مناوشات علاء وجمال مبارك في مصر

حصد علاء وجمال، نجلا الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، تعاطفا من قبل شريحة من المواطنين تعاني من تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية عليهم، وحاول البعض تصوير المسألة على أنها دعم سياسي لهما ولنظام حكم أبيهما الذي ثار عليه المصريون وأسقطوه قبل أكثر من اثني عشر عاما.
جلبت مناكفات علاء وجمال مع بعض الإعلاميين والسياسيين على مواقع التواصل متابعات عالية جرى تفسيرها على أنها دليل على ما يتمتعان به من شعبية في الشارع، وزاد ظهورهما في بعض المناسبات الرياضية والإنسانية وتسليط الأضواء عليهما من النقاش حولهما، وجرى النظر إلى ظهورهما على أنه نوع من الدعاية السياسية لجمال وإعادة التذكير بحلمه السابق في الصعود إلى سدة الرئاسة المصرية.
بدا الأمر مثيرا عندما تحدثت تعليقات عن صعوبة هذا الخيار بسبب تعرض جمال لحكم قضائي يسيء للسمعة كأحد شروط الترشح، فجاء الرد من جمال بأن هذا الاستنتاج غير دقيق، وتوالى الكلام حول أحقيته قانونا في الترشح، ولا يزال الجدل مستمرا.
تضاعف الحديث مع تعليق على تويتر لعلاء أخيرا على رجل الأعمال أشرف السعد، والذي اشتهر في زمن والده بتوظيف الأموال بطريقة مشروعة نجا من تبعاتها، طالبه فيه بذكر اسم الرئيس القادم لمصر، ولأن الغالبية العظمى تعرف أن الرئيس الحالي هو عبدالفتاح السيسي، بدا السؤال جريئا ومحيرا، وفهم منه أن آل مبارك يرون رئيسا آخر لمصر غيره.
لم يمض تعليق علاء مرور الكرام، وأعاد إلى الأذهان الطريقة الشعبوية التي يحاول أن يظهر بها شقيقه جمال في بعض المناسبات، وبدأ الكلام يتصاعد حول فرص ترشحه قانونا وإمكانية موافقة أجهزة الدولة على ذلك، والتي تحاول التجهيز للانتخابات الرئاسية قبل نهاية العام الجاري أو بداية العام القادم بصورة تتسم بقدر كبير من النزاهة مع مطالبة المعارضة بضمانات توفر أجواء مناسبة للمنافسة الحقيقية.
تعتمد تصرفات آل مبارك على نسيان بعض المصريين سوءات حكم مبارك التي ولدت احتقانات شعبية، ووجود جيل جديد من الشباب تفتح وعيه بعد سقوط نظام والدهما
على خلاف تعامل أجهزة الأمن المصرية مع قوى معارضة تشعر تجاه تحركاتها بالقلق والانزعاج، يترك علاء وجمال للتحرك بدرجة عالية من الحرية وتمنح لهما فرصة الظهور في المناسبات بلا قيود، ويعلقان كما يحلو لهما على مواقع التواصل من داخل مصر، مع أن عددا كبيرا من تعليقاتهما حملت إسقاطات إيجابية لنظام والدهما، وتلميحات سلبية لما وصلت إليه الأوضاع في عهد النظام الحالي.
من السهل تفسير ذلك بأن النظام الحاكم مستفيد من المناوشات، لأنها تحمل ضمنيا ثقة في قدراته وعدم اكتراثه بالنيل منه تلميحا أو تصريحا، وتنطوي على إشارات جيدة بأن الفضاء العام يستوعب جميع الأطياف بلا تمييز بين توجهاتها السياسية، ولا يوجد ما يزعج السلطات جديا، لأنه يمكن نكء أي ملف من ملفات آل مبارك السابقة المليئة بالفساد والتجاوزات، ويكفي أحدها للإعلان عن إنهاء مستقبل جمال مبارك سياسيا.
يفسر الصمت الرسمي على آل مبارك من قبل بعض الجهات الشعبية بأنه ثقة في عدم قدرة النظام الحاكم على الاقتراب منهما أو الإضرار بمصالحهما، مع استعانة النظام الحالي برموز عدة ينتمون إلى نظام أبيهما وصدور أحكام براءة لكثير منهم، وآخرهم أشهر وزير مالية في عهد مبارك، وهو يوسف بطرس غالي الذي برأته المحكمة في قضية فساد كبرى قبل أيام قليلة، وأعلن عودته قريبا إلى القاهرة.
يسعى آل مبارك لدغدغة مشاعر شريحة من المواطنين تواجه صعوبات بسبب تدهور أحوالها المعيشية، ما يجعلها تترحم على أيام مبارك، حيث كانت الحياة أقل كلفة وأكثر بساطة وخالية من الإسراف والتغول الحاصل في فرض الضرائب والرسوم على الكثير من الخدمات مقارنة بما يجري حاليا.
يتم استدرار التعاطف مع حسني مبارك من خلال استرجاع فيديوهات لمواقف متعددة له بشأن معالجته الأزمة الاقتصادية، ويتم اختيار ما يشير إلى حرصه على وقف نزيف الغلاء في الأسعار وارتفاع التضخم وانهيار الجنيه المصري ورفضه روشتة صندوق النقد الدولي، وكأن الغرض منها تغذية الغضب الشعبي ضد الرئيس السيسي، وإثارة نعرات النقمة على الطبقة الحاكمة بذريعة فشل خطط الإصلاح الاقتصادي.
يسعى آل مبارك لدغدغة مشاعر شريحة من المواطنين تواجه صعوبات بسبب تدهور أحوالها المعيشية، ما يجعلها تترحم على أيام مبارك
يقع النظام المصري في مأزق دقيق قد يكون سببا في تجاهل علاء وجمال، وهو تشكيكه في الجدوى العامة لثورة يناير التي أسقطت نظام مبارك، ووصل الأمر حد وصفها بـ”المؤامرة”، ما يحوي تبرئة للنظام السابق واعترافا صريحا بأنه كان وطنيا، وبالتالي فالتشكيك في ما يبث من فيديوهات على مواقع التواصل لن يصبح مجديا، ويبدو الموقف أكثر حرجا مع الاستفادة من كوادر متباينة انتمت إلى نظام مبارك.
يعرف نجلا مبارك هذه المحددات ويتصرفان بما ينطوي على ثقة عالية في توجهاتهما أخذت تثير علامات استفهام مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة في مصر، وما يحاط من غموض كبير حول قائمة المرشحين المحتملين، وتقديم جمال مبارك نفسه باعتباره وجها ليبراليا يحظى بدعم ضمني من دول غربية.
تعتمد تصرفات آل مبارك على نسيان بعض المصريين سوءات حكم مبارك التي ولدت احتقانات شعبية، ووجود جيل جديد من الشباب تفتح وعيه بعد سقوط نظام والدهما، لا يتذكر ما وجه إليه من اتهامات، لكنه يعرف تفاصيل ما يعانيه الآن من أزمات اقتصادية ومشاكل اجتماعية، وتجذبه الهيئة التي يبدو عليها جمال مبارك.
أن يواجه النظام الحاكم تحديات صعبة على الصعيد الاقتصادي فهذا من الناحية العملية لا يعني أن الفرصة مهيأة لعودة جمال وأعوانه. ولئن كان الشكل الليبرالي جذابا، والأزمات المتراكمة تثير الغضب ضد الرئيس السيسي، فإن هذا ليس دليلا على أن جمال يمكن أن يكون خيارا مناسبا بالمقاييس السياسية أو الاقتصادية، أو حتى العسكرية.
كان رفض المؤسسة العسكرية لتوريث مبارك الحكم لابنه أحد دوافع ثورة يناير التي جرفته رياحها، أو على الأقل أحد العوامل الرئيسية لنجاحها عقب انحياز الجيش للشباب الذين ملأوا شوارع وميادين القاهرة وطالبوا بإسقاط مبارك في ظل غياب أجهزة الأمن عن الاستبسال في الدفاع عنه.
يكفي هذا المحدد للقول بانعدام فرص جمال في السلطة مستقبلا، بصرف النظر عن طريقة تكييف الموقف بصورة قانونية، فقد ازدادت المؤسسة العسكرية قوة في عهد الرئيس السيسي وما رفضته سابقا لا يوجد مبرر يدعوها للقبول به لاحقا.
تراهن مناوشات آل مبارك على لحظة خاطفة لإحداث تحول سياسي في مصر يُوجد مساحة كبيرة للديمقراطية ويقود إلى صعود رئيس مدني إلى السلطة، وهذه اللحظة يصعب الحديث عن اقتراب موعدها، حيث لا تزال مصر تحتاج إلى رئيس قادر على مواجهة التحديات الخارجية وإيجاد حلول للأزمات الاقتصادية المتفاقمة وداعم للفقراء، لأن الديمقراطية وحدها لن تتغلب على التحديات أو تحل الأزمات.