مقترح الفرصة الأخيرة: التحدي الأميركي لإصلاح المسار النووي الإيراني

الإدارة الأميركية قدّمت مُقترحًا لفض الخلاف مع طهران بشأن مسألة التخصيب أطلقت عليه مقترح الفرصة الأخيرة، مؤكّدةً أنّ طهران ستواجه عواقب وخيمة في حال رفضه. ويعرض المقترح على إيران إمكانيّة تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67 في المئة في إطار تحالف دوليٍّ. وقد أعلنت إيران عن رفضها الأوّلي للمقترح الأميركي. لكنّه على ما يبدو، ليس رفضًا للمبدأ العامّ الذي يعرضه المُقترح، بمقدار ما هو رفضٌ للتفاصيل. وهو نموذجٌ وصفتهُ مصادر دوليّة بنموذج الرد بـ”نعم ولكن”، أو “لا ولكن”. ويمكن اعتبار الموقف الذي أعلنه القائد الإيراني الأعلى؛ علي خامنئي خلال الطقوس السّنوية السادسة والثلاثين لموت الخميني محاولةً للضّغط على الولايات المتحدة، لتليين موقفها، وتغيير المقترح بما يحافظ على “الثوابت الإيرانية” في الملف النووي.
لماذا ترفض طهران عرضًا يعتبره الرئيس دونالد ترامب سخيًّا، ونهائيًّا؟
كان متوقعًا أنْ يكون الردّ الإيراني سلبيًّا على المقترح الذي تقدمت به الولايات المتحدة. كما كان مُتوقعًا أنْ يكون هذا الردّ السّلبي محلّ إجماعٍ داخل المؤسسة الرسمية الإيرانية، سواء على صعيد الحكومة التي رفضت الموضوع على لسان مساعد رئيس الجمهورية، ووزير الخارجية، أم على صعيد مؤسسات الدولة العميقة التي أكدت رفضها القاطع له على لسان القائد الإيراني الأعلى؛ علي خامنئي، وعلى لسان مقربين منه.
◄ إيران قد تطالب بالحصول على بعض "الحوافز الفورية" لقبول المقترح الأميركي المُعدّل، بحيث تسبق التطبيق العملي لهذا التوافق الذي يتطلّبُ وقتًا ليس بالقليل
والسّببُ في الرّفض الإيراني لهذا المقترح كان واضحًا؛ إذْ اعتبره الإيرانيون تنصُّلًا عن مكتسبات جوهرية كان قد أقرها المجتمع الدولي لإيران في الاتفاق النووي لعام 2015، والذي أقرّ في كافة تفاصيله حق إيران في امتلاك “الدورة النووية الكاملة،” حتى وإن كان ذلك في سياق الأنشطة النووية السِّلميّة، وتحت رقابة دوليّة هي الأشدُّ بين كل البلدان التي تمتلكُ برنامجًا نوويًّا، وتتضمن العشرات من المفتشين التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ونظامًا من التفتيش المُباغت للمراكز النووية.
وبدا واضحًا بعد المقترح الأميركي والردّ الإيراني عليه، أنّ نقطة الخلاف الأساسيّة في المفاوضات الجارية بين طهران وواشنطن تتمحور حول “الحق في امتلاك الدورة النووية الكاملة.” ويعرضُ المقترح الأميركي الذي قدمه وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي مسارًا للبرنامج النووي الإيراني يكسرُ هذه الدورة الكاملة. لكنّهُ في نفس الوقت، يقرّ بحق إيران في امتلاك برنامج نووي للأغراض السلميّة، شريطة أنْ تكون دورتها النووية مبتورةً بما يضمن بشكل قاطع عدم حصولها على السلاح النووي؛ فالمقترح الذي أكدت المتحدثة باسم الإدارة الأميركية أنه فرصة أخيرة، وأن طهران ستواجه عواقب وخيمة في حال رفضه يقترح تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67 في المئة في إطار تحالف دولي، تشاركُ فيه إيران إلى جانب أطراف إقليمية أخرى، من ضمنها دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان، كما تشارك فيه الولايات المتحدة باعتبارها شريكًا ومُراقبًا في الحين ذاته. وذلك على غرار تحالفات دوليّة لتخصيب اليورانيوم كان قد عرفها المجتمع الدولي على مدى العقود الماضية، وأثبتت نجاحًا في تخفيف التوتُّر في الكثيرٍ من الأحيان.
لكنّ المشكلات عادةً ما تكمن في التفاصيل؛ إذْ يعرض المقترح الأميركي الجديد، وفق ما رشح عنه من تفاصيل، أن توقف إيران تخصيب اليورانيوم على أراضيها حينما يبدأ التخصيب في المنشأة الإقليمية الجديدة التي ستكون إيران المستفيدة الأساسية منها، والتي يُقتَرَحُ أن تكون مركزًا دوليًّا خارج الحدود الإيرانية على أراضي دولة مجاورة من البلدان المشاركة.
◄ يتعيّن على الجانب الإيراني في المقابل، أن يعمل على إقرار قانون يضمن التزامه بـ"البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية"
ويُقدّم مثل هذا المُقترح إذا ما قُدِّرَ له النّجاح فرصةً لإدارة الرئيس ترامب من أجل التوصّل إلى توافُق جيّدٍ مع إيران بمعايير اليمين الأميركي؛ إذْ يمكنُ للرئيس ترامب القول بأنه حصل على اتفاقٍ أفضل من الاتفاق النووي لعام 2015. لكنّه في المقابل سيعني لإيران تراجُعًا جوهريًّا عن حدود الاتفاق النووي لعام 2015، سواء على صعيد التواريخ والمواعيد الزمنية مثل بنود الغروب، أم على صعيد المكتسبات التي حصلت عليها إيران خلال الأعوام الأخيرة، مثل: تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة، وإنتاج معدن اليورانيوم، والوقوف على العتبة النووية، وصولًا إلى التنصُّل من حقّ تخصيب اليورانيوم حتى ضمن الحدود السلميّة.
ويبدو النظام الإيراني الآن في حاجة ماسة للتوصُّل إلى توافق، وإن كان مؤقتًا يضمن له إبعاد شبح “آلية الزناد” التي باتت على الأبواب، منذرةً بعودة العقوبات الدولية، والمكوث تحت رحمة البند السابع من منشور الأمم المتحدة. كما يضمن له الحصول على مكتسبات اقتصاديّة وتقنيّة تُمَكّنه من تجاوز الضائقة التي تنذر بما هو أسوأ في الأشهر القادمة في قطاع الطاقة خصوصًا، وفي الملف الاقتصادي بشكل عامّ.
من المرجّح أنْ يتواصل الرّفض الإيراني للمقترح الأميركي إنْ بقيت الإدارة الأميركيّة متمسّكة بعدم مناقشة الخلافات التفصيليّة على قاعدة “تأخذه كله أو تتركه كلّه”؛ فالمقترح ضمن حدوده الحاليّة سيعمل على تعطيل المفاوضات لأنه يصرّ على بتر الدورة النووية الكاملة، وإن كانت ضمن الحدود السلميّة. ويمكن التفكير في بعض التعديلات لجعل المسار الذي تطمح إليه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ممكنًا في التحقق من سلميّة “الدورة النووية الإيرانية الكاملة.”
ولعلّ النقطة الأولى التي يمكن اعتبارها تعديلًا جوهريًّا على المقترح الأميركي، هي نقل المركز الإقليمي الذي يفترض أنْ يجري فيه تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67 في المئة إلى داخل الأراضي الإيرانية، شريطة أنْ يكون متمركزًا في نقطة واحدة تتخذ صفة “المنطقة الحرّة”. ومن شأن هذا التعديل الجوهري أنْ يضمن الموافقة الإيرانية على المقترح لأنه يكسر الدورة النووية الكاملة. ويحقق هذا التعديل المُقترح مكسبًا مُهمّا للمجتمع الدولي، يتمثّل في جمع شتات برنامج التخصيب الإيراني في موضعٍ واحدٍ خاضعٍ للمراقبة الدولية الدائمة. وتُتّهم إيران بأنها تعمّدت تشتيت مواقع التخصيب، وتوزيعها جغرافيًّا، من أجل عرقلة مسار المراقبة الدولية، ووضع عقبات على أيّ محاولات للقضاء على البرنامج النووي الإيراني.
◄ السّببُ في الرّفض الإيراني لهذا المقترح كان واضحًا؛ إذْ اعتبره الإيرانيون تنصُّلًا عن مكتسبات جوهرية كان قد أقرها المجتمع الدولي لإيران في الاتفاق النووي لعام 2015
ويُفضّل أنْ يكون مركز التخصيب المُشترك على إحدى الجزر الإيرانية في الخليج، أو مدن السّاحل الجنوبي، حيثُ يوجد المفاعل النووي الأكبر في إيران في مدينة بوشهر. ويبدو مقترح إنشاء “المنطقة الحرة الإقليمية للطاقة النووية” مقترحًا عمليًّا باعتباره يؤمّن إنشاء مركز إقليمي لتخصيب اليورانيوم على أراضٍ إيرانية، لكنّه سيتبع قوانين دوليّة على غرار باقي المراكز الدولية لتخصيب اليورانيوم. ومن أجل ضمان هذه القوانين، قد يتعيّن استخراج قرار من “مجلس الأمن الدولي” يتضمن التزام الأطراف بما فيها إيران بمبادئ التّحالف.
أما النقطة الثانية التي ينبغي أخذها بالحسبان لتعديل المقترح الأميركي، فهي أن يكون المرجع المكلّف بالإشراف على سلامة التخصيب، والرّقابة عليه، هي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، وليس الولايات المتحدة. ويبدو ذلك ضروريًّا من الناحية القانونيّة للحؤول دون الانزلاق إلى بدعة من شأنها أنْ تخلّ بمرجعيّة المنظمات الدولية التي تحمل بموجب الإجماع الدولي حقوقًا حصريّة في مراقبة المشاريع المحليّة لتخصيب اليورانيوم.
ويتعيّن على الجانب الإيراني في المقابل، أن يعمل على إقرار قانون يضمن التزامه بـ”البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية”؛ إذ أعلنت إيران قبولها بهذا البروتوكول في عام 2002، لكن من دون أنْ يتم تمريره في البرلمان الإيراني. ويتضمن هذا البروتوكول الذي يختلف نصه والتزاماته من دولة إلى أخرى، اعترافًا من الدّول المُوقِّعة له بأن يكون للوكالة الدولية للطاقة الذريّة حق غير محدود بإجراء جولات تفتيش مباغتة، ومن دون سابق إنذار، وحق في تركيب كاميرات مراقبة خاصة في أيّ نقطة. كما ينبغي أنْ يكون المقترح مشروطًا بأن توقف إيران تمامًا كافّة عمليّات تخصيب اليورانيوم في المراكز النووية الأخرى، سواء على مستوى أجهزة الطرد المركزي المتطورة المحظورة بموجب الاتفاق النووي، أم على مستوى التخصيب ضمن حدود أقل من 3.67 في المئة. وأنْ تلتزم بالحصول على وقودها النووي من “المنطقة الحرة الإقليمية للطاقة النووية”.
وقد تطالب إيران بالحصول على بعض “الحوافز الفورية” لقبول المقترح الأميركي المُعدّل، بحيث تسبق التطبيق العملي لهذا التوافق الذي يتطلّبُ وقتًا ليس بالقليل. ويمكن في سياق هذه المحفّزات الحديث عن تزويد إيران بالكهرباء، عبر ربط شبكة الكهرباء الإيرانية بالشبكة الخليجية. إذ تعاني إيران من أزمة خانقة على صعيد الطاقة الكهربائية. كما يمكن الحديث عن تحرير الأرصدة الإيرانية المجمدة في دولة قطر. وكانت هذه العمليّة قد بدأت بالفعل في عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن قبل أنْ تتوقف فجأةً بعد هجوم السابع من أكتوبر.