معركة "تقليم الأظافر" في تونس

اتحاد الشغل ليس مجرد شريك اجتماعي في تونس بل هو مؤسس للدولة وهو "حزب" اجتماعي مؤثر، لا يحكم بمفرده ولكنه شريك وقوة ضغط في صنع القرار السياسي، كما أنه معني بتحديد السياسات الوطنية.
الأحد 2019/01/27
اتحاد الشغل ليس مجرد شريك اجتماعي في تونس بل هو مؤسس للدولة

منحى جديد لأزمة النقابة والسلطة في تونس لم يعد محورها المطالب الاجتماعية والسياسات الاقتصادية فحسب، وإنما تمدّدت إلى سباق محموم لتحجيم النفوذ واختبار قوة قد يكون مؤثرا على مسار الانتخابات هذا العام.

كان أكثر ما تردد في خطاب الاتحاد العام التونسي للشغل في أزمته الأخيرة المرتبطة بالزيادات في الأجور، هو هدفه المعلن “لتقليم أظافر الحكومة”، ردا على خطابات سابقة مبطّنة من أروقة الحكومة تستهدف بدورها تقليم أظافر المنظمة النقابية. فمن سيكسب هذه المعركة؟

ثمة مساع من أجل رأب الصدع بين الجانبين، من أجل تلافي إضراب عام جديد هو الثالث في أشهر قليلة، قد يزيد من كلفة المتاعب الاقتصادية، والتوصل إلى حلول وسطى تنهي التعنّت وشد الحبل، بل إن هناك مقترحات بالذهاب إلى مبدأ التحكيم للفصل في الأزمة بدل وضع الدولة برمتها على مشارف الانهيار الذي لن يستثني أحدا، لا الغالب ولا مغلوب.

لكن مع ذلك هناك استنتاج بات شائعا اليوم هو أن الاتحاد وبخلاف دوره النقابي المدافع عن مطالب العمال، قد يكون فعليا معنيا بانتخابات 2019 كما ردّد ذلك أمينه العام نورالدين الطبوبي في أكثر من مناسبة، دون أن يفصح عن استراتيجية الاتحاد في ذلك. فهل سيقدم قائمات انتخابية أم سيدعم نقابيين مستقلين أم سيكون مهتما من موقعه كقوة ضغط وتوجيه.

في الواقع لا يتعلّق الأمر في تونس بالحديث عن وضع طبيعي لمنظمة نقابية نمطية ينحصر دورها في طلب الزيادات لأجور العمال وتحسين أوضاعهم الاجتماعية فحسب، وإنما بمؤسسة شريكة في بناء الدولة الوطنية منذ الاستقلال ولها تاريخ في مقارعة الاستعمار الفرنسي، وهي قدمت في ذلك دماء وأرواحا يتقدمها زعيم المنظمة نفسه فرحات حشاد الذي اغتيل على أيدي عصابات “اليد الحمراء” التابعة للاستخبارات الفرنسية.

على خلاف الكثير من الدول، فإن اتحاد الشغل ليس مجرد شريك اجتماعي في تونس بل هو مؤسس للدولة وهو “حزب” اجتماعي مؤثر، لا يحكم بمفرده ولكنه شريك وقوة ضغط في صنع القرار السياسي، كما أنه معني بتحديد السياسات الوطنية. وقد كان حتى عقود قريبة ممثلا بنقابيين في السلطة.

بالنسبة للانتقال السياسي، كان للاتحاد دور محوري أيضا في تنحية حكم “الترويكا” بعد الثورة في 2013 وتحجيم النفوذ المتصاعد للإسلاميين آنذاك في وقت لم تكن فيه قوة سياسية بديلة في البلاد قادرة على فرض التوازن بوجه الإسلاميين، كما يعود له الفضل في تجنيب البلاد حربا أهلية عبر مخرج الحوار الوطني. لهذا ليس من السهولة إزاء كل هذه الأدوار “تقليم أظافر” الاتحاد أو تحجيم دوره ونفوذه.

لكن السلطة لا تتسع لضدين وفلسفة الديمقراطية تقوم في جوهرها على دولة المؤسسات، وبالتالي هناك مخاوف مشروعة في تونس اليوم من انحراف مسار الانتقال السياسي إلى الفوضى وتداخل الأدوار، وربما كان هذا نتاجا منطقيا لضعف مؤسسات الدولة وعدم استقرار المؤسسات الدستورية  الجديدة بعد دستور 2014، وبعضها غير مكتمل حتى اليوم.

قد يقامر الاتحاد بقاعدته الشعبية وبإرادة منخرطيه الذين يتوزعون في الأصل بين تلوينات سياسية مختلفة، إذا ما قرر فعلا خوض غمار الانتخابات. وحتى مع فوز محتمل للاتحاد فإنه سيخاطر بخسارة جزء من ولاء عماله الذين لم يصوتوا له والذين سيضعون ولاءهم السياسي في المقدمة.

ثم هل سيستمر الاتحاد في موقع الجامع لكل العمال بعد الانتخابات في ظل تشتّت الولاءات؟ وهل سيوفق في الجمع بين دورين على طرفي نقيض بين السلطة والنقابة. ثم من سيفاوض من في الاستحقاقات الاجتماعية؟ سيكون هذا حتما أقصى تعبير لمعنى الفوضى السياسية والمؤسساتية في تونس إن تحول إلى واقع علاوة عن أنه قد يشكل محرقة للعمل النقابي نفسه.

4