كرسيه بجانب أدواته البسيطة التي يستخدمها في حرفته يروي لوكالة الأنباء السورية (سانا) رحلته مع حرفة النفخ في الزجاج التي ورثها عن أبيه وجده.

ويسرد أبومحمود كيف أصبح بعمر 14 عاما يتقن صنع قطع فنية في غاية الجمال واستمر إلى الآن حيث مضى 52 عاما من عمره في هذه المهنة، مبيناً أنه يصنع يوميا شتى الأشكال والألوان من أباريق وأكواب مختلفة الأحجام والأشكال وقوارير ومزهريات الزينة وقناديل وحوامل شموع وثريات وعناقيد عنب وغيرها من الأشكال.

ويعتمد أبومحمود في عمله بشكل أساسي على إعادة تدوير الزجاج المكسور كمادة خام كونه أقل تكلفة مقارنة مع تصنيعه بالمواد الخام -وتحديدا “الرمل” الذي يعد أعلى تكلفة- فضلاً عن سهولة إعادة تدويره والاستفادة من بقاياه، الأمر الذي يعود بالفائدة على المجتمع والبيئة، مؤكدا تمسكه بالطريقة التقليدية التي تعلمها رغم التطور والتقدم التكنولوجي.

وحول آلية تعشيق الزجاج بالنحاس حسب الحرفي أبو محمود يكون ذلك من خلال تسخين النحاس ثم نفخ عجينة الزجاج بداخله، وبعد الانتهاء من مرحلة الشواء يعود إلى حرفي النحاس لتنظيفه وتلميعه إضافة إلى تلبيس قطع زجاجية بالذهب والفضة وصور صحن الفواكه.

وعن مراحل العمل يقول أبومحمود إن “الزجاج يقسم لأجزاء صغيرة ثم يطحن وينقل إلى الفرن ليصهر، وبعد استواء العجينة الزجاجية تبدأ مرحلة الإنتاج التي تعتمد على خبرة ومهارة الحرفي بالتشكيل للحصول على منتج نهائي جذاب، حيث يؤخذ مقدار معين على حسب التصميم المراد ليعطي النتيجة المطلوبة بمواصفات معينة، وينفخ في كرة الزجاج ثم يدورها بحركة مغزلية على طرف الأنبوب الحديدي ويسندها على سطح أملس بارد لتأخذ شكل القرص”.

وبين أبومحمود أن الفرن يتكون من ثلاثة أقسام، الأول لصهر الزجاج بدرجة حرارة تبلغ 1200 درجة مئوية حيث يتحول إلى سائل شفاف مرن، والقسم الثاني لصنع عجينة الزجاج بدرجة حرارة تبلغ ألف درجة مئوية، حيث يقوم الحرفي بإدخال أنبوب معدني إلى الفرن وإخراج السائل الزجاجي والنفخ في الأنبوب للحصول على الشكل الذي يرغب في تشكيله، ويتم فصل كل قطعة عن الأخرى باستخدام الماء البارد، ومنطقة الشوي تكون بدرجة حرارة تبلغ 500 درجة مئوية.

وتنتقل القطعة إلى يد الرسام الذي بدوره يترك بصمته الخاصة بفنه اليدوي وإبداعه وابتكاره؛ حيث يعتمد على الزخارف والنقوش والألوان المتنوعة التي يضيفها، ومن ثم توضع القطعة في الفرن إلى أن تجف ويثبت لونها ثم تطلى بمادة اللكر لحمايتها من ظروف البيئة المحيطة حسب قول أبومحمود الذي بين أنه توجد داخل ورشته قطع فنية قديمة مشغولة منذ 40 عاماً.

ويوضح أن “عملية تلوين الزجاج تتم عن طريق أكسيد الكوبلت الذي يعطي اللون الأزرق والكحلي، ولون التركواز الشامي نحصل عليه بإضافة أكسيد النحاس بينما إذا تمت إضافة أكسيد المنغنيز يعطي الزجاج اللون التوتي”، لافتاً إلى أن تثبيت اللون يتم عن طريق إعادة المنتج إلى الفرن مرة أخرى وأن اللونين العسلي والأخضر متوفران في الزجاج المعاد تدويره.

وأهم معوقات المهنة تتمثل وفق رأي أبومحمود في قلة صبر الأجيال لتعلمها وهجرة الأغلبية من الشباب وارتفاع الأسعار وتكاليف الطاقة وعدم الاهتمام والعناية على الرغم من استمرار الاحتياج إليها في كل منزل، وهو ما سيؤدي إلى انقراضها بعد أن اندثر معظم العاملين فيها.

وأوضح أنه قبل الأزمة كان عدد العمال مع شيوخ كار المهنة حوالي 30 شخصاً أما حالياً فلا يتجاوزون 4 أشخاص، متمنياً أن تبقى هذه الحرفة حية تتوارثها الأجيال رغم أنها مهنة صعبة وتحتاج إلى صبر طويل للجلوس أمام حرارة الفرن المتوهجة وأيضا إلى نفس طويل للنفخ.

24