مقهى غريكو على وشك الإغلاق بعد أن أرخ لرومانسية هيبورن

ينازع المؤجر الحالي لمبنى مقهى “انتيكو غريكو” علامات تجارية فاخرة، للحصول على فرصة تأجيره من جديد في ظل رفع المالكين الحقيقيين للمكان في ثمن الإيجار، وقد يواجه ملتقى الكتّاب والسياسيين والفنانين رغم أنه مؤمن بفضل قسم حماية الممتلكات الثقافية، خطر إغلاق أبوابه لانتهاء صلاحية عقد كرائه.
روما – يعيش مقهى “انتيكو غريكو” بعد أكثر من قرنين ونصف القرن من الصمود في قلب العاصمة الإيطالية، صراعا للبقاء وسط تنافس محموم للاستحواذ عليه من قبل علامات عالمية.
ويقع المقهى على بعد عشرين مترا فقط داخل الشارع التجاري “فيا دي كوندوتي” الخاص بالأثرياء في روما، وهو شارع موجود أسفل المدرجات التي تعرف باسم “مدرجات إسبانيا” (سبانيش ستيبس)، وقد اكتسبت هذه المدرجات شهرتها من خلال فيلم “إجازة رومانية” بطولة الممثلة البلجيكية أودري هيبورن والممثل الأميركي جريجوري بيك وهو فيلم رومانسي كوميدي أنتج عام 1953.
ويبلغ عدد هذه المدرجات 135 وهي مزيج من المنحنيات وتتصل من الأعلى بساحة ترينيتا دي مونتي، ومن الأسفل بساحة إسبانيا (بيازا دي سبانا) وهي من أجمل الساحات هناك. فبالإضافة إلى ما يحفو بالمقهى من معالم شهيرة، فإن كل ما فيها يشي بعراقتها؛ ففي الخارج توجد لافتة مكتوب عليها “250 عاما” وهي شاهد على تراث المقهى وفي الداخل توجد طاولات من الرخام وكراس ومقاعد تم تنجيدها ولوحات رسم زيتية قديمة تخلق جوا بالمكان.
ولكن كل هذا من الممكن أن يكون مآله إلى الزوال في القريب العاجل، على الأقل وفقا لما ذكرته مؤخرا تقارير وسائل إعلام إيطالية، فمن المفترض أن يغادر المستأجران الحاليان، وهما كارلو بيليغريني وزوجته فلافيا إيوزي، المكان نظرا لأن عقد الإيجار الذي بحوزتهما قد انتهى أجله في عام 2017 ولم يتم تمديده.
إيجار باهظ
يعود سبب انتهاء أجل عقد الإيجار دون تمديده إلى عدم إيجاد قيمة إيجارية مناسبة في هذه المنطقة مرتفعة الأسعار والتي تزخر بالمتاجر الفخمة، فمالك المبنى هو المستشفى الإسرائيلي في روما.
ووفقا لبيان المستشفى، لم يتم التوصل إلى اتفاق مع المستأجر بما يتناسب مع “القيمة السوقية للمقهى”.
وجاء في البيان أن كل عائدات التأجير يتم استثمارها في المستشفى لخدمة جميع المواطنين.
وقال بيليغريني “إننا ندفع حاليا 22 ألف يورو (ما يعادل 24 ألف دولار شهريا) ومستعدون لدفع المزيد، لكنه يطلب 120 ألف يورو شهريا، أي ما يقرب من ستة أضعاف القيمة الإيجارية الحالية”.
ويجلس بيليغريني بجوار زوجته فلافيا وابنه لوكا على أريكة صغيرة موروثة من ممتلكات مؤلف القصص الخيالية الدنماركي هانز كريستيان أندرسن، الذي عاش في السابق في هذا المبنى التاريخي.
ونفى المتحدث باسم المستشفى، فابيو بيروجيا، أن يكون المستشفى قد طلب مبلغا محددا من بيليغريني، وعرض القضية بشكل مختلف، حيث قال إن المستشفى تلقى عروض إيجار تتراوح قيمتها بين 120 ألفا و180 ألف يورو شهريا.
وأضاف بيروجيا “هناك أمر من المحكمة يقضي بأنه يتعين على بيليغريني أن يقوم بتسليم المكان”، متابعا أنه سيكون هناك مستأجر جديد لتشغيل المقهى اعتبارا من عام 2020، وبالكاد سيلاحظ السياح الفرق.
ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، وفقا للمستأجرين الحاليين بيليغريني وفلافيا، اللذين يصران على أن المالك يمتلك “الجدران” فقط أي المبنى، غير أنهما يمتلكان الموجودات التاريخية.
وأكد المتحدث باسم المستشفى أنه لا يوجد سجل مكتوب بذلك، لذلك يبدو أن هناك إرهاصات لمعركة قانونية معقدة بشأن المقهى.
وأشارت بعض التقارير الإعلامية إلى اهتمام علامات تجارية عالمية فاخرة بالاستحواذ على المبنى، غير أن المستشفى الإسرائيلي قال إن المبنى سيظل مقهى، ولكن تحت إشراف إدارة مختلفة.
واتخذ الخلاف منعطفا خطيرا عندما بدأ أشخاص في نشر تعليقات معادية للسامية على صفحة المستشفى الإسرائيلي في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وهم يعتمدون على عبارات مبتذلة عن اليهود بأنهم أثرياء وأن المال هو شغلهم الشاغل. وتم بسرعة حذف هذه التعليقات واتفق المالك والمستأجران على شيء واحد وهو إقامة دعاوى جنائية.
وأصر بيروجيا قائلا “نحن في المستشفى أول من يحرص على أن يظل مقهى غريكو كما هو مقهى“.
وتشكك فلافيا في ما إذا كان بمقدور أي مشغل للمقهى أن يواصل العمل مع قيمة إيجارية من ستة أرقام. ويقوم الزوار بمراجعة المواقع الإلكترونية الخاصة بأماكن قضاء الإجازات مثل ترب ادفايزور للشكوى من أسعار الكابيتشينو. ولاحظ بيليغريني ارتفاعا في المضاربات حيث يتم افتتاح منشآت تجارية جديدة ولكنها توقف نشاطها بشكل متكرر.
أهمية تاريخية
كان المقهى الذي تم ذكره لأول مرة في وثيقة في عام 1760 وسمي على اسم مالكه اليوناني، لأكثر من قرنين ونصف القرن، ملاذا للكتّاب والسياسيين والفنانين وغيرهم من الشخصيات البارزة في روما منذ المراحل المبكرة لتشييده، حيث كان الأديب الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته زبونا، وكذلك الشاعر الفرنسي ستندال والشاعر البولندي آدم ميكيفيتش، وجاكومو كازانوفا، وهناك لوحة رسم زيتية من أعمال الرسام الإيطالي دومينيكو موريلي معلقة فوق الأريكة.
ولأسباب تتعلق بالحفظ التاريخي، فإن جمع كل القطع الأثرية وتعبئتها وفتح مقهى في مكان آخر أمر غير وارد نظرا لأن هناك لوائح قانونية يجب وضعها في الاعتبار.
وقال متحدث باسم وزير الثقافة الإيطالي، داريو فرانسشيني، “المقهى مهم للغاية لروما كمكان للثقافة الأوروبية، والترخيص مرتبط بشكل وثيق بالموقع”.
وتطرأ على روما تغيرات حاليا، ومن المستحيل بالنسبة لأي زائر الجلوس على المدرجات الإسبانية مثلما فعل الممثلان هيبورن وبيك، نظرا لأن رجال الشرطة الذين يرتدون سترات صفراء يتصدون بسرعة لأي شخص يحاول ذلك ويطالبونه بالانصراف.
والمحال المجاورة للمقهى تتاجر في بضائع تحمل علامات تجارية فاخرة مثل “برادا” و”كارتييه” و”غوتشي”. ومقهى غريكو هو بمثابة جزيرة تقليدية في هذا البحر من التفسخ الحديث.