من سبق الآخر في الوجود.. الذكاء الاصطناعي أم البشر

ادعى عالم فيزياء أن البشر مجرد شخصيات داخل محاكاة متقدمة، وأن الأدلة التي تثبت هذه النظرية قد تكون مخفية، وأن الكون بأسره قد يكون محاكاة حاسوبية، وأن العالم المادي – بما في ذلك كل ما نختبره – ما هو إلا تكوين حاسوبي، وفقا لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية.
لندن- أستاذ فيزياء بريطاني يطرح فكرة قد تبدو غاية في الغرابة، لكنها قد تكون واقعية. حسب ميلفين فوبسون، الأستاذ المساعد في الفيزياء بجامعة بورتسموث، الذكاء الاصطناعي ليس تكنولوجيا حديثة تعود لأربع سنوات أو حتى أربعة عقود، الذكاء الاصطناعي موجود قبل أن يوجد البشر، وقبل قصة الخلق نفسها.
وربما تكون حياتنا التي نعيشها جميعا محاكاة متقدمة، تديرها أنظمة ذكية متطورة. كما في فيلم “ذا ماتريكس” الذي تدور أحداثه حول عالم افتراضي يُعرف باسم “المصفوفة” (The Matrix)، وهو نظام صنعته آلات حاسوبية واعية بهدف السيطرة على البشر واستخدامهم كمصدر للطاقة. يتم إدخال البشر في هذا الواقع الافتراضي من خلال أجهزة سيبرانية مغروسة في أجسادهم، مما يجعلهم يعيشون في واقع وهمي بعيد عن الحقيقة. بطل الفيلم، نيو (كيانو ريفز)، يكتشف الحقيقة وينضم إلى مجموعة من المتمردين لمحاربة الآلات واستعادة الحرية للبشرية.
وهناك عدة أنواع من المحاكاة الحاسوبية منها: محاكاة الأحداث المنفصلة، وتُستخدم لدراسة سلوك النظام عبر الزمن من خلال تحليل الأحداث المنفصلة. والمحاكاة الديناميكية، تُستخدم لدراسة الأنظمة التي تتغير مع الوقت، مثل التفاعلات الكيميائية أو حركة السوائل. والمحاكاة العملية، تُستخدم لنمذجة التفاعلات الفيزيائية بين الأنظمة، مثل التطبيقات الهندسية والتصنيعية. ومحاكاة مونت كارلو، تستخدم خوارزميات عشوائية لدراسة النماذج الرياضية، وهي مفيدة في فهم المشاكل التي تحتوي على عدم اليقين والمخاطر.
وتعرف المحاكاة المتقدمة بأنها شديدة التعقيد والواقعية، تعتمد على تقنيات متطورة لخلق بيئة افتراضية يمكن أن تُخدع فيها حتى الكائنات التي تعيش داخلها، فتظن أنها تعيش في “الواقع” بينما هي في الحقيقة جزء من محاكاة.
ويتحدث فوبسون عن ثلاث نظريات تشير إلى أن عالمنا قد يكون محاكاة من نوع ما تدار من قبل أنظمة ذكاء اصطناعي متطورة.
النظرية الأولى، أن البشر قد دخلوا في محاكاة عند الولادة كجزء من تجربة ترفيهية للبقاء مشغولين. أي العيش في عالم مليء بالمفاجآت والتحديات، التي تجعل حياتهم ممتعة ومليئة بالإثارة، تماما كما لو كانوا يشاركون في لعبة افتراضية.
وهو يعتقد كما قال في حديث حصري مع ديلي ميل أن العالم الحقيقي الذي قد نكون قد تركناه وراءنا (قبل الدخول في المحاكاة) قد لا يكون مثيرا أو مشوقا بما فيه الكفاية.
ويتابع: “يمكن أن تكون هذه المحاكاة مكانا للترفيه، حيث يختار البشر الدخول إليها عند ولادتهم لتجربة حياة جديدة. ربما يكون الوعي قد اتخذ هذا القرار قبل ولادتنا الفعلية” دلالة على فكرة فلسفية مفادها أن القرار بشأن حياتنا أو دخولنا إلى المحاكاة قد تم اتخاذه من قبل الوعي قبل أن نولد فعليا في هذا العالم. أي نوع من الاختيار المسبق أو الخطة التي تم تحديدها مسبقا للوجود في محاكاة متطورة.
أما بالنسبة للفرضية الأعمق، يُعتقد أن المحاكاة أداة لتعلم حلول للمشاكل الكبرى في العالم الحقيقي، مثل الأزمات البيئية والاقتصادية والحروب.
ويوضح فوبسون قائلا: “إذا كانت لدينا القدرة على محاكاة مشكلات معينة، قد نتمكن من تجربة حلول جديدة في بيئات افتراضية، ومن ثم تبني الحلول الناجحة في العالم الحقيقي.” أي قد تكون المحاكاة أداة تعليمية أو وسيلة تجريبية “توفر بيئة آمنة لاختبار الحلول، ما قد يساعد في اتخاذ قرارات أفضل في الواقع.”
وتتعلق النظرية الثالثة التي يطرحها فوبسون بمفهوم “الخلود” داخل المحاكاة، حيث يتحرك الزمن في المحاكاة بشكل أبطأ مقارنة بالعالم الحقيقي. ووفقا لهذه الفرضية، يمكن أن تمثل دقيقة واحدة في العالم الواقعي 100 عام في المحاكاة. وإذا تمكنا من “العيش” في المحاكاة، يمكننا تجربة عدة حيوات متتالية، ما يحقق نوعا من الخلود.
ويقول فوبسون: “إن مئة تجربة حياتية قد لا تستغرق أكثر من مئة دقيقة في العالم الحقيقي. يشبه هذا تمدد الوقت الذي نشعر به أثناء الأحلام، حيث قد يبدو الحلم كأنه يستمر ساعات، بينما في الواقع هو لا يتجاوز لحظات.”
ولا تقتصر فرضيات فوبسون على الجانب الفلسفي أو النظري فحسب. فهو يشير إلى أدلة قد تدعم فرضية المحاكاة من خلال قوانين الفيزياء. كما يرى أن قوانين الكون تشبه شفرة الكمبيوتر، ما يعزز فكرة أننا قد نعيش في محاكاة.
ويوضح أن الكون يعمل وفق قواعد صارمة ومحددة تشبه طريقة عمل البرامج الحاسوبية. وهذا التشابه يعزز فكرة المحاكاة، التي تقول إن الكون الذي نعيش فيه قد يكون مجرد محاكاة افتراضية تدار بواسطة كمبيوتر أو نظام ذكي، تماما كما في فيلم “ذا ماتريكس”.
ورغم أن هذه الأفكار تظل مجرد تكهنات وليست مدعومة من خلال الأبحاث العلمية الثابتة، إلا أن فوبسون يؤكد أن هذه السيناريوهات تثير تساؤلات عميقة حول طبيعة الواقع الذي نعيش فيه. وفي الوقت الذي يشير فيه البعض، مثل إيلون ماسك، إلى أن احتمال وجود “واقع أساسي” هو “واحد في المليارات”، يظل السؤال قائما: هل نحن حقا في محاكاة، أم أن هذا مجرد خيال فلسفي؟