مطاعم شعبية في المنامة تفوز على الأجنبية في تنافس النكهات

المنامة - في البحرين مطاعم متعددة الجنسية كادت بتنوع وجباتها وكثرتها تقضي على المطبخ البحريني، الذي يتميز بنكهته وتنوعه بما يقدمه من مأكولات شهية، لكن المطاعم الشعبية البحرينية شنت، في السنوات الأخيرة، هجوما مضادا على مطاعم الجنسيات المتعددة بقيادة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، التي أبدت اهتماما بالتراث البحريني والدفاع عنه، حتى نجحت المطاعم البحرينية في استعادة عرشها المفقود وأضحت مقصدا للبحرينيين والخليجيين والعرب المقيمين والسياح الأجانب.
في الشوارع الرئيسية في كل العواصم العربية تقريبا تنتشر لافتات لمطاعم أجنبية تجعلنا نتساءل كيف أفلتت من جغرافيتها البعيدة، فتجد المطعم الصيني بجانب المطعم التركي والمطعم الهندي، هذا إلى جانب المطاعم العربية الأخرى، مطعم لبناني في تونس ومطعم مغربي في الرباط. المطاعم الشعبية في المنامة اختارت أن تقاوم هذه الظاهرة من خلال الإصرار على إبراز قيمة الطعام البحريني ونكهته المنفردة، ففازت بالرهان واجتذبت زبائن من العرب والغربيين.
يعد مطعم حاجي القريب من باب البحرين وسط العاصمة البحرينية من أقدم المطاعم الشعبية وأشهرها، أسسه غلام حسين حاجي قبل 68 سنة، وهو اليوم أحد المعالم السياحية في المنامة، يرتاده السياح ومسؤولون في الدولة من أعلى المستويات والدبلوماسيون الأجانب، وتُقَدم فيه أنواع من الوجبات الشعبية السريعة مثل وجبات الإفطار المكونة من المربى والأجبان والبيض بأنواعه وطبق “البلاليط” وهو عبارة عن شعيرية مع هيل وزعفران وسكر وبيض، بالإضافة إلى وجبات الغداء البحرينية المصنوعة في البيت بالكامل.
يقول زهير حاجي الابن الأكبر لصاحب المطعم لـ”العرب” “كان المطعم، في بدايته، يقدم الشاي وبعض المأكولات البسيطة، التي كان يعدها والدي بنفسه، كـاللوبة (اللوبيا) والنخي (الحمص المسلوق) والباجلة (الفول)، بالإضافة إلى أنواع من البيض، وكانت والدتي تساعده في إعداد هذه الوجبات التي كان يقبل عليها البحارة والصيادون وهم أكثر الزبائن ارتيادا للمطعم بسبب قربه من الفرضة (مرسى السفن)”.
وأشار زهير إلى أن المطعم اليوم يقدم في وجبة الفطور 33 وجبة مختلفة من أطباق بحرينية وخليجية قديمة ومتنوعة، فضلا عن 14 وجبة في الغداء، فيما لا يقدم في العشاء سوى المشاوي بمختلف أنواعها.
ووصلت شهرة المطعم إلى خارج حدود البلاد، وأصبح أحد المعالم السياحية بفضل صاحبه الذي ما زال يأتي صباحا للإشراف على الطبخ ومحاسبة العاملين إذا وجد أن نكهة وجبة من الوجبات قد تغيرت، ولذلك بقي الطعام، الذي يقدمه لزبائنه، محافظا على مستواه على الرغم من أنه يقدم الآن بأسلوب عصري.
ويتحدث زهير حاجي بفخر عن ارتياد أبناء العائلة المالكة لمطعمه، وكذلك الوزراء والمسؤولين وسفراء الدول العربية والأجنبية، منوها إلى أن وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، غالبا ما يصطحب ضيوفه وعائلته لتناول الطعام في المطعم.
ويذكر أن المصارع الداغستاني حبيب حميدو تناول الطعام في مطعمهم، قبل نزاله، الذي فاز فيه، في لاس فيغاس بالولايات المتحدة الأميركية، وصرح بعد النزال للصحف الأميركية بأن سبب فوزه في النزال هو تناوله الطعام الشعبي البحريني في مطعم حاجي في المنامة.
ولمطعم البيت القديم في المنامة حكاية أخرى؛ فقد تأسس حديثا، في سنة 2012، ولما كانت مطاعم الأكلات الشعبية في البحرين كثيرة عمد جمال علي عبدالله، صاحب المطعم، إلى فكرة لا تجعله رقما لا يلتفت إليه بين المطاعم الشعبية، الفكرة تقوم على أن يشتري بيتا قديما ويقطعه عن التكنولوجيا الحديثة، ويعيد الحياة فيه إلى خمسينات القرن الماضي، عدا زاوية صغيرة جدا عرض فيها أنواعا من أجهزة الهاتف النقال الأولى، التي دخلت إلى البحرين، أما بقية أثاث البيت فقديمة، كالأرائك والمناضد والفرش، وعدة الصيد، والأدوات المنزلية.
وعلق على الجدران صور حكام البحرين السابقين، وصورة لمؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وهو صبي صغير، وصورا عن الحياة في البحرين قبل الثورة الاقتصادية، التي أعقبت ظهور النفط في المنطقة.
يقول جمال “لم يكن أمامي لكي أنجح وسط هذا العدد الكبير من المطاعم الشعبية إلا أن أحول البيت، الذي قررت أن أجعله مطعما، إلى متحف ينقطع من يدخل فيه عن مظاهر الحضارة ويعيش الحياة التي عاشها آباؤه وأجداده قبل ظهور النفط الذي حوّل حياة البحرينيين إلى شيء مختلف”.
ويشرح “تجد بين محتويات المطعم-المتحف الإعلانات التجارية لذلك الزمان والبلاغات الرسمية معلقة على الجدران، مثل بلاغ أصدرته إدارة بلدية المنامة وقعه رئيسها حينذاك، الشيخ عبدالله بن عيسى الخليفة، يتوعد بالعقوبة من يستعمل جهاز الراديو بصوت مرتفع ليلا، أي أنه يجب أن يخفض الصوت بحيث يكون مسموعا لدى صاحبه في محله فقط وذلك تحفظا من الضجة المتصاعدة من الراديوات، فكل من يخالف ما ذكر أعلاه يكون مسؤولا أمام الحكومة والبلدية”، وقد صدر هذا البلاغ في 23 أكتوبر سنة 1938.
عرض جمال، أيضا، مهد طفل كانوا يعلقونه في السقف خوفا على الطفل من الحشرات الزاحفة، وهو مصنوع من أعواد سعف النخيل، يوم كانت البحرين بلد المليون نخلة، قبل أن تغزوها الحضارة الحديثة وتحول بساتينها إلى عمارات إسمنتية شاهقة، ولم يغفل أيضا عن جعل غرفة معيشة العائلة في البيت دون أرائك أو مناضد، وإنما فرشت أرضها على الطريقة القديمة.
وأصبح هذا المطعم- المتحف، الذي يفكر صاحبه في تطويره بأن تضاف إليه من حين إلى آخر محتويات وأثاث قديم، مقصدا للأجانب الذين يزورون البحرين.
ولعبت المطاعم والمقاهي الشعبية في الماضي أدوارا سياسية واجتماعية، كما يقول المحامي عارف صالح، الموظف القديم في وزارة الإعلام، إذ كانت التظاهرات ضد الاستعمار البريطاني تنطلق منها ويتم الحشد منها، وفيها أيضا تأسست بعض النوادي والجمعيات السياسية، واجتماعيا كان المعسرون يجدون حلولاً لعسرهم في هذه المطاعم والمقاهي حيث يتشارك الجميع في جمع التبرعات لهم لسداد ديونهم.
وفي المنامة مجموعة من المطاعم الشعبية مثل مطعم مندلي، وهو قديم بسيط في تصميمه، راق فيما يقدم من طعام لزبائنه، وهناك مطعم آلو بشير الذي أسسه رجل باكستاني كان قد قدم إلى البحرين في القرن الماضي اسمه بشير، ومطعم نصيف الذي اتخذ من سوق المنامة المقابلة لباب البحرين مكانا له، وآموش، وشكشوكة، ومقهى جد حفص الذي يقدم أشهى المأكولات الشعبية.