مقايضة الملابس المستعملة أناقة وموضة متجددة

لو تساءلنا عن مصير الملابس التي نرميها لعلمنا أنها تنتهي في جوف الأرض التي أصبحت تئنّ بسبب النفايات التي يرميها الإنسان دون مسؤولية. فمخاطر الملابس وأصبغتها وما تخلفه من تلوث دفعت المناصرين للبيئة في سنغافورة إلى ابتكار مبادرات لترشيد استعمال الثياب ومقايضتها.
سنغافورة - اعتادت سو – آن تشنغ ابنة سنغافورة البالغة من العمر 35 عامًا أن ترتدي ملابس جديدة ومختلفة كل يوم من الأيام الخمسة عشر الأولى من العام القمري متّبعة عرفًا ترمز فيه الملابس الجديدة إلى التجديد.
لكنها ترتدي هذا العام ملابس مستعملة تستبدلها في متجر يرتاده أولئك الراغبون في الحد من تأثير نشاطاتهم على البيئة.
وظهرت أخيرا مبادرات عدة في الدولة المدينة الثرية في جنوب شرق آسيا لتشجيع المستهلكين على الاستفادة بشكل أفضل من الملابس الموجودة في خزائنهم، سواء كانت فعاليات لمناسبات معينة أو متاجر مقايضة دائمة وذلك بغاية الحد من النفايات وتأثيرها على البيئة.
وتساهم صناعة الموضة التي تغري المستهلك على الشراء لمواكبتها بما يقرب من عُشر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، فالمنسوجات تنتج ثاني أكسيد الكربون أثناء التصنيع وكذلك أثناء نقل الملابس وشحنها وعندما يغسلها المستهلكون.
وتلوث صبغات القماش المسطحات المائية وتدمر الحياة البحرية وتلوث مياه الشرب، وتُصنع بعض الملابس من أقمشة اصطناعية مرنة مستخرجة من البلاستيك من الصعب إعادة تدويرها ومن ثم يتضاعف تأثيرها على البيئة.
ووفقا للأمم المتحدة ينتهي المطاف بـ85 في المئة من المنسوجات في مكبات النفايات أو يتم حرقها عندما يمكن إعادة استخدام معظم هذه المواد. ويمكن إعطاء ملابسنا للعائلة والأصدقاء عندما يكون ذلك ممكنا أو وضعها في صندوق تبرعات الملابس بدلا من سلة المهملات.
سنغافورة أنتجت أكثر من 168 ألف طن من نفايات المنسوجات عام 2019، وهي كمية يزيد وزنها عن 400 طائرة بوينغ
وتعد مقايضة الملابس طريقة رائعة لتجديد خزانة ملابسك دون شراء عناصر جديدة.
وخلال زيارة حديثة لمتجرها المفضل “مركز الموضة” أحضرت الشابة معها العديد من الفساتين وطقمًا وقطعًا أخرى متسقة عاينها الموظفون قبل أن يضيفوا نقاطًا إلى حسابها.
وأنفقت سو – آن تشنغ نقاطها لحيازة 17 قطعة بما في ذلك فستان أصفر وأخضر احتفظت به من أجل اليوم الأول من العام القمري لأنه يحمل ألوان الأناناس الذي يعد “فأل خير”.
فهذه الفاكهة التي تعد رمزًا للبحبوحة في الثقافة الصينية تُقدم في سنغافورة لدى حلول العام الجديد.
وتشرح سو – آن قائلة “تعلمت من والديّ أن علينا ارتداء ملابس جديدة للعام الصيني الجديد ووقعت بذلك ضحية هذه النزعة الاستهلاكية”.
وتضيف المرأة المتزوجة التي تعمل في شركة للتكنولوجيا “كنت في السابق أحرص على اقتناء 15 قطعة جديدة، حتى وإن لم أكن ذاهبة لزيارة أقاربي، كانت تلك مبالغة. لكن الآن طالما أن الملابس جديدة بالنسبة إلي أعتقد أن هذا يكفي”.
وعرفت عن مقايضة الملابس خلال تنظيم حدث في شركتها قبل خمس سنوات.
وتقول “قبل أن أبدأ المقايضة كانت عاداتي الاستهلاكية مجنونة (…) لم أكن أرتدي أكثر من نصف ما تحويه خزانة ملابسي، ومع ذلك كنت أشعر بأن ليس لدي ما أرتديه”.
ودفعت سو – آن 599 دولارًا سنغافوريًا (372 يورو) مقابل رسوم العضوية السنوية في مخزن “مركز الموضة”. ويسمح لها ذلك بمقايضة عدد غير محدود من القطع.
وتقول إن 80 في المئة من ملابسها الآن حصلت عليها من هذا المتجر. وعن تجربتها تشرح أنها “تسمح لي بمتابعة الموضة مثل حرباء، كما أولي مزيدًا من الاهتمام للبيئة”.
وأنتجت جزيرة سنغافورة الصغيرة أكثر من 168 ألف طن من نفايات المنسوجات والجلود عام 2019 وفقًا للإحصاءات الرسمية، وهي كمية يزيد وزنها عن 400 طائرة بوينغ 747.
وافتتح المصمم الفلبيني راي باديت متجر مقايضة الملابس قبل ثلاث سنوات بعدما أدرك تأثير قطاع الموضة على البيئة وظروف العمل السيئة لعمال النسيج.
ويقول باديت “المشكلة في سنغافورة هي الاستهلاك المفرط والهدر (…) نريد أن نقدم منصة يمكننا من خلالها دائمًا ارتداء ملابس جيدة والتعبير عن أنفسنا (…) من خلال الملابس. ولكن من دون أن نلحق الضرر في الوقت نفسه بكوكبنا أو بمحفظة نقودنا”.
وبات لدى مؤسسته أكثر من 1500 عضو وبدأت في تحقيق أرباح.
ويضيف أن الناس يقايضون الملابس الرخيصة وكذلك القطع الفاخرة وحقائب برادا وأحذية لوبوتان. كما ينظم متطوعون فعاليات أخرى خاصة لتبادل الملابس في كل أنحاء المدينة.
وذكر تقرير للبنك الدولي أن 40 في المئة من الملابس التي يشتريها الناس في بعض الدول لم تستخدم قط. وتقول ناديا كيشلان البالغة من العمر 30 عامًا والتي شاركت في إحدى الفعاليات “إنه تذكير بأن عليك أن تستهلكي بمسؤولية، لأنني عندما أتبرع بملابس يجب أن أسأل نفسي أولا إذا كنت سأرتديها”.
ولا شك أن معظم السلع الاستهلاكية تؤثر سلبا على البيئة، لكن صناعة الأزياء تسبب أضرارا بيئية عديدة بسبب الوتيرة المتسارعة التي تتغير بها الموضة من موسم لآخر، والتي تغري المستهلك على الشراء لمواكبتها.
وفي آسيا بشكل عام لا تحظى متاجر الملابس المستعملة بشعبية كبيرة لأن هناك اعتقادًا بأن هذه الملابس قد تجلب سوء الحظ أو أنها غير صحية.
لكن راي باديت يرى أن طريقة التفكير هذه آخذة في التغير، فقد ظهر عدد قليل من متاجر السلع المستعملة العصرية في سنغافورة على الشبكات الاجتماعية.
ويقول “لم تعد الملابس المستعملة تعتبر متسخة ويغطيها الغبار، لا بل صارت تحظى بشعبية”.