مماطلة أم خطة بعيدة عن الأضواء

الأربعاء 2014/09/24

وافق الكونغرس الأميركي على مشروع قرار يسمح بتدريب مقاتلي المعارضة السورية، وهي المرة الأولى التي تُعلن فيها الولايات المتحدة أنها ستُدرّب مقاتلين سوريين على مسؤوليتها بعد ثلاث سنوات من المماطلة والتفرج على حرب الاستنزاف في سوريا.

تشمل خطة التدريب والتسليح، حسب التصريحات الأميركية، تدريب قوة من خمسة آلاف مقاتل، يتم تدريبهم في السعودية لمدة عام، على أن يصبحوا قوة ضاربة قادرة على استعادة توازن مزدوج على الأرض ضد المتطرفين وضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

خطة التحالف الدولي الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة مؤخرا ضد تنظيم الدولة الإسلامية واضحة وصريحة نحو محاربته في العراق، لكنها مازالت غامضة بدرجة كبيرة في ما يتصل بسوريا، ولم تكشف واشنطن عن الأسلحة التي ستزود بها المعارضة السورية، ولا الأسس التي ستعتمد عليها في تقييم المعارضة “المعتدلة” التي تريدها، وهذا الغموض جعل المعارضة السورية ترحّب، بحذر، بالخطة الأميركية، لكنها ضمنا شبه مقتنعة بأنها لن تُقدّم جديدا من الناحية الجوهرية.

عدد مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة الذين تريد الولايات المتحدة تدريبهم خلال أول عام ضئيل، لا يمكن أن يستطيع وحده تحقيق أي قوة ردع ضد تنظيم الدولة الإسلامية الذي لديه أكثر من ثلاثين ألف مقاتل، ولا ضد قوات النظام السوري وتحقيق توازن استراتيجي معها، فهو لا يوازي نصف قوة حزب الله الشيعي اللبناني في سوريا التي تقاتل إلى جانب النظام السوري اليوم.

يصل عدد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وغيرهما من التنظيمات المتشددة، ومعهم عدد مقاتلي النظام السوري والحرس الجمهوري وميليشياته المختلفة من دفاع شعبي وشبيحة وحلفائه من ميليشيات حزب الله اللبناني ومقاتلين عراقيين ويمنيين وغيرهم، إلى نحو 300 ألف مقاتل، وهذا يعني أن نسبة مقاتلي المعارضة ممن سيخضعون للتدريب والتسليح الأميركي ستكون في حدود 1.5 بالمئة من المقاتلين، أي سيقف كل واحد منهم في وجه 75 مقاتلا من مختلف التنظيمات غير المرغوب فيها، وهي نسبة لا تعني شيئا ولا يمكن أن تحقق أي توازن.

لكن أميركا تنسى، أو تتناسى، أن هناك نحو 75 ألف جندي سوري مقاتل من الجيش السوري منشق عن النظام، عناصر وضباط، من رتبة مجنّد إلى لواء، مدرّبون جاهزون وقادرون على قراءة الخطط العسكرية ونقدها، غالبيتهم مُهمش عمدا، محتجز في مخيمات في تركيا والأردن، وليست لديهم قدرات مالية وتسليحية، ولا تقبلهم غالبية الكتائب المسلّحة لأنهم قطاع محترف يصعب التحكم فيه، وما عليها سوى تنظيمهم تحت قيادة صارمة وإمدادهم بالسلاح وتقديم خطط متطورة لهم ليبدأوا رحلة مواجهة النظام والدولة الإسلامية معا، فضلا عن وجود أكثر من خمسين ألف مقاتل في كتائب إسلامية معتدلة مقاتلة اكتسبوا خبرات عسكرية خلال ثلاث سنوات من الحرب المتواصلة، يمكن الاعتماد عليهم تحت قيادة محترفة وصارمة.

لكن ربما ما يمنع الولايات المتحدة من الاعتماد عليهم هو أن غالبية العسكريين المنشقين والكتائب الثورية بما فيها الإسلامية التي ترفض تنظيم الدولة الإسلامية وتحاربه، لن يقبلوا بمحاربة الدولة الإسلامية وحدها وتجاهل النظام، فمعركتهم الأساس مازالت حتى اليوم مع النظام، ولن يقاتلوا معه في خندق واحد مهما كان العدو، فضلا عن أن غالبية مقاتلي المعارضة لا يضعون فرقا بين الدولة الإسلامية وبين النظام ولن يقاتلوا الفرع ويتجاهلـوا الأصل، وهـو ما يبدو أن الولايات المتحدة لا تريده في الفترة المنظورة المقبلة.

يآخذ السوريون على خطة الرئيس باراك أوباما أنها تحيل التعاطي مع الصراع في سوريا بين نظام الأسد والثوار إلى مرحلة لاحقة، وهو ما يشجّع الدولة الإسلامية على إعادة تنظيم صفوفها والعودة إلى الهجوم واعتبار سوريا موطنا آمنا إن زاد الضغط عليها في العراق، وهو ما تجلّى في الأيام الماضية باحتلالها مناطق شاسعة في شمال سوريا خارجة عن سيطرة النظام وتضم أكرادا سوريين.

وبعيدا عن غموض الخطة الأميركية وضبابيتها، يستغرب السوريون استهداف التحالف الدولي المرتقب لتنظيم الدولة الإسلامية وحده، الذي لم يقاتل النظام السوري منذ تشكيله، دون أن تستهدف معه الميليشيات المقاتلة لحزب الله الشيعي اللبناني (المصنفة أميركيا منظمة إرهابية) والميليشيات الطائفية العراقية وميليشيات وشبيحة النظام السوري (المصنفة أميركيا أيضا كميليشيات إرهابية)، وتخشى المعارضة السورية أن يكون هناك كيل بمكيالين، وأن تستغل الولايات المتحدة ضبابية تعريف الإرهاب لتصفية قوى في الثورة السورية.

وفق المعلومات، الخمسة آلاف مقاتل الذين أعلنت الولايات المتحدة عن نيتها تدريبهم، هم جاهزون، بدأت تدريبهم منذ نحو سنة، بمعدل خمسمائة مقاتل شهريا، ارتفع إلى سبعمائة، وهم جاهزون لأي خطة أميركية. لكن الولايات المتحدة لن تزجّ بهم في أتون الحرب ليُحرقوا فيها وبفوضاها هكذا ببساطة، إنها تحضّرهم لما بعد ذلك، ربما ليكونوا جزءا قياديا أساسيا في الجيش السوري في المرحلة الانتقالية، بعد إرغام النظام على القبول بالتفاوض لتسليم السلطة، وسيكونون حصة الولايات المتحدة في الجيش السوري بعد إعادة تشكيله من مقاتلي المعارضة وما تبقى من الجيش الذي زجّه النظام في حرب ليست حربه، وريثما يحين ذلك الوقت، فإن الولايات المتحدة ستستمر في إدارتها للأزمة، ولن تطرح خططا لحلها نهائيا.

هذه الوقائع- الفرضيات تجد من يعارضها في المعارضة السورية، فهناك من أعرب عن قناعته بأن القرار الأميركي هو مقدّمة لاستراتيجية واسعة قيد التنفيذ ستؤدي إلى الإطاحة بالأسد خلال أشهر معدودة، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة ستمنع التحليق فوق سوريا فور البدء بالضربـات الجويـة علـى تنظيم الدولـة، وهـذا سيُفقد النظام أقوى سلاح لديه، الأمر الذي سيُمكّن الثوار من التقدم وتحسين وضعهم على الأرض، كذلك لا يستبعد آخرون أن يقوم التحـالف بقصـف مواقع استراتيجية جدا للنظام خلال غاراته، بحجة أنها مواقع للإرهابيين أو قُصفت خطأً، مما سيؤدي إلى تسارع انهيار النظام ومنظومته العسكرية.

ربما تكون هناك خطط عمل استراتيجية أميركية تأخذ طريقها بعيدا عن الدبلوماسية والإعلام، وفي الغالب هناك مشروع أميركي لم ينته بعد وتحرص واشنطن على إنعاشه كلما أبعدته الأحداث، لكن من الخطأ الاعتقاد بأن الولايات المتحدة تُفكّر، الآن على الأقل، في إسقاط النظام السوري الذي يواصل ارتكاب المجازر اليومية، فالغرب وافق على “تفويض واضح لمحاربة إرهاب الدولة الإسلامية وليس غزوا عسكريا لقلب أنظمة”، واحتمالات تدخل أميركي مباشر في سوريا أمر مؤجل ومرتبط بالتفاهمات والمستجدات الإقليمية والدولية، وبالتالي من الخطأ التعويل على دور أميركي في الوقت الراهن لإنهاء الأزمة السورية، وعلى قيادة العمل السياسي والعسكري في المعارضة السورية إدراك ذلك.

لكن الشارع السوري لا يُصاب باليأس، ويبقى يراهن على أحد أمرين، الأول أن يستفز النظام السوري الولايات المتحدة ويتجرأ على استهداف طائراتها المقاتلة، عند ذلك ستعتبر قوات التحالف الأمر تهديدا مباشرا لها ويحصل اشتباك عسكري مباشر مع النظام، والثاني أن يؤدي القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، أو إضعافها، إلى خلاص الكتائب المقاتلة من شرّها وتفرغها لمحاربة النظام، وهو ما سيعطيها قوة مضاعفة لأن هذا التنظيم يستنفد الآن غالبية قوة المعارضة المسلحة، وتبقى تلك الفرضيات أمنيات، ففي ظل كثرة اللاعبين في سوريا، لا أحد يستطيع ضبط الإيقاع ومعرفة ما سيجري.


إعلامي سوري

9