مفتاح النجاح لماكرون في الصين

الخوف الأوروبي يفسّر الموقف الألماني الذي فاجأ الرئيس الروسي، خصوصا بعدما قررت ألمانيا إرسال مساعدات عسكريّة إلى الجيش الأوكراني وتخصيص مئة مليار يورو لإعادة بناء جيشها وتطويره.
الجمعة 2023/04/07
مهمة صعبة لماكرون في الصين

أي موقع لفرنسا في هذا العالم المليء بالتعقيدات؟ ذهب الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الصين كي يؤكّد أنّ في استطاعة بلده لعب دور في التأثير على الرئيس الصيني شي جينبينغ الذي زار موسكو أخيرا والتقى بالرئيس فلاديمير بوتين الباحث عن دعم في حربه على أوكرانيا.

تريد الصين، إضافة إلى استغلال الوضع الصعب الذي تعاني منه روسيا، لعب دور الوسيط في أوكرانيا. أمّا في ما يتعلّق بالوضع الصعب لروسيا نفسها، فكانت زيارة شي مناسبة كي تشتري الصين النفط والغاز الروسيين ومواد أوليّة في حاجة إليها بحسومات كبيرة.

ليس معروفا بعد هل حظ ماكرون مع شي جينبينغ سيكون أفضل من حظّه مع فلاديمير بوتين الذي ارتكب سلسلة من الأخطاء القاتلة أوصلته إلى شن حرب على أوكرانيا وشعبها. كان الرئيس الفرنسي بين أوائل الذين زاروا الكرملين مباشرة بعد بدء الحملة العسكريّة الروسيّة في 24 شباط – فبراير 2022. لم ينجح في إقناع بوتين بالتراجع. على العكس من ذلك، أظهر الرئيس الروسي عنجهية ليس بعدها عنجهية مع ماكرون. أجلسه عند طرف طاولة كبيرة على بعد ما يزيد على عشرة أمتار منه. سيتوجب على الرئيس الفرنسي خلال وجوده في الصين إقناع رئيسها بعدم تسليح روسيا كي تستمرّ في حرب لا طائل منها، خصوصا بعد تحولها إلى حرب أوروبيّة – روسيّة.

النيات الطيبة لن تكفي كي يلقى إيمانويل ماكرون آذانا صاغية في الصين التي لديها حسابات خاصة تريد تصفيتها مع أميركا. سيحتاج الرئيس الفرنسي إلى إثبات أنّ لفرنسا دورا في العالم

سيكون مفتاح نجاح الرئيس الفرنسي امتناع الصين عن تزويد روسيا بأسلحة. يستطيع ماكرون القول لتشي جينبينغ أنّ بوتين نسي، في ما يبدو، أنّه في القرن الحادي والعشرين وأنّ ليس في استطاعته أن يكون ستالين آخر. لا يستطيع حتّى أن يكون ليونيد بريجنيف آخر، بريجنيف الذي قضى بالدبابات على “ربيع براغ” في العام 1968. تعامل بريجنيف في بداية ثمانينات القرن الماضي، عن طريق انقلاب عسكري داخلي نفّذه الجنرال البولندي ياروزلسكي مع محاولات شعب بولندا للخروج من تحت نير الاحتلال السوفياتي. أرادت بولندا، وقتذاك، التخلّص من تحولها ضحيّة من مخلفات الحرب العالميّة الثانية التي قسمت أوروبا بين الغرب من جهة والنفوذ السوفياتي من جهة أخرى.

يستطيع الرئيس الفرنسي، أيضا، أن يقول لشي جينبينغ أنّ فلاديمير بوتين أيقظ أوروبا على كوابيس كانت تظنّ أنّها صارت من الماضي، بل دفنت في مكان عميق لا تستطيع الخروج منه. يتجاوز ما فعله الرئيس الروسي كلّ منطق ويتجاوز خصوصا كلّ ما له علاقة بالقيم الحضاريّة والقانون في عالم الذي يبدو واضحا أنّه لم يدرك خطورة السلوك الروسي إلّا بعد بلوغه أوروبا.

أكثر من ذلك، ليس تصرّف فلاديمير بوتين تجاه أوكرانيا سوى تعبير صادق عن هذا الانفلات الذي لا علاقة له من قريب أو بعيد بالقانون الدولي واحترام سيادة الدول وميثاق حقوق الإنسان. هل الصين مستعدة للسير في هذا الخط التصعيدي الذي جعل كلّ دولة أوروبيّة تشعر بأنّها مهددة في الصميم. ماذا تستطيع دول البلطيق (ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا) الضعيفة عسكريا والتي كانت جمهوريات سوفياتية عمله في حال نجح فلاديمير بوتين في أوكرانيا؟

هذا الخوف الأوروبي يفسّر الموقف الألماني الذي فاجأ الرئيس الروسي، خصوصا بعدما قررت ألمانيا إرسال مساعدات عسكريّة إلى الجيش الأوكراني وتخصيص مئة مليار يورو لإعادة بناء جيشها وتطويره. ليس الموقف الألماني الوحيد الذي يفترض التوقف عنده. خرجت سويسرا عن حيادها وقررت المشاركة في فرض عقوبات ذات طابع مصرفي على أتباع بوتين. من كان يتصوّر يوما أن سويسرا يمكن أن تتغيّر؟ من يتصوّر في الوقت الحاضر أنّ بولندا سترسل إلى أوكرانيا كلّ ما لديها من طائرات “ميغ – 29″؟ هذا وعد أعطاه الرئيس البولندي للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي زار وارسو في الوقت الذي بدأ ماكرون زيارته للصين؟

جاء الرئيس الفرنسي إلى الصين في الوقت الذي تعيش فيه أوروبا كلّ الهواجس التي هيمنت إبان الحرب العالميّة الثانية والسنوات التي سبقتها والتي شهدت صعود نجم رجل مريض اسمه أدولف هتلر. هل تمتلك الصين قليل القليل من العاطفة الإنسانيّة كي تستوعب أنّ أيّ أوروبي يستمع إلى فلاديمير بوتين يتحدث بالطريقة التي يتحدث بها عن أوكرانيا وعن أمجاد الاتحاد السوفياتي يضع يده على قلبه.

هه

ردّد ماكرون لدى استقباله أفراد الجالية الفرنسيّة في بيجين قبل لقاء الرئيس الصيني ما صدر عن جنس ستولتنبرغ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي عن أنّ تسليح الصين لروسيا سيكون “خطأ تاريخيا”، لكن هل ماكرون الشخص المناسب لإقناع الرئيس الصيني باعتماد لغة المنطق في تعاطيه مع روسيا؟

الثابت من تجارب السنوات القليلة الماضية أنّ الدور الفرنسي تراجع كثيرا على غير صعيد، بما في ذلك أوروبا نفسها ومناطق أخرى من العالم. يكفي للتأكّد من ذلك وضع فرنسا في لبنان حيث فقدت الكثير من مكانتها، خصوصا بعد تبنيها ترشيح سليمان فرنجيّة لرئاسة الجمهوريّة. يكفي أيضا إلقاء نظرة إلى كل تلك المبادرات التي قام بها ماكرون منذ تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب – أغسطس 2020. لم تنفذ كلمة مما وعد به الرئيس الفرنسي في لبنان.

لا شكّ أنه سيكفي الصين، قبل أن تستمع إلى نصائح ماكرون، إلقاء نظرة إلى ما آلت إليه السياسة الفرنسيّة في أفريقيا. لم يعد مرحبا بفرنسا في دول كانت إلى ما قبل فترة قصيرة تدور في فلكها، دول مثل بوركينا فاسو ومالي والنيجر. فوق ذلك كلّه، عمل ماكرون كلّ ما يمكن عمله لاستعداء المغرب، لا لشيء سوى بسبب النجاحات التي حقّقها الملك محمّد السادس في تكريس الوحدة الترابيّة للمملكة وتكريس دورها الأفريقي.

لن تكفي النيات الطيبة كي يلقى ماكرون آذانا صاغية في الصين، التي لديها حسابات خاصة تريد تصفيتها مع أميركا. سيحتاج الرئيس الفرنسي، من أجل أن ينجح، إلى إثبات أنّ لفرنسا دورا في العالم وأنّ سياستها الخارجية قادرة على تحقيق نجاح ما في أي مكان على الكرة الأرضيّة.

8