من يمنع محاكمة عناصر تنظيم داعش
خلال الحرب العالمية المعلنة على تنظيم داعش التي بدأت قبل أكثر من أربع سنوات ولا تزال مستمرة، والتي كانت تترافق مع مدن عربية تاريخية مزدحمة بالسكان وتهجير أهلها وسقوط عشرات الآلاف منهم في وطيس هذه الحرب، لم نشهد ولم يشهد العالم وقوف أي من عناصر هذا التنظيم أو أي من قادته أمام القضاء أو في دائرة التحقيق في أي بلد من البلدان الكثيرة التي شهدت نشاطا إرهابيا له، لا في بلادنا العربية ولا في أوروبا أو غيرها.
ترى، من يمنع محاكمة عناصر تنظيم داعش؟ ولماذا يحظى عناصره وقياداته بحصانة فريدة تمنع عنهم التحقيق والمقاضاة؟
الأشد غرابة في الأمر كان الصفقة التي أبرمها حزب الله مع تنظيم داعش بعد حصار عناصره في جرود رأس بعلبك والقاع اللبنانيتين، واستسلام عشرات العناصر والقياديين منهم لحزب الله الذي حاصرهم من الجانب السوري. هذه الصفقة تضمنت الكشف عن مواقع جثامين العسكريين اللبنانيين الذين سبق للتنظيم أن اختطفهم سنة 2014 ثم أعدمهم سنة 2015. كما تضمنت استرجاع حزب الله لجثامين قتلاه وإطلاق أحد قياديي الحرس الثوري الإيراني المعتقل لدى التنظيم في سوريا، مقابل تأمين طريق عناصر التنظيم المحاصرين في الجرود مع أسرهم ونقلهم إلى شرقي سوريا على الحدود العراقية.
ليس مهما الغرق في تفاصيل الصفقة وملابساتها، ولكن النقطة الأساسية هي أن صفقة خروج عناصر تنظيم داعش منعت على الدولة اللبنانية استكمال الحرب ضدهم وجعلهم يستسلمون للجيش اللبناني، ما يعني حكما وصولهم إلى القضاء وتعرضهم للتحقيق الذي كان سيؤدي إلى الحصول منهم على الكثير من المعلومات المفيدة، ليس فقط في ما يتعلق باختطاف العسكريين ومقتلهم بل ربما باتجاه كشف من مولهم وسلحهم ووجههم باتجاه ارتكاب جرائمهم ومنها اختطاف هؤلاء العسكريين وقتلهم ومحاولة اختطاف ذويهم حين تمت دعوتهم من قبل أحد قادة التنظيم لزيارة أبنائهم المختطفين في الجرود، حيث سهل حزب الله لأهالي العسكريين الوصول إلى عرسال ولكنهم تراجعوا في اللحظة الأخيرة.
وإذا كان الجيش اللبناني هو الذي تولى شن معركته لتحرير جرود رأس بعلبك والقاع وحقق تقدما سريعا على الأرض حتى حوصر عناصرُ تنظيم داعش في رقعة 20 كيلومترا مربعا في الأراضي اللبنانية، فإن حزب الله هو من عقد الصفقة مع التنظيم وأمن لعناصره الخروج الآمن.
وإذا كانت حكومة سعد الحريري قد نأت بنفسها عن هذا الحدث بذريعة أن رئيس الجمهورية هو من واكب العمليات منذ البداية حتى وقف النار الذي مهد للصفقة المذكورة، وبذريعة أن رئيس الحكومة يتبع نهج “عدم الاختلاف مع العهد”، فإنه وبناء على الدستور، فالحكومة هي المسؤولة دستوريا وسياسيا أمام البرلمان بعكس رئيس الجمهورية الذي لا يسأل، كون الحكومة ورئيسها هما الجهة المخولة اتخاذ القرارات وتنفيذها ولا يجوز لها الاتكال في ذلك على أي جهة أخرى بما فيها رئاسة الجمهورية. ولا يمكن لرئيس الحكومة التنصل من مسؤولياته بحجة أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة كون هذه الصفة ليست إلا صفة اعتبارية.
وإذا كان عناصر وقادة تنظيم داعش الذين احتلوا منطقة لبنانية في أعالي الجرود واختطفوا عددا من العسكريين وقتلوهم غدرا، وكانوا وراء عدد من العمليات الإرهابية داخل المدن والقرى اللبنانية بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والانتحاريين والتي راح ضحيتها العشرات من الشهداء ورفعت من منسوب التوتر الداخلي ووضعت أمن البلاد على كف عفريت، قد خرجوا من لبنان في هذه الصفقة وباتوا خارج متناول القضاء اللبناني، فماذا عن القياديين والعناصر الذين سلموا أنفسهم لحزب الله أثناء المعارك، والذين قالت مصادر عديدة إنهم يعملون لدى أجهزة أمن حزب الله في لبنان وفي أكثر من مجال خصوصا في حملة تواصل مع عناصر في مناطق سورية خارجة عن سيطرة النظام، لماذا هذا التكتم حولهم؟ ولماذا لم يطالب أحد، لا محليا ولا دوليا، بتسليمهم إلى القضاء اللبناني للتحقيق معهم ومحاسبتهم؟
يبدو أن التستر على طبيعة تنظيم داعش وعلى مهماته التي يؤديها لمصلحة النظامين الإقليمي والدولي يفرض منح عناصره الأكثر تأثيرا حصانة تمنع عنهم المقاضاة والمحاسبة. وواضح أن جميع الأنظمة والقوى المنخرطة في الصراع تلتزم بهذه الحصانة بما في ذلك الدولة اللبنانية وحزب الله.
كاتب لبناني