مفاعيل الإجراءات الخليجية بحق لبنان

السبت 2016/02/27

يستطيع حزب الله أن يشن حربا كلامية حامية على السعوديين وعلى مملكتهم في سياساتها الخارجية كما في سياساتها الداخلية، بل ومن مصلحته أن يشن مثل هذه الحرب، وأن يشجع حلفاءه والتابعين على كيل الشتائم والاتهامات ومن على مختلف المنابر للسعوديين أفرادا وأسرة حاكمة ومواطنين.

ويستطيع باقي مكونات الائتلاف المافيوي المسيطر، الغاصب للسلطة، في لبنان التغاضي عن هذه الحرب، أو الرد عليها بمثلها، لا فرق، طالما أنه لا تهديد لسيطرتهم وأن مصالحهم مؤمنة وأن ما يصب في حساباتهم، سواء مباشرة من أسيادهم الخارجيين، أم من خلال عمليات الفساد المتمادية داخليا تبقى خارج احتمالات المحاسبة.

هذه مصلحة حيوية ليس فقط لحزب الله، بل لمختلف القوى المافيوية الغاصبة للسلطة وللتمثيل الفئوي طائفيا ومذهبيا في لبنان طالما خدمت تعميق الاصطفافات الطائفية والمذهبية في مجتمع لو توحد مضطهدوه لما تمكنت تلك القوى من طمر مدنه وقراه بالنفايات، بل لما استمرت أياما معدودات خارج السجون.

لقد تمادى حزب الله وحلفاؤه والتابعون في حربهم الكلامية ضد السعوديين إلى درجة تجاوزت حدود المتوقع والمعتاد على مدى سنوات خلت، ما دفع السلطات السعودية والخليجية إلى اتخاذ إجراءات اعتبرتها رادعة بحق السلطات اللبنانية التي لم تكن، برأيهم، في مستوى العلاقات التاريخية التي بين لبنان وتلك الدول، فلم تجرؤ على التصدي لهذا الحزب ولا استطاعت رسم سياستها الخارجية بمنآى عن إرادته.

هذه الإجراءات طالت بشكل خاص الهبة السعودية للجيش وقوى الأمن اللبنانيين، كما الودائع والأفرع البنكية السعودية في لبنان، فيما تعرض للتهديد بالطرد كل من ينتمي إلى ما يعتبر البيئة الحاضنة لحزب الله من عاملين لبنانيين في الخليج.

وإذا أردنا مقاربة نتائج هذه الإجراءات ومردودها الحقيقي لا بد من التذكير بطبيعة النظام المسيطر في لبنان، وبالتالي طبيعة القوى المؤتلفة في السلطة.

هذا النظام الذي تشكل من قوى ميليشيات الحرب الأهلية التي تحولت في السلطة إلى مافيات سلطوية في ظل وصاية النظام الأسدي على مدى خمسة عشر عاما، بالتحالف مع مافيا الريع المالي، يستمد وجوده بالأساس، كما استمراريته، من التبعيات الخارجية المتعددة لقواه المسيطرة. فكل منها مرتبط بمركز هيمنة إقليمي أو دولي يتبادل معه منافع السيطرة المحلية سياسيا وماديا، وبالاستقلال التام عن أجهزة ومؤسسات الدولة، بحيث بات لكل من تلك القوى علاقاته الخارجية الخاصة المستقلة عن سلطة المؤسسات الدستورية والرقابية، بما في ذلك التمويل والتسليح والتوجه السياسي والدور الإقليمي. ولكن حزب الله، من بين تلك القوى، يبقى هو الجهة الأكثر ارتباطا وبشكل مؤسسي، إدارة وتوجيها وتسلحا بالعتاد والأيديولوجيا من باقي القوى المسيطرة المرتهنة بالنفوذ والدعم السياسي والمالي. هذه الحقيقة التي يجب أن نراها كي يصبح بإمكاننا تقييم نتائج الإجراءات الخليجية التي وُوجهت بها مؤسسة الدولة اللبنانية مؤخرا ردا على حرب حزب الله المنوه عنها أعلاه.

فوقف المساعدات المالية لمؤسسات الدولة هو ممارسة الضغط على الحكومة لاتخاذ إجراءات قد لا تتمكن منها بسبب وجود حزب الله وحلفائه بقوة في الحكومة وفي البرلمان، وبالتالي فأقصى ما يمكن أن يحصل، وقد حصل في جلسة استثنائية مطولة للحكومة، تسويات في هذا الموضوع على طريقة تدوير الزوايا التي ابتكرها رئيس البرلمان نبيه بري.

ولكن الحقيقة التي يعرفها الجميع والتي تؤكد أن حزب الله سار، ويسير، في سياساته الداخلية باتجاه تعطيل وشل مؤسسات الدولة، بدءا من تعطيل انتخابات الرئاسة لمدة قاربت السنتين، ومرورا بتعطيل إجراء انتخابات برلمانية وبالتالي التمديد مرتين لمجلس النواب وشل عمله في التشريع والمراقبة والمحاسبة، وصولا إلى تعطيل عمل الحكومة، وهو شريك فيها، ليتمكن من تنفيذ أجنداته الإيرانية داخليا وخصوصا في المنطقة، دون أن يزعجه أحد في مساءلة أو مطالبة أو محاسبة، هو المستفيد الأبرز من الإجراء المتعلق بوقف أو تجميد أو إلغاء المنحة المالية المخصصة لمؤسستيْ الجيش والقوى الأمنية، لأن إضعاف هاتين المؤسستين يصب بالأساس في طاحونة حزب الله الذي طالما تذرع بذلك لتبرير سياساته الأمنية والتسليحية. فهل يريد السعوديون تقديم ذلك لحزب الله على طبق من فضة؟

أما الإجراء الثاني الذي بادرت إليه السعودية، وقد تتمادى فيه دول الخليج والذي يتمثل بطرد العديد من اللبنانيين العاملين هناك بناء على انتمائهم المذهبي، فهذا أيضا خطأ فادح، إذا اعتبر سلاحا في وجه حزب الله. والادعاء أن هؤلاء يمولون حزب الله لا يستقيم لأن أمرا كهذا لا ينبغي أن يأتي كرد فعل على سلوك بعينه أو واقعة بعينها، كالموقف الذي جر لبنانَ إليه وزيرُ خارجيته جبران باسيل في الآونة الأخيرة بخصوص ما جرى للبعثات الدبلوماسية السعودية في إيران، الوزير الذي ينتمي لكتلة حليفة لحزب الله، بل كان يفترض بهذه الدول أن تمارسه عفوا بناء على معطيات مادية وقرارات قضائية واضحة وشفافة.

وفي الحالة المنوّه عنها أعلاه فإن طرد أعداد متزايدة من المواطنين اللبنانيين العاملين في الخليج سيستفيد منه حزب الله بشكل كبير لجهة اعتبار حزب الله ممثلا حقيقيا لهؤلاء المواطنين من خلال احتسابهم عليه، وبالتالي دفعهم دفعا ليكونوا فعلا في صف حزب الله. وهنا، فإن حزب الله سيحتضنهم وسيؤمن، ربما، لهم عملا في قواته. هل تريدون لحزب الله أن يحشد المزيد من العناصر في سوريا أو يهدد بهم الآخرين في الساحة اللبنانية نفسها؟

وبالإضافة إلى خطورة دفع الساحة اللبنانية إلى مزيد من التأزيم ووضعها على شفى حرب أهلية حامية، وانعكاسات ذلك على المنطقة في ظل تواجد أكثر من مليون لاجئ سوري وأكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني، أعتقد أن على القيمين على سياسات المنطقة، المنشغلين في أكثر من ساحة، أن يعوا بدقة المخاطر الناجمة عن سياساتهم اللبنانية، والتي أعتقد جازما أنهم يعرفون تماما زواريبها ومخاطرها وتقاطعات واصطفافات وارتباطات القوى المسيطرة على ساحاتها.

كاتب لبناني

9