معركة الخيول الجامحة

لا شيء في عالم الكرة عبر شتى أصقاع العالم يعادل التألق والبروز وتخطي كل العقبات للوصول إلى التاج الأبّي في منافسات مونديالية، لا شيء قد يساوي لذة الشرب من هذه الكأس الكونية، لا بطولة أخرى مهما بلغت قيمتها وعائداتها تعادل سحر ذلك اللقب العالمي.
هو كلام قليل عن بطولة كبيرة، هو مجرد تعريف قد لا ينصف أهمية الفوز بكأس العالم والتتويج على العرش في كرنفال كروي يشد كل الاهتمام وتسير على وقعه عقارب الساعة في كل أرجاء المعمورة.
اليوم وبحساب عقارب هذه الساعة بدأت شمس المونديال الروسي تتأهب للغروب والوداع الأخير، لم يعد يفصلنا عن موعد السحاب في تلك المباراة النهائية المرتقبة الأحد المقبل سوى بضعة أيام وساعات ودقائق، لم يعد يفصلنا عن هذا الموعد سوى ثلاث مباريات فحسب، حينها سيسدل الستار فيسعد العريس الجديد ويحتفل خليفة المنتخب الألماني على العرش المونديالي.
قبل الوصول إلى هذه المحطة النهائية لهذه المنافسات المجيدة، مازالت عقبة أخيرة للوصول إليها، مازالت هناك معركة المربع الذهبي، هي معركة يصح وصفها بأنها “حرب دق عظام” في مواجهتين مختلفتين على جبهتين، جبهة أولى ستدور خلالها “حرب ضروس” مساء اليوم بين المنتخب الفرنسي الذي يتوق لتكرار إنجاز عشرين سنة مضت، ونظيره المنتخب البلجيكي الذي غيّر من جلده وبات وحشا كاسرا يصيب كل منافسيه بلدغات “قاتلة”.
أما الجبهة الثانية فستدور منافساتها بعد 24 ساعة لتجمع بين منتخب إنكليزي يريد كسر عقدته التاريخية ويحصل على نجمة ثانية مونديالية ومنتخب كرواتي بدا في عز الشباب والتألق والقوة.
قطعا فإن نزال اليوم سيكون الأقوى والأكثر جلبا للاهتمام، عدة معطيات تؤكد ذلك، فهذه المباراة ستضع وجها لوجه بين منتخبين كانا قبل بداية المونديال ضمن قائمة المرشحين لنيل اللقب، فلم يخيبا التكهنات عكس عدة منتخبات أخرى، فضلا عن ذلك فإن المنتخبين الفرنسي والبلجيكي برهنا عن جدارتهما بالوصول إلى المربع الذهبي بعد أن أزاحا من طريقهما منتخبات قوية للغاية ومرشحة بدورها للذهاب بعيدا في المسابقة.
فضلا عن ذلك فإن لديهما عدة نقاط متشابهة، فالمنتخب الفرنسي حقق الفوز في أربع مباريات من مجموع خمس خاضها إلى حد الآن، لم يتعادل سوى في مباراة واحدة ضد المنتخب الدنماركي في الدور الأول قبل أن “يكشر عن أنيابه” في مراحل المباريات الإقصائية ففاز بكل استحقاق على المنتخب الأرجنتيني قبل أن يتألق مجددا ضد منتخب الأوروغواي. المنتخب البلجيكي حقق بدوره إنجازا رائعا، فهو المنتخب الوحيد الذي حقق العلامة الكاملة بفوزه في خمس مباريات متتالية، لقد برهن أنه لا يقل قوة عن المنتخب الفرنسي.
من الطبيعي تبعا لذلك أن تكون مواجهة اليوم أشبه بمعركة “خيول جامحة”، فلكل منتخب “أسلحته” الضاربة، لدى المنتخب الفرنسي لاعب صغير السن لكنه موهوب للغاية، إنه ذلك الفتى كيليان مبابي الذي عانق مستواه السحر في مباراة الأرجنتين، لقد سجل هدفين رائعين وتحصل على ضربة جزاء بعد مجهود خرافي وانطلاقة صاروخية تجاوزت خلالها سرعته سرعة العداء العالمي يوسين بولت.
لا يوجد لدى هذا المنتخب مبابي فحسب، هناك أيضا “محاربون” متمرسون لديهم كل القوة الفنية والبدنية التي تجعلهم بمثابة “الخيول” المتأهبة لمسابقة الريح في هذه “الحرب” المنتظرة، ثمة النجم القوي بول بوغبا وثمة لاعب الوسط المبدع نغولو كانتي، إضافة إلى الظهيرين الطائرين بافارد وهيرنانديز وكذلك الحارس المتيقظ لوريس. كلهم جاهزون والكل يحدوه العزم والإرادة لنيل المراد وتنشيط الذاكرة الفرنسية بالحصول على لقب عالمي للمرة الثانية في تاريخ “الديكة”.
أما المنتخب البلجيكي، فإنه ببساطة بلغ درجة الكمال والنضج، لقد أدرك مرحلة الحصاد والحصول على الألقاب، فمنتخب يضم جيلا ذهبيا بأتم معنى الكلمة يحق له أن يقول كلمته، جيل يتكون من لاعبين مميزين للغاية لديه كل المقومات التي تجعله جديرا بالمنافسة القوية.
فهذا المنتخب الذي أدهش العالم سواء في منافسات الدور الأول أو في مباراتيه ضد كل من المنتخبين الياباني والبرازيلي قدم أداء رفيعا للغاية خاصة من الناحية الهجومية، هذا المنتخب سجل إلى حد الآن 14 هدفا أي بمعدل يناهز ثلاثة أهداف في كل مباراة، لقد استفاد من سرعة المهاجمين وقوتهم الجسمانية وقدراتهم البدنية العالية للغاية، ربما هدف الفوز على منتخب اليابان في الوقت البديل وكذلك الهدف الذي سجله دي بروين ضد المنتخب البرازيلي يعكسان مدى قوة هذا المنتخب في عملية عكس الهجومات.
الثابت أن وجود هازارد في أفضل حالاته الذهنية والبدنية وكذلك دي بروين ولوكاكو فضلا عن بروز الحارس كورتوا سيجعل هذا المنتخب قادرا على تحقيق إنجاز تاريخي ببلوغ الدور النهائي لأول مرة ومواصلة مطاردة الحلم الذي كان في الماضي القريب مستحيلا. الثابت أن مباراة اليوم ستكون معركة حامية الوطيس، هي معركة خيول جامحة لا تهدأ ولا تكل حتى تبلغ المراد وتحقق المنشود.