مناطق النفوذ: غزة لمن أراد

الصراع لن ينتهي وستبقى مجاري الدماء تروي مصالح الدول اللاهثة وراء مناطق نفوذ تحدد من سيجلس على طاولة مفاوضات العالم الجديد لاقتسام ثرواته على حساب الشعوب الأخرى.
الجمعة 2023/11/24
الحرب لم تنته بعد

يثار اشمئزازي كلما تردد على مسمعي مقولة: إن الشعب الفلسطيني هو من يقرر مصيره في غزة. فلا أعلم أحقا يملك الشعب مصيره بيده.. يملك أن يقرر من يحكمه؟ أحقا بعد هذه السنوات من حكم الأمر الواقع الدكتاتوري لحركة حماس، وبعد كل هذه الحروب التي كان من الممكن تجنبها سياسيا، يخرج قادة الحركة في الدوحة وبيروت ليعلنوا بتبجح أن قرار الشعب الفلسطيني بيده؟

ونفس السؤال يطرح: هل يملك الشعب العراقي قراره؟ وهل الشعب السوري يحدد مصيره؟ وهل اليمن يستطيع الخروج من أزماته؟ وهل لبنان قادر على أن ينتخب رئيسه؟

بالعودة إلى الشعب الفلسطيني الذي فُرضت عليه حرب من عدو همجي استغل أجندات محور مرتجف، وقوى غربية ضعيفة تبحث عن استقرار في الشرق الأوسط للتفرغ لعدوها الأزلي الكامن في أقصى شرق النصف الشمالي من المعمورة، الذي تنفس الصعداء وهو يرى تخبط هذه القوى ليعيد ترتيب معسكره وتحالفاته من جديد بناء على معطيات حرب غزة.

غزة استكمال لما جرى ويجري في أوكرانيا.. انعكاس لعالم جديد يتمخض عن ضجيج سياسي وعسكري يصاحبه صخب المصالح. وإن كان في حرب غزة صخب المعسكر الروسي – الصيني أقل في وجه الغرب، فهو لا يأتي إلا بسياق سياسي واحد فقط، الدفع بالولايات المتحدة وحلفائها إلى التورط أكثر في الشرق الأوسط دون العبث في مناطق النفوذ الأخرى.

◙ الحرب في غزة لم تضع أوزارها بعد، والجميع ينتظر ما سيسفر عنه واقع الحروب، وما زال هناك متسع لجولات إضافية من العنف والدمار

عدم العبث في مناطق النفوذ الأخرى، أو عدم توسيع رقعة الحرب لتشمل جبهات أخرى، فتح شهية وانتهازية دول إقليمية لتمارس نفوذا لها عبر دور أمني في غزة، كون القطاع مقبلا على فراغ سياسي واقتصادي وبالتأكيد أمني، حيث تتوفر به كل الشروط المناسبة ليبقى منطقة جغرافية لتحقيق النفوذ السياسي على الساحة الدولية.

كيف لا، وآفة الشرق الأوسط اليوم تكمن بالجماعات المسلحة التي أوجدتها إيران، حيث يستحوذ حزب الله وجماعة الحوثي على قرارات دولهم وشعوبهم بالحرب والسلم، تماما كما يتحكم الحشد الشعبي في العراق، وكما هو قمع نظام الأسد للسوريين، ليصب كل ذلك بما يخطط له الإيراني، ليكون رقما في معادلة العالم الجديد.

بزاوية أشمل، الدول ليست جمعيات خيرية لتتباكى على مصير شعوب أخرى قُتلت وسالت دماؤها في دهاليز السياسة. الحرب في غزة لم تضع أوزارها بعد، والجميع ينتظر ما سيسفر عنه واقع الحروب، وما زال هناك متسع لجولات إضافية من العنف والدمار.

لن ينتهي الصراع وستبقى مجاري الدماء تروي مصالح الدول اللاهثة وراء مناطق نفوذ تحدد من سيجلس على طاولة مفاوضات العالم الجديد لاقتسام ثرواته على حساب الشعوب الأخرى.

9