مقاربة نهضة العلماء تغير شكل الاستقطاب في إندونيسيا، بل وأبعد منها

التحدي الأولي الذي تواجهه إندونيسيا ونهضة العلماء يتمثل في ضمان دمج آسيان لنهجها في إطار عملها التشغيلي.
الاثنين 2023/08/14
استقطاب ممنهج

واشنطن - يرقى الدفع الإندونيسي لإعادة جنوب شرق آسيا إلى القيم المتجذرة في حضارة هندية قديمة إلى محاولة مبتكرة لإدارة الاستقطاب. وافتتحت إندونيسيا هذا الأسبوع حوار آسيان بين الثقافات والأديان، مستغلة رئاستها الدورية لرابطة دول جنوب شرق آسيا.

وافتتح الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو الحوار الذي حضره أعضاء حكومته والأمين العام لرابطة دول جنوب شرق آسيا كاو كيم هورن وقادة دينيون من جميع أنحاء المنطقة. وأبرز فيه دعمه لجدول أعمال نهضة العلماء التي تعدّ أكبر حركات المجتمع المدني المسلمة في العالم ومقرها إندونيسيا.

ونظمت نهضة العلماء بدعم من الحكومة هذا الحوار ومنتدى مجموعة أديان العشرين (آر 20) في نوفمبر الماضي، الذي كان قمة جمعت شخصيات دينية بارزة قبيل انعقاد اجتماع مجموعة العشرين في بالي بإندونيسيا. وجمع المنتدى قادة أكبر اقتصادات العالم.

جيمس دورسي: تأمين دعم آسيان لنهج حضاري قد تكون له نتائج ملموسة
جيمس دورسي: تأمين دعم آسيان لنهج حضاري قد تكون له نتائج ملموسة

وجعلت الحكومة الإندونيسية الدين والحوار بين الثقافات والأديان من أهم قضايا رئاستها لمجموعة العشرين ورابطة دول جنوب شرق آسيا.

وكان الإصلاح الديني جوهر منتدى مجموعة أديان العشرين. وركز على تعديل الشريعة، ومواجهة المظالم التاريخية، والاعتراف بالحقائق، وجعل التسامح أساسا لتحديد القيم الحضارية المشتركة.

وقال تيموثي صموئيل شو وهو من كبار المسؤولين التنفيذيين في مركز القيم الحضارية المشتركة، الذي أسسته نهضة العلماء في 2021 “نُقل هذا العمل إلى ما وراء نطاق الإسلام إلى الديانات الأخرى والعالم بأسره”.

وذكر أوليل أبشر عبدالله وهو من كبار مسؤولي نهضة العلماء، أن “هناك تحديات جدية للانسجام في تقاليدنا، ونحن بحاجة إلى مراجعتها لتحقيقه”.

وسعت نهضة العلماء لتكون مثالا يحتذى به من خلال فتوى صدرت سنة 2019 بدعم من 20 ألفا من علماء الإسلام تدعو إلى استبدال مفهوم الكافر في الشريعة بمفهوم المواطن الذي يتمتع بحقوق متساوية. واستغلت في فبراير مؤتمرا دوليا لعلماء المسلمين للدعوة إلى إلغاء مفهوم الخلافة في الشريعة، واستبداله بالدولة القومية.

ويشكّل حوار آسيان هذا الأسبوع امتدادا منطقيا لحملة نهضة العلماء التي دامت لما يقرب من عقد والداعية إلى الإصلاح الديني وإعادة تعريف الإسلام في القرن الحادي والعشرين. ويندرج ضمن جهود إندونيسيا الهادفة إلى ضمان موقعها كلاعب إقليمي وعالمي مؤثر.

وأشار ويدودو في ملاحظاته الافتتاحية إلى أن القلق من فقدان الدين لأهميته في أجزاء من العالم كان الدافع وراء الحوار. وقال إن “لشعوب رابطة دول جنوب شرق آسيا (…) روحا دينية متّسعة. ويبقى عدد المؤمنين في إندونيسيا، على سبيل المثال، الأعلى في العالم. ووفقا لمركز بيو للأبحاث، يرى 96 في المئة من المستجوبين في البلاد أن الإيمان بالله يحدد الأخلاق الحميدة”.

وأشار الرئيس الإندونيسي إلى أن المجتمع العالمي أصبح أقل تدينا. وذكر استطلاعا أجرته شركة إبسوس عن الدين في 2023 شمل 19731 شخصا من 26 دولة في العالم اعتبروا أنفسهم لادينيين أو ملحدين.

وجادل إعلان المؤتمر بأن المجال الهندي الممتد من جنوب آسيا إلى جنوبها الشرقي “يتكون من دول تشترك تقليديا في مجموعة مماثلة من القيم الحضارية المتجذرة بعمق داخل مجتمعاتها. وتعزز هذه القيم ثقافة التسامح والوئام مع الحد من الصراع بين المجموعات”.

هه

وأكد الإعلان أنه “من المهم أن تتعاون الدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا لتنشيط العقلية الحضارية أو النظرة العالمية، والتي كانت لفترة طويلة سمة من سمات جنوب شرق آسيا قبل العصر الحديث. وتتميز هذه العقلية الحضارية بالاستعداد لقبول الاختلافات مع الحفاظ على الانسجام وتعزيزه بين عناصر المجتمع المتنوعة”.

وعلى الرغم من عدم الإشارة إليه صراحة في الإعلان، يتجذّر الحوار في ما يصفه مركز القيم الحضارية المشتركة بأنه نهج أشوكا.

ويهدف هذا النهج إلى إنشاء “دعامة بديلة لدعم نظام دولي قائم على قواعد احترام الحقوق والكرامة المتساوية لكل إنسان” من خلال “إعادة إيقاظ التراث الروحي والثقافي والاجتماعي والسياسي القديم، حيث كان المجال الثقافي الهندي منطقة حضارية رائدة قبل الغرب بفترة طويلة، في المفاهيم والممارسات الرئيسية للتعددية الدينية والتسامح”.

إشارة بيان المؤتمر إلى الديمقراطية تبقى مهمة، حيث أن نصف الدول الأعضاء في آسيان فقط تعتبر ديمقراطية وقد لا تتفق هذه المجموعة نفسها على تعريفها

ونبذ الإمبراطور أشوكا الهندي البوذي الغزو المسلح بعد سنوات من الحرب الدموية. ودعم التعاطف والحوار المكثف بين الأطياف المتنوعة والتسامح بين الأديان والتفاهم المتبادل واحترام كرامة الآخرين. وعزز وجهة نظر هندية حضارية للعالم في جميع أنحاء جنوب آسيا وجنوبها الشرقي.

وتأمل إندونيسيا ونهضة العلماء أن تتبنى رابطة آسيان مفهوم الحوار بين الأديان والثقافات خلال سلسلة من الاجتماعات في سبتمبر. ويشير المحلل السياسي جيمس دورسي إلى أن التحدي الأولي الذي تواجهه إندونيسيا ونهضة العلماء يتمثل في ضمان دمج آسيان لنهجها في إطار عملها التشغيلي من خلال إقامة الحوار كحدث سنوي متكرر لرابطة دول جنوب شرق آسيا.

ويوضح أنه على نقيض الصراع الذي نشأ نتيجة للجهود المبذولة لدمج قمة الأديان في قمة مجموعة العشرين الشهر المقبل في دلهي، قد تكون لتأمين دعم آسيان لنهج حضاري نتائج سهلة. لكن التحدي الحقيقي يكمن في الانتقال من التصريحات إلى الإجراءات. وسيتطلب ذلك التوصل إلى توافق في الآراء بشأن تعريف مصطلحات مثل التسامح والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. وهي أمور تختلف فيها الدول وجماعات المجتمع المدني.

وتبقى إشارة بيان المؤتمر إلى الديمقراطية مهمة، حيث أن نصف الدول الأعضاء في آسيان فقط تعتبر ديمقراطية وقد لا تتفق هذه المجموعة نفسها على تعريفها. وطرح المؤتمر عدة اقتراحات لخطوات ملموسة يمكن أن تتخذها آسيان، بما في ذلك تعزيز الاتصال بين الشعوب، وتعزيز دور المرأة، وتشجيع مشاركة الشباب في الحوارات، ودمج المبادئ الأساسية في المناهج التعليمية. وتعدّ الاقتراحات وسيلة للتحضير للعملية الصعبة والطويلة اللازمة لتحويل نهج مبتكر إلى واقع حيّ.

7