معضلة الذكاء الاصطناعي: منقذ أخضر أم مجرم كربوني

لندن - يطرح الذكاء الاصطناعي معضلة على صناعة الطاقة المتجددة، حيث سيتطلب تحقيق أهداف إزالة الكربون في الوقت المناسب لتجنب أسوأ آثار لتغير المناخ، تنسيقا غير مسبوق بين القطاعات الاقتصادية في وقت قياسي، وهو أمر يكاد يكون مستحيلا دون التعلم الآلي. وتتسع بصمة الذكاء الاصطناعي الكربونية الهائلة بالفعل مع تطوره، مما يثير تساؤلات عما إذا كان استخدامه في حركة إزالة الكربون أمرا ضروريا أو أنه سيؤدي إلى نتائج عكسية.
وسيتطلب التحول العالمي إلى الطاقة الخضراء نطاقا وسرعة في تحول الأنظمة بنسق لم يُسجّل في التاريخ. وستعتمد هذه العملية على قوة حوسبة ضخمة ومعقدة ودقيقة، أي الذكاء الاصطناعي الذي يلعب في جميع أنحاء العالم دورا رئيسيا في التنبؤ بالطاقة المتجددة والشبكات الذكية وتنسيق الطلب على الطاقة وتوزيعها وزيادة كفاءة إنتاج الطاقة، والبحث عن مواد جديدة وتطويرها. وليست هذه سوى البداية.
وسيشهد دور الذكاء الاصطناعي في صناعة الطاقة قريبا تزايدا بفضل القطاع سريع التغير، وحجم التحول والاستثمارات اللازمة لتحقيق ذلك، ونظام التوزيع الشبكي واللاشبكي المعقد. وتقول الكاتبة في موقع أويل برايس هالي زارمبا “سيكون الذكاء الاصطناعي لذلك جزءا أساسيا في ضمان أقصى قدر من الكفاءة في مبادرات إزالة الكربون".
وسيتطلب الوصول إلى صافي انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في قطاع الطاقة وحده استثمارات في البنية التحتية تتراوح تكلفتها بين 92 تريليون دولار و173 تريليون دولار بحلول 2050، وفقا لتقديرات بلومبرغ. ويلعب الذكاء الاصطناعي دورا هائلا، حيث يمكن أن تقتصد الصناعة تريليونات من القيمة والمدخرات حتى من المكاسب الصغيرة في المرونة أو الكفاءة أو القدرة في مجال الطاقة النظيفة والصناعة منخفضة الكربون.
لكن المفارقة هي أن كل هذا سيتطلب كميات هائلة من الطاقة الحاسوبية، مما يعني استهلاكا كبيرا للطاقة. وتكاد تكون بصمة الذكاء الاصطناعي الكربونية كبيرة مثل تلك التي سجّلها البيتكوين، أي ما يعادل بصمة الدول المتقدمة. وأفاد موقع ساينس ألرت مؤخرا بأن "صناعة تكنولوجيا المعلومات بأكملها مسؤولة حاليا عن حوالي 2 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية”. وتتوقع شركة غارتنر الاستشارية أن يستهلك قطاع الذكاء الاصطناعي وحده 3.5 في المئة من الكهرباء العالمية بحلول 2030.
وقالت ساشا لوتشيوني، وهي باحثة الأخلاقيات في منصة التعلم الآلي مفتوحة المصدر هاغينغ فيس، لصحيفة الغارديان “يجب عليك أيضا التفكير في البصمة البيئية إذا كنت تريد إنقاذ الكوكب باستخدام الذكاء الاصطناعي. ليس من المنطقي حرق غابة ثم استخدام الذكاء الاصطناعي لتتبع إزالة الغابات".
وتشير التقديرات إلى أن تدريب جي.بي.تي – 3، وهو سلف روبوت تشات جي.بي.تي الحالي، تطلب ما يقرب من 1287 ميجاوات في الساعة من الكهرباء و10 آلاف شريحة كمبيوتر، وهذا يكفي لتغذية حوالي 121 منزلا في الولايات المتحدة بالكهرباء لمدة سنة كاملة.
وكانت هذه طاقة كافية لإنتاج حوالي 550 طنا من ثاني أكسيد الكربون. وتشير التقديرات إلى أن شركة أوبن أي.آي، مبتكرة تشات جي.بي.تي، تنفق حوالي 700 ألف دولار يوميا على تكاليف الحوسبة وحدها لتشغيل خدمة الروبوت لمستخدميها البالغ عددهم 100 مليون مستخدم حول العالم.
◙ بصمة الذكاء الاصطناعي الكربونية تتسع مع تطوره مما يثير تساؤلات عما إذا كان استخدامه في حركة إزالة الكربون أمرا ضروريا أو أنه سيؤدي إلى نتائج عكسية
باختصار، علينا أن نكون حذرين في استخدام الذكاء الاصطناعي للتأكد من أن فوائده تتجاوز أضراره. وتحدثنا هنا فقط عن آثاره البيئية، دون التطرق إلى المسائل الأخلاقية والمعنوية الأخرى. ويكمن الاعتبار الرئيسي الأول عند تحديد كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي أو ما إذا كان سيُعتمد لدعم خطط الطاقة المتجددة، في تحديد ما إذا كان ضروريا تماما. ويمكن أن يبدو استخدام الذكاء الاصطناعي في الكثير من الأحيان أكثر فائدة مما هو عليه.
ويمكن للمهندسين النظر في ما إذا كان مصدر الطاقة المستخدمة في التدريب نضيفا، وما إذا كانت الخطط مصممة لتحقيق أقصى قدر من الطاقة بكفاءة، وحساب الانبعاثات المضمنة والنظر فيها.
وذكرت أويل برايس في وقت سابق من هذا العام أنه إذا نجح تحسين الذكاء الاصطناعي ليحقق أقصى قدر من الكفاءة في استخدام الطاقة وأمكن تدريبه باستخدام مصادر الطاقة النظيفة، فسيكون انتقال الطاقة سلسا. لكن هذا غير مؤكّد، وخاصة لقلة خبرة الذكاء الاصطناعي الذي يعتبر جديدا. كما لا يلقى التعلم الآلي فهم العديد من صانعي القرار في القطاع الخاص الذين سيقررون ما إذا سيستخدمونه، وصانعي السياسات في القطاع العام الذين يجب عليهم تنظيم استخدامه أخلاقيا.