من الفكرة إلى الواقع.. أبوظبي تعيد تشكيل مدن المستقبل

هل نحن جاهزون لبناء المدن الذكية؟ قمة "بناء المستقبل" تجيب.
الجمعة 2025/05/30
المدن الذكية ليست تكنولوجيا فقط، بل رؤية شاملة

لم يعد التحول الحضري مجرد تحديث للبنية التحتية، بل أصبح إعادة صياغة لطريقة عيش البشر. هذا ما ركزت عليه قمة "بناء المستقبل" في أبوظبي، حيث اجتمع نخبة من الخبراء لاستشراف مستقبل المدن الذكية، ومناقشة دور الابتكار في التنمية العمرانية المستدامة.

أبوظبي - لم تعد المدن كما كانت قبل عقود، مجرد تجمعات عمرانية يسكنها الملايين من البشر، بل تحولت إلى كيانات ذكية تتفاعل مع سكانها، تدير مواردها بكفاءة، وتواكب التحولات الرقمية المتسارعة. هذه الفكرة كانت محور قمة “بناء المستقبل” التي نظمتها فوربس الشرق الأوسط على مدار يومين في بيركلي – أبوظبي، بالشراكة مع وزارة الطاقة والبنية التحتية ممثلة ببرنامج الشيخ زايد للإسكان ودائرة البلديات والنقل في أبوظبي، وبالتعاون مع شركة “وان” للتطوير العقاري.

لم يكن الحدث مجرد تجمع تقني، بل منصة جمعت نخبة من صنّاع القرار، الخبراء، والمبتكرين لاستشراف مستقبل المدن الذكية، حيث باتت التكنولوجيا ليست مجرد رفاهية، بل حجر الأساس الذي تقوم عليه التنمية الحضرية المستدامة.

في كلمة افتتاحية للقمة، شدد الدكتور محمد الكويتي، رئيس مجلس الأمن السيبراني لحكومة الإمارات، على ضرورة تبني رؤية جريئة ترتكز على الأمن والذكاء والقدرة على مواكبة التحولات الرقمية، لضمان بناء مدن المستقبل. وأكد أن الأمن السيبراني يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من منظومة التحول الرقمي، حيث لا يمكن الحديث عن مدن ذكية دون تأمين بيانات سكانها وضمان خصوصيتهم.

خلود العميان: المدن الذكية تُبنى بتكامل الابتكار والتصميم والهوية
خلود العميان: المدن الذكية تُبنى بتكامل الابتكار والتصميم والهوية

هذا الطرح يعكس واقعًا بات لا مفر منه: الابتكار ليس في التقنية وحدها، بل في تصميم المدن، في إدارة بنيتها التحتية، وفي ضمان اندماج التكنولوجيا مع الهوية الثقافية. فلا يمكن لمدينة أن تكون ذكية إذا لم تراع احتياجات سكانها، ولا يمكن لابتكار أن ينجح إذا لم يكن مدعومًا بفهم عميق للهوية المحلية.

القمة لم تكن مجرد تجمع للنقاش، بل شكلت نقطة انطلاق نحو شراكات جديدة. في تعليقه على الحدث، قال علي الجبيلي، مؤسس ورئيس مجلس إدارة “وان” للتطوير العقاري، “لم تكن قمة بناء المستقبل مجرد منصة، بل كانت مساحة جمعت بين تنسيق الرؤى، وتحفيز التعاون، وتحويل الأفكار الجريئة إلى واقع ملموس. نحن لا نحلم بالمستقبل، بل نبنيه خطوة خطوة.”

وهذا هو جوهر الأمر، لا يمكن بناء مدن المستقبل بالخيال وحده، بل بالعمل المشترك بين الحكومات، المستثمرين، والمبتكرين. رؤية الإمارات هنا واضحة: التحول الحضري ليس مجرد تحديث للمدن، بل إعادة صياغة لطريقة عيش الناس، وخلق بيئات أكثر استدامة وأكثر ذكاءً.

التكنولوجيا في كل شيء، من المنازل الذكية إلى التخطيط الحضري. وهنا تناولت القمة عدة جلسات تفاعلية، أبرزها جلسة “إعادة تصور مفهوم الحياة الذكية”، التي ناقشت مستقبل المنازل الذكية والتحديات التي تواجه اعتمادها على نطاق واسع. شارك في الحوار عبدالباسط بطراوي، الشريك وعضو مجلس إدارة Land Sterling، والرئيس التنفيذي لشركة Horton Interiors، وأحمد الشربيني، الرئيس التنفيذي في Think Human، حيث أكّدا أن المنازل الذكية ليست مجرد أجهزة متصلة بالإنترنت، بل منظومات متكاملة تحقق كفاءة الطاقة، وتوفر بيئات معيشية أكثر راحة للسكان.

علي الجبيلي: نحن لا نحلم بالمستقبل فقط.. بل نبنيه خطوة خطوة
علي الجبيلي: نحن لا نحلم بالمستقبل فقط.. بل نبنيه خطوة خطوة

كما سلطت الجلسات الضوء على مرونة البنية التحتية، التنقل المستدام، والهوية الثقافية للمدن، مؤكدةً أن المستقبل الحضري لا يمكن أن يعتمد على التكنولوجيا فقط، بل يجب أن يوازن بين الابتكار والاحتياجات المجتمعية.

فهل نحن جاهزون لبناء المستقبل؟

في ختام القمة، قالت خلود العميان، الرئيسة التنفيذية ورئيسة تحرير فوربس الشرق الأوسط “نجتمع اليوم وقد أكدنا مجددًا أن المدن الذكية لا تُبنى بالتكنولوجيا وحدها، بل عبر تكامل الابتكار مع التصميم والهوية. إن الحوار الذي شهدته القمة يشكل خطوة محورية نحو مستقبل أكثر استدامة وشمولًا.”

هذا التصريح يلخّص النقلة النوعية التي تشهدها التنمية العمرانية عالميًا، حيث لم يعد التحول الحضري مجرد تحديث للمدن، بل مشروع متكامل يحتاج إلى تكامل التكنولوجيا مع التخطيط الذكي والهوية الثقافية.

في عالم اليوم، حيث تتزايد الضغوط البيئية والاقتصادية، لا يمكننا تجاهل أهمية الابتكار في بناء المدن. ولكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه بعد هذه القمة: هل نحن جاهزون حقًا لبناء مدن المستقبل؟

الأمر لا يتعلّق فقط بالتكنولوجيا المتاحة، بل بالقدرة على التعاون، توحيد الرؤى، وتحويل التخطيط إلى خطوات عملية. الإمارات قدمت نموذجًا يمكن أن يُحتذى به، لكن التحدي الأكبر هو كيف ستسير بقية الدول في هذا الاتجاه، وكيف ستُترجم الأفكار المطروحة إلى واقع؟

قد تكون قمة “بناء المستقبل” قد انتهت، لكن النقاش الحقيقي بدأ للتو، لأن المستقبل لا يُبنى بالكلمات، بل بالأفعال.

12