معركة "جاسم" أنقذت مقاتلي المعارضة السورية وقضت على خليفة داعش

قادت الضغوط التي مارسها النظام السوري على المجموعات المسلحة جنوب سوريا إلى تحقيقهم نصرا عسكريا ومعنويا بالقضاء على زعيم داعش وقيادات مهمة في التنظيم.
كشف مقتل زعيم داعش الثالث أبوالحسن الهاشمي القرشي قبل أيام عن العديد من أوجه الصراع على النفوذ في الجنوب السوري، حيث حافظت العملية على حضور فصائل المعارضة المسلحة التي تجمعها بالنظام السوري تفاهمات وتسوية سياسية هشة.
وحرم إقدام الفصائل المعارضة المتمركزة في الجنوب السوري على قتل خليفة داعش الغامض ومجموعة عسكرية مقربة منه دمشق من استثمار انتشار خلايا داعش في درعا وغيرها من مناطق الجنوب واتخاذها ذريعة لشن حملة شاملة لانتزاعها من يد المعارضة المسلحة.
وتسيطر قوات النظام السوري منذ عام 2018على محافظة درعا التي يتواجد بها معارضون أجروا اتفاقات تسوية معه واحتفظوا بأسلحتهم.
وخيّرت دمشق فصائل المعارضة المسلحة ووجهاء محافظة درعا بين مباشرة التصدي لخلايا وعناصر داعش أو مواجهة المنطقة لخطر التعرض لحملة أمنية موسعة من قبل قوات النظام تستهدف مدنًا ومناطق عدة في المحافظة، ولن تفرّق بين المسلحين المنتمين لداعش وغيرهم.
وتفتقر القوات الحكومية للآليات والمعلومات الإستخبارية التي تمكنها من تنفيذ هجمات وعمليات ناجحة ضد خلايا داعش بالمدن والأرياف البعيدة.
ولجأت عوضًا عن ذلك إلى فرض حصار على المناطق المقصودة وفتح ثغرات لمقاتلي تنظيم الدولة للهرب والانتقال إلى مناطق أبعد، كذلك ممارسة ضغوط على السكان المحليين ومسلحي المعارضة السابقين لمباشرة مواجهة عناصر وخلايا داعش بأنفسهم.
المعركة الأخيرة أنقذت مدينة جاسم من مواجهة شاملة مع قوات النظام كان يمكن أن تؤدي لتدميرها
وتشكلت مجموعة للمسلحين المنتمين للتنظيم الإرهابي وتبين أنها تضم أبوالحسن القرشي وقرابة مئة مسلح عقب العمليات العسكرية التي قادت إلى اتفاق خرج مقاتلو التنظيم بمقتضاه إلى بادية السويداء.
وقصد النظام السوري حينها ترك ثغرات استطاع مقاتلو التنظيم الهروب منها باتجاه الريف الغربي لمحافظة درعا، وتمكن العشرات منهم من البقاء مستفيدين من انتماءاتهم لعشائر ذات تأثير في درعا.
وخلال الأشهر الماضية تمركز مقاتلو التنظيم في مدينة جاسم شمالي محافظة درعا، وأنفق قادة المجموعة وفي مقدمتهم خليفة داعش الثالث أبوالحسن القرشي أموالهم مقابل امتلاك مزارع ومنازل لضمان إقامة ممتدة ومستقرة لعناصر الخلية باستخدام هويات مزورة.
وأظهرت حالة الفلتان الأمني وتنفيذ مسلحي داعش لعمليات اغتيال في محافظة درعا طالت البعض من المدنيين والجنود الملتحقين بقوات النظام وقياديين سابقين في فصائل المعارضة المسلحة عجز النظام السوري عن السيطرة على الأوضاع الأمنية في منطقة تحدّث سابقا عن بسط هيمنته عليها منذ يوليو 2018.
وبعد الانتشار المفاجئ لخلايا وعناصر داعش في محافظة درعا مؤخرا، خاصة في شمالها بمدينة جاسم، لم يعد أمام فصائل المعارضة المسلحة ووجهاء العشائر فرصة لإنكار انتشار خلايا داعش بمناطقهم.
والمعركة الأخيرة التي دارت في مدينة جاسم شمال محافظة درعا بجنوب سوريا وقُتل خلالها خليفة داعش الثالث أظهرت النظام السوري عاجزًا عن التعامل مع خلايا داعش المتغلغلة في العمق.
وعزم تنظيم الدولة وفقًا لمعلومات مسربة من وجهاء مقربين من خلايا التنظيم، الإعلان عن إمارة تابعة له في الجنوب السوري ومقرها مدينة جاسم نهاية أكتوبر الماضي، غير أن الأجواء العامة لم تسعفه.
قادة الفصائل المعارضة شددوا على أن العملية نُفذت بجهد خالص لهم من دون مساعدة قوات النظام السوري
ومن خلال استغلال الصدى الإعلامي لقتل خليفة داعش الثالث الذي حدث صدفة في الاشتباك الأخير بمدينة جاسم كسبت فصائل المعارضة المسلحة جولة، حيث نسبت إلى نفسها إنجاز تصفية أخطر قيادات داعش.
وتخفف قادة فصائل المعارضة المسلحة بعد تمكنهم من قتل الخليفة ومجموعته من ضغوط النظام السوري الذي كان يتخذ من خلايا داعش مسوغًا للتهديد بشن حملات أمنية وعسكرية على عموم مناطق المعارضة في الجنوب السوري.
ودأب النظام بعد كل عملية تستهدف عناصر وقياديين لداعش من خلال جهود الفصائل المعارضة المسلحة بالجنوب على نسبة الإنجاز إلى نفسه ولو اقتصر دوره على حصار المنطقة المستهدفة والضغط على المكونات المحلية للتصدي على الأرض لخلايا التنظيم، ولذلك يحرص المسلحون المحليون على نفي فرضية مشاركة قوات النظام في المعارك ضد داعش.
ولم تكن معركة مدينة جاسم الأولى التي يعقبها تنازع بين النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة على من يرجع له الفضل في تقويض داعش، ففي أغسطس الماضي قُتل القائد العسكري لداعش في الجنوب السوري أبوسالم العراقي على يد مقاتلين محليين بعد محاصرة منزله في بلدة عدوان بريف درعا الغربي.
وسارعت العناصر المسلحة التي شاركت في قتله إلى نفي ما أعلنته دمشق عبر وسائل إعلام محلية بشأن قيام قواتها بقتله، وأن النظام لم يكن له وجود على صعيد الجيش أو القوات الأمنية في أثناء نصب الكمين للقيادي العسكري الداعشي.
وشدد قادة الفصائل المسلحة بعد العملية الأخيرة التي قتلوا خلالها خليفة داعش المجهول أبوالحسن القرشي بمحض الصدفة على أن العملية نُفّذت بجهد خالص لهم من دون مساعدة قوات النظام.
وبعد انتهاء المعركة أعلنت مجموعات محلية أنها تمكنت من قتل ما يقرب من 45 عنصرًا من داعش، بينهم 15 قياديًا بمؤازرة من اللواء الثامن التابع للأمن العسكري المدعوم من روسيا سابقًا.
وعزز رواية المقاتلين المحليين ما ذكرته القوات الأميركية بأنه لم يكن لها دور في عملية قتل خليفة داعش الثالث، علاوة على التفاصيل شبه المتطابقة بين رواية مقاتلي الفصائل وما ورد بالكلمة الصوتية التي أعلن خلالها المتحدث باسم داعش مقتل القرشي بعنوان “فليقتُلوا ويُقتلوا”.
وراقبت الفصائل المسلحة بمدينة جاسم تحركات داعش منذ فترة وما دفعها لخوض المعركة ضغوط النظام السوري، وتمادي عناصر داعش في ارتكاب جرائم قتل طالت العشرات من ضمنهم عدد من القياديين البارزين.

وأسهمت رغبة داعش في إعلان خلافة مصغرة بمدينة جاسم والتمهيد لها بافتتاح محكمة شرعية وتملّك أراض وعقارات في التعجيل بالمواجهة.
وهدف داعش من وراء تنفيذ هذا المخطط في الجنوب السوري إلى تخفيف الضغوط الواقعة عليه في الشمال وخلق مساحات وملاذات آمنة بديلة لقادته، ومحاولة ربط المنطقة المتصلة بالبادية السورية بحوض اليرموك لتأمين خط إمداد يربط درعا بمناطق نفوذ التنظيم شمال شرقي سوريا.
ولم يدر بخلد مقاتلي الفصائل المسلحة بجنوب سوريا أن معركتهم التي خاضوها منتصف أكتوبر الماضي يمكن أن تسفر عن قتل خليفة داعش ونحو خمسة عشر قياديًا وتسليم نساء وأطفال عناصر التنظيم إلى أهاليهم في القرى المجاورة.
وفوجئ الجميع بأن المعركة التي دارت في الجنوب السوري منتصف أكتوبر الماضي، وفقًا لاعترافات المتحدث باسم داعش، أسفرت عن قتل أخطر قيادات داعش وهو خليفته أبوالحسن القرشي.
ولم يعرف أحد هوية خليفة داعش الثالث إلا بعد مقتله، حيث تبين أنه هو ذاته المدعو عبدالرحمن العراقي والمعروف باسم سيف بغداد.
وأنقذت المعركة الأخيرة مدينة جاسم من مواجهة شاملة مع قوات النظام كان يمكن أن تؤدي لتدميرها، كما جرى لمناطق أخرى سابقا، وحمت المئات من المعارضين المسلحين المنتشرين بالمدينة بعد التهديد باقتحامها.
وخسر داعش خلال المعركة الأخيرة بالجنوب السوري أهم قادته في المعقل الذي يعده نقطة مركزية لخلافته حول العالم، ومنهم أبومجاهد برقا وأيهم الفيصل ورامي الصلخدي (صهر أبوالحسن القرشي) فضلًا عن الخليفة الثالث نفسه الملقب أيضًا بسيف بغداد وأبوعبد الرحمن العراقي.
وعكس حرص التنظيم على عدم الإعلان عن مقتل خليفته إلا بالتزامن مع الإعلان عن خليفة جديد وهو أبوالحسين القرشي خوف قادته الحاليين من أن يتسبب ما حدث في انفراط عقده وفي اشتعال الصراع على قيادته.
ولا يقلل ذلك من حجم الخسارة التي مُني بها تنظيم داعش في منطقة ظل يعدها لتكون ساحة مصغرة لإمارته، فإذا به يفقد فيها أخطر قادته وعلى رأسهم خليفته الذي لم يعد مجهولًا، حيث عرفه الجميع فور موته.