مفاعيل ميدانية للاتفاق النووي قد تبتلع العرب

الخميس 2015/07/16

تحتفل إيران الرسمية والشعبية بإنجاز فريقها التفاوضي للاتفاق النووي مع مجموعة الستة زائد واحد، استهل الاحتفال بتغريدات أطلقها حسن روحاني عبر موقع تويتر، عبّر فيها عن غبطته بانتهاء الأزمات “غير الضرورية” مع الغرب على حد وصفه. فها هو تاريخ طويل من الممانعة الإيرانية للشيطان الأكبر قد طويت صفحاته، وكأنه عمر ضائع في افتعال أزمات غير مجدية كما أوحت تصريحات الرئيس الإيراني.

ليس كذبا ما كانت تقوله طهران، عن عدم رغبتها في امتلاك القنبلة النووية، وهي تعي أن امتلاكها يعني مصير كوريا شماليا، وهي ترنو لتوسع إقليمي في منطقة تفرض عقدها الجيوستراتيجية على الطامحين في الهيمنة عليها، تكاليف اقتصادية كبيرة، وعلاقات دولية متميزة مع مراكز الهيمنة في العالم.

المكاسب التي حققتها إيران جراء توقيع الاتفاق النووي، ستعزز من حظوتها الإقليمية، وهي التي استطاعت رغم العقوبات الدولية، فرض نفسها كلاعب إقليمي أساسي في المنطقة، عبر أدواتها الناعمة، المتمثلة في القوى العقائدية التي تتحرك وفق إشارات فقيهها في العراق ولبنان وسوريا واليمن.

قوة إيران الناعمة ستتصلب في قادم الأيام، بعد دخول الاتفاق النووي حيز التطبيق، حيث ستُرفع العقوبات الاقتصادية عنها، ويُفرج عن مئات المليارات من أرصدتها المجمدة في المصارف الغربية، وسيُتاح لها فتح أبواب الاستثمار العالمي في حقولها النفطية والغازية، وما سيعزز من قدراتها المالية، وسيجعلها من الدول الإقليمية الأعلى دخلا مقارنة بجاراتها، احتلالها مقعدا في النادي النووي الدولي، كدولة مصدرة للوقود النووي السلمي “اليورانيوم غير المخصب”.

خلا الاتفاق النووي من أي حديث عن أذرع الشر التي تمدها الدولة التي صنفتها واشنطن يوما ضمن دول محور الشر العالمي، حيث بدا النفوذ الإيراني الإقليمي، وكأنه ليس من مؤرقات إدارة باراك أوباما، ولم يأخذ الاتفاق النووي بعين الحسبان الهواجس العربية لدول مجلس التعاون الخليجي، جراء تمدد النفوذ الإيراني، الذي بات يشكل تهديدا حقيقيا لها، وللمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، والتي اندفعت من أجل حماية أمنها القومي، لشن عمليات عسكرية غير مسبوقة في اليمن لدرء الخطر الحوثي ذي الولاء المطلق لإيران عن حدودها الجنوبية. حيث اكتفى الرئيس الأميركي بإعادة طمأنة دول الخليج على أمنها بتأكيده مجددا على التزام بلاده بحماية أمن الخليج ضد أي اعتداء من أي جهة كانت.

القوة الميليشياوية الإيرانية المنتشرة في دول الإقليم، وقد باتت اليوم معززة بآفاق القوة الاقتصادية المرتقبة لإيران بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قد تحظى بالمزيد من الشرعنة الدولية والتعاون العسكري معها في ميادين الحرب على الإرهاب، في مناخ إقليمي ودولي يستشعر تعاظماً لخطر تنظيم داعش، الذي عزز من مواقع قوته في سوريا والعراق.

فلم يعد هناك وجود لأي حاجز، يحول دون تقديم الولايات المتحدة الأميركية لكافة أشكال الإسناد العسكري لأذرع إيران التي تخوض حربها ضد تنظيم داعش في الأنبار العراقية، على سبيل المثال، حيث تشهد اليوم عمليات عسكرية من أجل استعادتها من قبضة التنظيم المتطرف. الأمر الذي سيفتح المجال لكسر الاستعصاء العسكري في الحرب على الإرهاب على الساحة العراقية، والذي فرضته سابقا التجاذبات الأميركية الإيرانية على طاولة المفاوضات. حسن روحاني كان واضحا بالقول عقب الاتفاق، بأن على العالم التفرغ من أجل التعاون لمواجهة المخاطر التي تواجهه، في إشارة واضحة لتعاون ميداني في الحرب ضد تنظيم داعش.

المفاعيل الميدانية للاتفاق النووي ستبدو أكثر وضوحا على الساحة العراقية حيث تُعتبر الميدان الرئيسي للحرب على الإرهاب إلى جانب الساحة السورية، وكلا الساحتين تشهدان نفوذا إيرانيا قويا.

هنا تطرح تساؤلات عن مصير المصالح العربية، والتي باتت الغائب الأبرز عن مفرزات الاتفاق النووي الإيراني الغربي، والتي باتت اليوم الأكثر تهديدا بعد اعتراف الغرب بإيران كشريك دولي كامل الحقوق، وكعضو مرحب به في النادي الدولي للحرب على الإرهاب كما في النادي النووي السلمي.

الواقع الإقليمي والدولي بعد الاتفاق النووي، ومجريات الواقع يميلان إلى تعزيز فرص الجانب الإيراني لدعم مكاسبه الإقليمية، لتزداد التحديات أمام دول مجلس التعاون الخليجي، وبالأخص المملكة العربية السعودية، حيث غُيّبت اعتباراتها الإستراتيجية عن بنود الاتفاق، الأمر الذي يدعوها إما إلى الارتضاء بوعود الحماية الأميركية، والإذعان للأمر الواقع الجديد، أو المشاركة بفعالية في صنع الواقع الميداني، وبتعزيز المشاركة مستقبلا في الحرب على الإرهاب، وملء الفراغ على الساحات العربية بإستراتيجية تحفظ الأمن القومي العربي.

كاتب عراقي

9