من يمسك بمطرقة البرلمان العراقي؟

في لحظة الاقتراب من إعلان فوز شعلان الكريم تذكرت القوى الرافضة له أنه كان بعثيا ومن قادة ساحات الاعتصام لتظهر فجأة عيوب الرجل وهو الذي كان جالسا لسنوات تحت قبة البرلمان.
الأربعاء 2024/01/17
مسرحية انتخاب بديل الحلبوسي فضحت المستور

لا يختلف عالم السياسة في غرابته عن عالم صبيانه الذين يتولون أمور البلاد والعباد.

أصبحنا ندرك المصالح والغايات التي تخفيها أو تظهرها القوى السياسية التي تريد التلاعب بعقول الناس، لتحقيق مآربها الخاصة من خلال اتقاد الذاكرة السياسية في نفاق مزمن بات لا يتجزأ عن العملية السياسية.

ملفات تفتح وفق أهواء المتحكمين لغرمائهم، لا يعرف إن كانت وفق مبادئ أخلاقية أم هي مجرد تصفية حسابات سياسية في لحظات اشتداد التنافس على المناصب.

بعد أن كادت يداه تصل إلى مطرقة البرلمان تذكرت القوى الرافضة لتوليه منصب رئيس البرلمان العراقي أنه كان من أزلام البعث وممجديه وأنه أحد قادة ساحات الاعتصام، وقبل هذا كان المرشح شعلان الكريّم من الشركاء في العملية السياسية حين كان نائباً عن صلاح الدين في مجلس النواب العراقي.

◙ هذا المشهد السياسي المعقد يحتاج العودة إلى المربع الأول وإيجاد أسماء مرشحة أخرى تتوافق عليها جميع الأطراف

شعلان الكريّم مرشح حزب التقدم الذي يرأسه محمد الحلبوسي رئيس البرلمان السابق ومعه سالم العيساوي الخصم اللدود للحلبوسي الذي دخل في قائمة الترشيح لمنصب رئيس البرلمان، وكان يُراد من ترشيحه إنهاء مشروع الحلبوسي في الأنبار وإبعاده عن الحياة السياسية، ومحمود المشهداني المرشح الآخر الذي دخل عن كتلة عزم التي يرأسها مثنى السامرائي ويحظى بدعم جزء من الإطار وتحديداً دولة القانون بزعامة نوري المالكي.

كان من المستبعد أن يدخل اسم أي مرشح إلى الترشيح باعتبار أن البدلاء الذين يتم التصويت عليهم أغلبهم من محافظة الأنبار، وليس من صلاح الدين التي ينتمي إليها شعلان الكريّم، إلا أن تحركات الحلبوسي الأخيرة إقليميا ومحليا ومحاولاته العودة إلى الحياة السياسية مستقبلا جعلته يضع اسم شعلان الكريّم البديل الأقرب إليه.

من جولة التصويت الأولى كاد مرشح حزب تقدم أن يفوز برئاسة البرلمان بعد حصوله على 152 صوتا مقابل 97 صوتا للعيساوي، إلا أن تحالف الأساس بقيادة النائب الأول لرئيس البرلمان محسن المندلاوي تحرك مع بعض نواب دولة القانون والعصائب والمستقلين، من أجل إيقاف هذا الفوز من خلال إصدار تشريع يؤيد العودة إلى هيئة الرئاسة حتى لا يتمكن المرشح الجديد من الانفراد بالقرارات والهيمنة على البرلمان، وهي ذات المعضلة التي كان يشكو منها الحلبوسي من تقييد حركته وانفراده بالقرارات من نائبه حاكم الزاملي، قبل انسحاب الأخير مع كتلة الصدر والبالغ عددهم 72 نائبا من قاعة البرلمان.

وفي خطوة لاحقة تسلمت المحكمة الاتحادية العليا في العراق دعوى ببطلان ترشيح شعلان الكريّم لرئاسة مجلس النواب، تقدم بها كل من النائبين في البرلمان يوسف الكلابي وفالح الخزعلي، حيث تضمنت الدعوى طلبا بإصدار أمر ولائي بإيقاف جلسة الانتخاب إلى حين حسم الدعوى.

المنتقدون لتوليه منصب رئيس البرلمان وجدوا في حياته السياسية قبل عام 2003 وانتمائه إلى البعث وتمجيده للنظام السابق وتقرّبه من الجماعات المتشددة ومغازلتهم فرصة لاتهامه بعدم الأهلية للمنصب.

◙ ملفات تفتح وفق أهواء المتحكمين لغرمائهم، لا يعرف إن كانت وفق مبادئ أخلاقية أم هي مجرد تصفية حسابات سياسية في لحظات اشتداد التنافس على المناصب

في لحظة الاقتراب من إعلان فوز شعلان الكريّم تذكرت القوى الرافضة له أنه كان بعثيا ومن قادة ساحات الاعتصام، فجأة ظهرت عيوب الرجل وهو الذي كان جالسا لسنوات تحت قبة البرلمان.

مسرحية انتخاب بديل الحلبوسي التي جرت تحت قبة البرلمان فضحت المستور وحجم التشظي بين قيادات الإطار التنسيقي الذي انقسم ما بين مؤيد لهذا المرشح أو ذاك، بعد أن أفضت التسريبات إلى وجود حالات رشى وبيع أصوات من قبل نواب بمبالغ وصفقات وهدايا مادية.

هل تصمد الأسماء المرشحة أمام أمواج الرفض والخلافات دون وجود أسماء بديلة؟ لا نعتقد ذلك، خصوصا مع هذا المشهد السياسي المعقد الذي يحتاج العودة إلى المربع الأول وإيجاد أسماء مرشحة أخرى تتوافق عليها جميع الأطراف.

معادلة تلقي الضوء على مدى النفاق السياسي الذي أصبح جزءاً من واقع مُرّ يعيشه النظام الحاكم. رغم أن الكثير من المنتقدين يجب عليهم النظر بتمعن إلى ماضيهم السياسي وتفحص تاريخهم وأي عيوب يحملها والترفع عن حكايات إخفاء وإظهار الحقائق كما يحلو لهم، أو حسب ما تقتضيه المصلحة النفعية التي تنصب على المنصب والنفوذ.

وتلك هي مهزلة عالمنا السياسي وصبيانه.

9