مقتل شاب تحت التعذيب.. هل يشعل انتفاضة في السودان

تحت غطاء حماية النظام يُحكم على الكثيرين بالإعدام بناء على تهم مبنية على الاشتباه أو ما يعرف بـ"الوجوه الغريبة" وهي تهم لا تستند إلى أدلة وإنما سوء استخدام للسلطة
الأربعاء 2024/09/04
كل يوم يمر يحمل معه المزيد من المعاناة

جهاز الأمن السوداني تأسس في عهد حكومة الإخوان المسلمين على مبادئ متطرفة تسعى إلى استهداف أيّ شكل من أشكال المعارضة وترويج العنف كممارسة أساسية للحفاظ على السيطرة. هذا الجهاز، الذي تولى مهام تجريم المجتمع ومعاقبة المخالفين في الرأي، لم يكتفِ بقمع الأصوات المعارضة بل عمد إلى نشر ثقافة الخوف بين المواطنين، مما أدى إلى تآكل الثقة بالمؤسسات الاجتماعية وضعف عام في النسيج الاجتماعي.

مؤخراً، تجسدت هذه السياسات القمعية في حادثة مؤلمة تعرض خلالها الأمين محمد نور من مدينة كسلا لتعذيب وحشي على يد الأجهزة الأمنية أدى إلى وفاته. الجهات الأمنية سعت لتبرير وفاته بادعاء أنه كان نتيجة ضيق في التنفس، في محاولة للتلاعب بالحقائق لتجنب المسؤولية عن الجريمة. هذا التبرير لا يعكس سوى محاولة لتزييف الحقيقة وإخفاء انتهاكات يرتكبها النظام.

رداً على هذه الحادثة، خرجت مدينة كسلا في احتجاجات واسعة عبّرت عن غضب شعبي عارم. وقد نُظم تشييع الأمين محمد نور بشكل مهيب، ما شكل تعبيراً واضحاً على الرفض القوي للسياسات القمعية لحكومة الإخوان. وعكست الاحتجاجات التغير الجذري في موقف الشعب تجاه الحكومة، مجسدة مشاعر الإحباط والاستياء التي عمّت بين المواطنين.

◄ مسار النظام الإخواني يعكس نهجًا قاسيًا ومتعجرفًا، بدأ باغتيال الدكتور علي فضل بطريقة وحشية، حيث دُقّ مسمار في رأسه، وانتهى بأحداث مؤلمة أخرى مثل اغتصاب معلم حتى الموت

إذا استمرت هذه الموجة من الغضب الشعبي، قد تشكل بداية لتداعيات خطيرة على استقرار النظام الحاكم وبداية انهيار الحكومة التي طالما اعتمدت على القمع والعنف للحفاظ على سلطتها، مما ينذر بسقوط مدوٍّ للنظام إذا استمرت الحالة الاحتجاجية في التصاعد.

الحرب تسببت في تفشي أزمات إنسانية، وفرضت على العديد من المواطنين أوضاعًا حياتية قاسية، ويسعى الكثيرون للنجاة من الجوع والمرض والتشريد. لكن وسط هذا المشهد الكئيب، يواصل المناصرون لحكومة الإخوان الاحتفال بانتصارات وهمية، رغم الهزائم المذلة التي تعرضوا لها على أرض الواقع. هذه الاحتفالات لا تعكس سوى الانفصال التام عن المعاناة التي يعيشها الشعب السوداني، وإصرار على تجاهل الوضع الإنساني المتدهور في البلاد.

في الواقع، كل يوم يمر يحمل معه مزيدا من المعاناة والمآسي، ويتم اعتقال العشرات والمئات من المواطنين بتهم ملفقة ومحاكمات صورية. تحت غطاء حماية النظام، يُحكم على الكثيرين بالإعدام بناءً على تهم مبنية على الاشتباه أو ما يعرف بـ”الوجوه الغريبة”، وهي تهم لا تستند إلى أدلة ملموسة وإنما إلى فرضيات وسوء استخدام للسلطة. هذه المحاكمات الصورية لا تعكس سوى استمرارية النظام في استخدام القمع كأداة أساسية للسيطرة وتصفية الخصوم، مع تجاهل تام لحقوق الإنسان وللعدالة.

مع استمرار القمع وإهدار الحقوق، تصبح الحاجة ملحة لإيجاد سبل فعالة لمقاومة هذا النظام الظالم. إن مقاومة النظام تتطلب وحدة جماهيرية قوية وقادرة على تغيير الموازين. الوحدة الشعبية تشكل القوة المحورية التي يمكنها أن تؤدي إلى إحداث تغيير حقيقي في المشهد السياسي والاجتماعي في البلاد. أيّ تحرك أو تململ شعبي في الولايات التي يتحصن فيها الإخوان ستكون له دلالة كبيرة على قدرة الشعب على التصدي للظلم وفرض إرادته.

تعتبر هذه التحركات الشعبية خطوة نحو بناء أفق جديد للعدالة والحرية، وتقدم فرصة لإعادة بناء البلاد على أسس سليمة. عندما يتوحد الشعب في مواجهة القمع، يمكن أن يكون له تأثير ملموس على قدرة النظام على الاستمرار في سياسته القمعية. من خلال التنظيم والتخطيط، يمكن أن تسهم هذه التحركات في تعزيز الضغط على النظام وإجباره على التغيير.

◄ إذا استمرت هذه الموجة من الغضب الشعبي، قد تشكل بداية لتداعيات خطيرة على استقرار النظام الحاكم وبداية انهيار الحكومة التي طالما اعتمدت على القمع والعنف للحفاظ على سلطتها

بالتالي، إن التعبير عن الغضب الشعبي والتجمع ضد سياسات النظام يمكن أن يكون لهما تأثير كبير في مسار الأحداث. إن الإصرار على المضي قدمًا في مقاومة القمع والسعي نحو التغيير هو الطريق نحو تحقيق العدالة والحرية. هذه المرحلة تتطلب من الجميع العمل بروح الوحدة والتضامن، لأن أيّ تململ شعبي هو خطوة نحو تحقيق التغيير المطلوب وإنهاء الظلم الذي يعاني منه الشعب السوداني.

في كل رحلة يقوم بها البرهان تلاحقه لعنات الأمهات والشعب المقهور، الذين يعانون من ويلات النظام القمعي. فبينما يموت الناس وتغرق البلاد في أزمات إنسانية جراء الصراعات المستمرة، يواصل جهاز الأمن التركيز على قمع المخالفين السلميين وتصفية المعارضين، بدلاً من معالجة الأزمات العميقة التي تواجهها البلاد.

إن مسار النظام الإخواني يعكس نهجًا قاسيًا ومتعجرفًا، بدأ باغتيال الدكتور علي فضل بطريقة وحشية، حيث دُقّ مسمار في رأسه، وانتهى بأحداث مؤلمة أخرى مثل اغتصاب معلم حتى الموت. هذه التصرفات تعكس الجوهر الحقيقي للفكر الإخواني، الذي اعتاد على استخدام العنف والقسوة بدلاً من البناء وتعزيز القيم الإنسانية والاجتماعية.

مقتل الأمين محمد نور في كسلا يمثل نقطة تحول حاسمة، حيث يعكس النهاية الطبيعية لطريق الإخوان المليء بالجرائم والانتهاكات. هذا الحادث ليس مجرد جريمة أخرى في سجل النظام، بل هو تذكير صارخ بالانحراف الأخلاقي والقيمي الذي تمارسه حكومة الإخوان. ستساهم هذه المأساة في تسريع انهيار النظام، وتدفع به نحو المزيد من التهميش في “مكبات نفايات الأخلاق”، حيث يلقى الجزاء الطبيعي لمن يتبنى سياسات الإيذاء والقمع بدلاً من الرحمة والإصلاح.

8