من أجل المسيّرات يهون الدولار

ربما بدأ السوداني يُدرك أن علاج الأزمة هو الموقف البراغماتي في السياسة والابتعاد عن سياسة المحاور والأهم من ذلك أن ينأى بالاقتصاد العراقي كي لا يكون كبش فداء تتم التضحية به.
السبت 2023/02/11
العراق وقع في الفخ

لم يوفّق رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بالصعود إلى الطائرة المتوجهة إلى واشنطن برفقة وفد يضم وزير الخارجية فؤاد حسين ومحافظ البنك المركزي الجديد علي العلاق ووزير المالية طيف سامي وعدد من المسؤولين الحكوميين في القطاعات المالية والمصرفية، حيث لم تمنح واشنطن على ما يبدو للسوداني الضوء الأخضر بزيارتها، مما يُؤشر بوجود فتور في العلاقات بين الطرفين.

زيارة الوفد العراقي إلى واشنطن التي تحمل في حقائبها ملفات أزمة الدولار، بعد وضع أميركا شروطاً على تحويلات العراق الخارجية، ربما تحمل في خفاياها مضامين سياسية يجري التفاوض والاتفاق عليها من بينها الأمن وتفعيل اتفاقية الإطار الإستراتيجي التي تُطالب بعض الأطراف في بغداد بتعديلها.

وحسب مصادر سياسية فإن العراق يسعى للحصول على استثناءات جديدة من عقوبات أميركية على إيران وروسيا، خصوصاً بعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى بغداد ومطالبته بمستحقات الديون لشركات روسية تُقدّر بـ10 مليارات دولار، وهي الزيارة التي يتخوف منها البعض من محاولات جرّ العراق إلى محور روسيا –  الصين – إيران في النزاع الدائر بين روسيا وأميركا تحت عنوان الحرب الأوكرانية.

الاستنتاج الذي ترسمه زيارة الوفد العراقي إلى واشنطن كان رد فعل بعد أن استخدمت واشنطن الدولار كورقة ضغط من أجل تحجيم العلاقة مع طهران وتقييد دور الفصائل في العراق.

الوفد المفاوض سيطلب من الجانب الأميركي وضع آلية للسماح للعراق بكيفية سداد المستحقات لشركات الطاقة الروسية وكذلك الغاز الذي يستورده من إيران.

حكومة السوداني باتت تُدرك أن أميركا غير مستعدة أن تُضحي بدولار واحد يستقر في الخزانة الإيرانية، وهي الرسالة التي تريد واشنطن إيصالها إلى العراقيين

وفق تسريبات فإن واشنطن أبلغت العراق بأنها مُصرّة على وقف تهريب الدولار وحان وقت تنفيذ تلك الشروط من الجانب العراقي ولا يُسمح له بتأجيلها، في حين كانت بعض المصادر قد أعلنت أن العراق طلب تأجيل العمل بالمنصة الإلكترونية الجديدة التي أنشأها البنك الفيدرالي داخل المركزي العراقي لبضعة أشهر بسبب عدم جهوزية العمل بها لمراقبة التحويلات الخارجية وتدقيق فواتير الاستيراد، إلا أن الطلب ووجه بالرفض خصوصاً مع استمرار عمليات التهريب واكتشاف المنصة لها.

الضغط الأميركي على القطاعات المالية والمصرفية العراقية لا يُخفي النوايا بأنها رسائل موجهة تتعلق بمعاقبة طهران التي تتدفق لها العملة والتخوف الأميركي من اتساع مساحات المحور المعادي لها من خلال دعم روسيا بالطائرات المسيّرة وتطويرها من قبل إيران، وهو ما أكده عضو اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي جمال كوجر من حصول الروس على ملياري دولار يبدو أنها هُربت من سوق العملة في العراق ووصلت إلى روسيا عن طريق إيران.

مباحثات الوفد العراقي في واشنطن تعوّل عليها الحكومة وتبني عليها آمالاً في كبح جماح ارتفاع سعر الدولار وغلاء الأسعار وشعور المواطن بالنقمة على هذه الحكومة التي رفعت شعار حكومة خدمات في بدايات تشكيلها.

لا يخفي العراقيون قلقهم من عودة سيناريو الحصار الاقتصادي الذي فُرِض على بلدهم في التسعينات من قبل أميركا، أو حتى السيناريو اللبناني في انهيار عملته وتهاويها المتسارع.

ربما بدأ السوداني يُدرك أن علاج الأزمة هو الموقف البراغماتي في السياسة والابتعاد عن سياسة المحاور التي تحاول جرّه إليها، والأهم من ذلك أن ينأى بالاقتصاد العراقي كي لا يكون كبش فداء تتم التضحية به لخاطر الغير.

حكومة السوداني باتت تُدرك أن أميركا غير مستعدة أن تُضحي بدولار واحد يستقر في الخزانة الإيرانية، وهي الرسالة التي تريد واشنطن إيصالها إلى العراقيين.

فشل المفاوضات يعني أن العراق وقع في الفخ الذي طالما كان يلوح في الأفق لكنهم لم يشعروا به إلا حين دقّت الساعة.

9