مطرقة البرلمان العراقي الضائعة بين الأغلبية

بين لغة تفاؤلية وأخرى تشاؤمية يترنح الحديث عن حقيقة اختيار رئيس البرلمان العراقي البديل للحلبوسي الذي أنهت عضويته المحكمة الاتحادية رئيساً للبرلمان.
ومع سطوع لغة التفاهمات والمحاصصة التي بُنيت عليها أركان العملية السياسية في العراق، لازال نجم الحلبوسي مؤثراً في الساحة السياسية أو على الأقل هذا ما تُحدّثنا به لقاءاته التشاورية مع أغلب النُخب السياسية التي أطاحت به أو حاولت إنزاله من كرسي رئاسة البرلمان في السر والعلن وحتى تلك الزيارات لرجال القضاء الذين أصدروا قرارهم بإنهاء عضويته.
وبعيداً عن خواتيم الأمور يعترف أي مراقب للشأن العراقي بأن نشاط الحلبوسي تحول من مُتهم إلى دور الوسيط بين الكتل السياسية المختلفة لاختيار بديل عنه في كرسي الرئاسة، وبذلك استطاعت ديناميكيته السياسية إعلان نصر واضح بمفاهيم السلطة، والتي على ما يبدو أنها لم تتساقط بالتقادم ولم تخترق تلك الحالة الرمادية التي تكتنف القوى السياسية حين كانت تتباين مواقفها بين رافض في العلن وموافق في السر والعكس بالعكس، وكذلك ليتصاعد اليقين لدى الرأي العام أن من يقود السلطة اليوم جاهل بأبسط أبجديات السياسة.
هكذا هو العراق أزمات تتلوها أزمات وكأن الفاعل السياسي لا يريد لهذا العقل أن يستريح، إذ كيف تُسوّل لهم السياسة عزل شريك أو فاعل سياسي لا يقل تأثيراً عنهم في الوقت ذاته الذي يستقبلونه فيه بعد العزل بكل هذه الحفاوة والتكريم كاستقبال الزعماء.
صحيح أن العراق يسير بسياسة تأجيل الأزمات أو ترحيلها دون وجود خارطة طريق واضحة للهدف السياسي، لكن ذلك لا يعني التخبط والفوضى في العمل السياسي.
كما أخرجوه من كرسي رئاسة البرلمان بتهمة التزوير ها هم يستقبلونه في قلاعهم كزعيم منتصر، فأي سياسة بلهاء تلك التي تحكم هذا البلد، وإذا كانوا كذلك فلماذا أخرجوه من قُبّة البرلمان وصنعوا أزمة أخرى تُضاف إلى أزماته.
على من سيرسو مزاد تمثيل الأغلبية السنية أو هكذا يدّعون، لا أحد يعلم بمجريات غرف السياسة المظلمة سوى انتظار ما ستجود به الأيام القادمة
ما تُخبرنا به دهاليز السياسة أن الصراع المحتدم وصل إلى مرحلة الانسداد، نتيجة الخلافات المتصاعدة بين القوى السنية حول الأحقية في تمثيل الأغلبية السنية، ففي حين تصر أحزاب عزم والسيادة والحسم والجماهير ونواب مستقلون على أنها تمثل الأغلبية، يرفض حزب تقدم هذا الادعاء ويهدف إلى إبقاء رئاسة المجلس من حصته عندما رشح النائب عن محافظة صلاح الدين شعلان الكريّم، في حين رشحت تلك الأحزاب النائب ورئيس مجلس النواب الأسبق محمود المشهداني إضافة إلى ترشيح رئيس تحالف السيادة الذي يتزعمه خميس الخنجر النائب عن محافظة الأنبار سالم العيساوي لتتصاعد بذلك حدّة التنافس والتنابذ بالأحاديث والاتهامات المتبادلة التي زادت وطفت على السطح السياسي خصوصاً بعد اجتماع تلك القوى بمعزل عن حزب الحلبوسي.
نقطة الافتراق وصلت إلى مداها حين أعلن تحالف “عزم، الحسم، السيادة” عن قراره النهائي الذي تم إبلاغ الإطار التنسيقي به ترشيح النائب سالم العيساوي لتضع البرلمان العراقي أمام مفترق في اختيار الرئيس الذي يستطيع الحصول على تفاهمات أكثر.
الظفر بمنصب رئيس البرلمان العراقي قد يتأخر إذا لم يأخذ الفاعل الخارجي دوره في تسريع المهمة، وفوز الكفة التي ستنال الرضا والقبول.
أقبح وجه للسياسة عندما تختلط المفاهيم ويمتزج اللون الأبيض بالأسود.
لازال جمهوره وأتباعه ينادونه “الرئيس” إذ لازالت الأنظار تتجه إلى إمكانية العودة إلى الكرسي أو على الأقل وضع الشخصية التي تكون الأقرب إليه في توجهاته السياسية.
إلى وقت قريب كان خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي في مركب واحد حين أعلنا عن تحالف السيادة، لكنها المصالح والسياسة التي تُفرّق ولا تجمع حين تناثرت السيادة وتشظّت.
صناعة الأزمات هي الفن الوحيد الذي يُجيد هؤلاء صناعته والتفنن بأسلوبه.
على من سيرسو مزاد تمثيل الأغلبية السنية أو هكذا يدّعون، لا أحد يعلم بمجريات غرف السياسة المظلمة سوى انتظار ما ستجود به الأيام القادمة.