مطلوب "بوز" من الحياة

كم هو جميل الكبس على زر التوقف المؤقت أو PAUSE بالفرنسية. عندما يزعجك صوت منبعث من أي جهاز إلكتروني مثلا يمكنك أن تكبس عليه فتشعر فورا بالسكينة والهدوء، عندما تلعب إحدى ألعابك الإلكترونية ويقاطعك أحدهم، تضغط عليه وتظل اللعبة في انتظارك، بينما تقضي شؤونك أو تأخذ قسطا من الراحة. هذا الزر الذي يمكّنك من إيقاف شيء ما ولكنه يظل بانتظارك حتى تعود إليه يشبه المقود الذي يمكّنك من القيادة وتوجيه مركبتك حيث تريد، فهو يمكّنك بدوره من توجيه اهتمامك وانتباهك حيث تريد.
يسرب لك الضغط على هذا الزر شعورا جميلا فيبدو لك وكأنك تتحكم في كل ما يحيط بك، وتذهب مباشرة حيث تريد وفي الوقت الذي تريده بينما تنتظرك كل الأشياء في وضع “البوز” أو التوقف، تنتظرك إلى أن تعود لها وتسمح لها بكبسة أخرى بأن تعاود الاشتغال، ينتابك شعور بالقوة وبالقدرة على التحكم وإدارة الأمور وأيضا بشيء يشبه الغرور.
جميل أيضا أن تمنح لنفسك استراحة بمجرد الضغط على زر التوقف، تخيلت للحظات أن ذلك ممكن فبدل أن يفكر أولئك الذين انتحروا في الانتحار كان بإمكان هذا الزر أن يمنحهم فرصة ووقتا للتفكير وربما للراحة المؤقتة من مشكلاتهم. تخيّلي سيدتي أنه يمكنك أن تعودي من العمل منهكة الأعصاب خائرة القوى لتجدي كومة من الأشغال المنزلية تنتظرك، وفي الوقت ذاته يطالبك أبناؤك وزوجك بالقيام ببعض الأعمال التي يريدون وصوت التلفاز العالي يملأ أذنيك، والابن الصغير يبكي والآخر يناديك من بيت الراحة أمي تعالي احتاج مساعدتك، وجارتك تقرع الباب، وزوجك ينغمس في شاشة هاتفه بانتظار كوب القهوة أو الشاي الذي طلبه، وفي وسط كل هذا التعب والركض بين مهمة وأخرى يمكنك أن تضغطي على الزر “بوز” وتعطين لنفسك قسطا من الراحة وتتمتعين بالهدوء والصمت والسكينة، بينما كل شيء متوقف في انتظارك.
تخيل وأنت في المكتب تواجه ضغوط العمل ويمكنك أن تشغل زر البوز وتتكئ للحظات، طبعا سوف تعود وتستأنف أشغالك لكن بعد البوز قد تصبح أكثر نشاطا وحيوية. القطيعة مع الواجبات والمهام الثقيلة كما القطيعة مع الروتين ومع الأشياء التي لا نرغب فيها، وحتى الأشخاص الذين لا نريد في حياتنا أمر مريح جدا، والقطيعة التي يمنحها زر التوقف وإن كانت مؤقتة بدورها مريحة وتمنحنا فرصة أخذ نفس جديد.
الوجه السيء للبوز أن يعمل دون رغبة منا لنكتشف أن الأمور تجاوزتنا وتوقفنا في حالة من الدهشة أو التأمل.