من جهيمان مكة إلى سنوار غزة.. واحدية العقيدة والجريمة

الحماية الحقيقية للأوطان والشعوب تتطلب رؤية واضحة وشجاعة في مواجهة التطرف. على الحكومات أن تعمل على نشر الوعي بين شعوبها وتعزيز القيم الإنسانية والدينية التي تحترم الحياة وتنبذ العنف.
الخميس 2024/06/13
عقيدة لا ترى في الإنسان سوى أداة يمكن التضحية بها

في تاريخ العنف والتطرف، يتجلى التوجه العقائدي لدى الجماعات الدينية المتطرفة بشكل ساطع، حيث يستبيح هؤلاء الأفراد الدماء ويستخدمون الأبرياء كدروع بشرية في صراعاتهم لتحقيق أهدافهم الخاصة. هذه الأيديولوجيات الفاسدة، التي تبرر العنف واستغلال الأبرياء، لا تعترف بقيمة الإنسان، وتجعل من التضحية بحياة البشر وسيلة لتحقيق غاياتهم السياسية والدينية المزعومة.

من جهيمان العتيبي، الذي انتهك حرمة البيت الحرام في مكة المكرمة، واتخذ من المعتمرين للحرم المكي رهائن، إلى يحيى السنوار، الذي يستخدم المدنيين في غزة كدروع بشرية، تتشابه هذه الحالات في استخدام الدين كغطاء لارتكاب أعمال العنف. جهيمان العتيبي، في محاولة للاستيلاء على الحرم المكي في عام 1979، أظهر كيف يمكن للأيديولوجيات المتطرفة أن تستغل الأماكن المقدسة والأبرياء لتحقيق مآربها.

ولم يكن جهيمان العتيبي هو الوحيد الذي سلك هذا المسار؛ فقد اتبعه في ذلك أبومصعب الزرقاوي في الفلوجة العراقية، الذي استغل الفوضى والنزاع في العراق لبناء نفوذ جماعته، جاعلا من المدنيين وقودا لحربه ضد القوات الأميركية والعراقية. أسامة بن لادن في أفغانستان، الذي خطط ونفذ هجمات سبتمبر 2001، مستغلاً الشبكات الإرهابية العالمية لنشر الفوضى والخوف، كذلك لم يرَ في الإنسان سوى وسيلة لتحقيق غاياته.

◄ يجب على الحكومات والمؤسسات الدينية العمل معا لتحديث وتطوير المناهج الدينية بما يتوافق مع قيم العصر الحديث ويحترم حقوق الإنسان

أما أبوبكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش، فقد تفوق في استغلال البشر كدروع بشرية، حيث حول مدينة الموصل إلى معقل إرهابي، مستخدما سكانها كدروع بشرية في معاركه ضد القوات العراقية والتحالف الدولي. هذه الأفعال الوحشية تبرز الأيديولوجية الفاسدة التي لا ترى في الإنسان قيمة، وتبرر التضحية بالأبرياء لتحقيق “دولة الخلافة” المزعومة.

وفي هذا السياق، يأتي يحيى السنوار، قائد حركة حماس في غزة، الذي يستغل المدنيين الفلسطينيين في صراعه ضد إسرائيل. تحت ذريعة المقاومة، يستخدم السنوار المدنيين كدروع بشرية، مما يعرضهم للخطر ويزيد من معاناتهم. إن استغلال الدين لتبرير هذه الأعمال الفظيعة يظهر مدى انحراف الأيديولوجيات المتطرفة عن القيم الإنسانية والأخلاقية.

تستمر هذه الأيديولوجيات في الانتشار بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعاني منها بعض الدول العربية. الفقر، البطالة، والانقسام السياسي تساهم في خلق بيئة مناسبة لانتشار الفكر المتطرف.

تجب الإشارة إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها العديد من الحكومات والمؤسسات الدينية المعتدلة في مواجهة هذه الأيديولوجيات المتطرفة من خلال حملات التوعية وبرامج إعادة التأهيل.

بالإضافة إلى المحاكمة والمحاسبة، يمكن تبني برامج تعليمية تستهدف الأطفال والشباب لنشر قيم التسامح والاعتدال، وتعزيز دور الإعلام في نشر الوعي وتقديم صورة حقيقية عن الدين الإسلامي.

هذه الجماعات، على اختلاف مسمياتها وأماكن تواجدها، تجمعها عقيدة واحدة لا ترى في الإنسان سوى أداة يمكن التضحية بها. إنها تعتقد أن هدفها السامي يبرر الوسائل القاسية والوحشية التي تستخدمها. إن تبرير العنف واستغلال الأبرياء تحت غطاء الدين هو انعكاس لفشل هذه الجماعات في فهم القيم الحقيقية للدين والإنسانية.

في ضوء هذه الحقائق، تبرز الحاجة الملحة إلى مواجهة هذه الأيديولوجيات الفاسدة. يجب على الحكومات العربية المعتدلة أن تتبنى سياسة صارمة تجاه هذه الجماعات وقادتها. يجب أن تتبنى محاكمة حماس ويحيى السنوار وكل من يحاول الانفراد بعملية منفردة على حساب الشعوب والأوطان العربية. إن محاكمة هؤلاء القادة الإرهابيين لن تكون فقط خطوة نحو تحقيق العدالة، بل ستكون أيضًا رسالة ردع قوية لكل من يفكر في السير على نفس النهج.

إن تبني سياسة المحاكمة والمحاسبة سيعزز من موقف الحكومات المعتدلة في مكافحة الإرهاب، وسيظهر للعالم أن الدول العربية قادرة على التصدي للإرهاب من داخلها، دون الحاجة إلى تدخلات خارجية. كما أن هذا النهج سيعزز من استقرار المنطقة، ويمنع تكرار مثل هذه الأعمال الإرهابية في المستقبل.

◄ أبوبكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش، قد تفوق في استغلال البشر كدروع بشرية، حيث حول مدينة الموصل إلى معقل إرهابي، مستخدما سكانها كدروع بشرية في معاركه ضد القوات العراقية والتحالف الدولي

إن الحماية الحقيقية للأوطان والشعوب العربية تتطلب رؤية واضحة وشجاعة في مواجهة التطرف. يجب على الحكومات أن تعمل على نشر الوعي بين شعوبها، وتعزيز القيم الإنسانية والدينية التي تحترم الحياة وتنبذ العنف. كما يجب أن تستمر في دعم الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة الإرهاب، وتعزيز التعاون مع الدول الأخرى في هذا المجال.

وفي إطار مواجهة الأفكار الراديكالية، يعتبر تجديد الخطاب الديني والدعوات إلى التسامح ونبذ الكراهية من الدعوات المحمودة التي يجب تعزيزها. إن اتخاذ قرارات حازمة في مواجهة الأفكار المتشددة من قبل أعلى سلطات في الدول الوطنية يعزز من قوة الدولة وقدرتها على حماية شعوبها من التيارات المنحرفة عقائديا وفكريا بكل توجهاتها السنية والشيعية. فلا سلطة أعلى من سلطة الدولة ونفاذ قوانينها.

تجديد الخطاب الديني والدعوات إلى التسامح ونبذ الكراهية هي دعوات محمودة ومطلوبة في هذا العصر. إن المجتمع الذي يتمتع بتعليم ديني صحيح يعزز من قيم التسامح والاحترام المتبادل يكون أقل عرضة للتطرف والعنف. لذلك، يجب على الحكومات والمؤسسات الدينية العمل معا لتحديث وتطوير المناهج الدينية بما يتوافق مع قيم العصر الحديث ويحترم حقوق الإنسان.

في النهاية، يمكن القول إن التطرف الديني واستغلال الأبرياء لتحقيق أهداف سياسية ودينية هما جريمة ضد الإنسانية وضد القيم الدينية الحقيقية. إن محاكمة هؤلاء القادة الإرهابيين ومعاقبتهم بشكل صارم هو السبيل الوحيد لضمان العدالة، ومنع تكرار مثل هذه الأعمال البشعة في المستقبل. على الحكومات العربية المعتدلة أن تقف بحزم ضد الإرهاب، وأن تواصل العمل من أجل تحقيق الأمن والاستقرار لشعوبها وللمنطقة بأسرها.

8