مصر تلتفت إلى العمد والمشايخ لسد احتياجات الفقراء في القرى

تعديل تشريعي يقر عقوبات رادعة على المتخاذلين في أداء عملهم.
الخميس 2023/03/23
قرارات تعزز دور المشايخ في تنظيم الحياة في القرية

التفتت الحكومة المصرية أخيرا إلى الأوضاع في القرى وتحديدا مسألة العمد والمشايخ، حيث رأت أنه من الضروري تعديل القوانين بما يعيد هيبة السلطة المحلية ويجدد الثقة بينها وبين المواطن في قدرتها على حل مشاكله والتعامل معه في كنف القانون، وهي تسعى من وراء ذلك لتعزيز خططها التنموية وتحسين جودة الحياة خارج المحافظات والمدن.

القاهرة - تحاول الحكومة المصرية الالتفات إلى المشاكل المتعددة في المناطق البعيدة عن المدن الكبرى، وإيجاد حلول عاجلة لها قبل أن تتصاعد وتخرج عن السيطرة، حيث اُتهمت في الفترة الماضية بتركيز المشروعات التنموية على العاصمة وإهمال المدن الأخرى وعدم منح القرى والنجوع ما تستحق من اهتمامات اقتصادية، وأن برامج الحماية الاجتماعية التي تتبناها تبدو غير كافية لتحقيق أغراضها.

وقامت الحكومة بإجراء تعديلات في البنية التشريعية في أحد المفاصل التي تلعب دورا في الأمن والاستقرار الاجتماعي، بما يوحي بتوسيع دائرة تركيزها على ما هو أبعد من القاهرة، وبصورة عملية وجذرية تخفف عنها الضغوط وتسمح بتحقيق عوائد جيدة في مجال الحد من بؤر التوتر المحتملة الكامنة في بعض الأماكن النائية.

الارتكان إلى العمدة أو شيخ القرية أفضل وسيلة لحكومة تسعى لاستكمال ما بدأته في ملف تحسين جودة الحياة في القرى

وأخذت الحكومة تمضي في طريق تنفيذ خطتها الطموحة نحو ضبط الأوضاع في الآلاف من القرى والنجوع الصغيرة في المحافظات بعد أن دشنت قبل عامين مشروع “حياة كريمة” الذي يستهدف تحسين جودة الحياة في هذه المناطق.

وثمن متابعون قيامها أخيرا بتعديلات على قانون العمد والمشايخ الذين يتولون مهمة حل المشكلات اليومية وتسهيل سد احتياجات الملايين من المواطنين لتقليص فجوة شكلت بؤرة اجتماعية رخوة بعد أن وجدت حكومات سابقة صعوبات في السيطرة عليها.

ووافق البرلمان المصري في التاسع عشر من مارس الجاري على تعديل مشروع قانون “العمد والمشايخ”، وهم من يتولون المسؤولية المحلية في بعض القرى والنجوع المصرية التي تعمل بهذا النظام حتى الآن، والذي يخص أكثر من 4700 قرية، يتبعها نحو 31 ألف عزبة وكفر ونجع، يقطنها جميعا ما يقرب من 60 مليون مواطن، لتحقيق مزيد من الانضباط في أدائهم الوظيفي وصولا إلى تكامل الأداء الأمني.

وتشير الخطوة إلى وجود أبعاد سياسية طغت على التعديلات الأخيرة في وقت تئن فيه فئات عديدة تحت وطأة أزمة الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات وتراجع القدرات الإنتاجية في هذه المناطق عقب تقلص الرقعة الزراعية وضيق الفرص أمام العمالة بمستوياتها المتباينة.

إعادة الاعتبار للسلطة المحلية

عصام هلال: التعديلات القانونية تستهدف إعادة الاعتبار لشيخ القرية
عصام هلال: التعديلات القانونية تستهدف إعادة الاعتبار لشيخ القرية

يهدف مشروع القانون إلى تيسير عمل لجنة العمد والمشايخ وتحقيق المرونة المطلوبة لانعقاد اللجنة المختصة بشؤونهم التأديبية لصعوبة تشكيلها بالنص الحالي، وإضافة إجراءات انضباطية تحقيقا للتناسب بين المخالفات المرتكبة من قبل العمدة أو الشيخ والجزاء المقرر لها، وقضت بحرمان العمدة أو الشيخ الذي سبق فصله بقرار نهائي من حق التقدم لشغل الوظيفة مرة أخرى.

وبدت التعديلات التي حددت العقوبات الخاصة بتقصير العمد والمشايخ وإهمالهم لوظيفتهم وارتكابهم جرائم مخلة بالشرف هادفة إلى إعادة الاعتبار لأدوارهم كسلطة محلية ودفعهم مرة أخرى ليكونوا حلقة وصل بين المواطنين وأجهزة الدولة بعد أن تراجع حضورهم مع التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية التي ساهمت في أن يصبح أهالي القرية على دراية بحقوقهم القضائية والأمنية لحل مشكلاتهم.

وتؤكد التعديلات أن دور وزارة الداخلية التي يحق لها اختيار العمدة أو شيخ القرية في منصبه لا يعنى ترك الباب مفتوحًا أمام تخليهم عن مسؤولياتهم المنوطة بهم، وسيواجه تقصيرهم في أداء خدمة مواطنيهم بعقوبات تصدر من مدراء الأمن ومساعدي وزير الداخلية بجانب تسهيل مهمة انعقاد لجنة العمد والمشايخ المنصوص عليها في القانون التي تتولي مهمة إصدار قرارات إبعادهم أو توليهم مناصبهم.

وقضت تعديلات المادة “23” من القانون الخاصة بتقصير العمد والمشايخ وإهمالهم في أداء وظيفتهم وارتكابهم ما يخل بالشرف أن يتم السماح لهم بالتحويل إلى اللجان المختصة مع عقوبة إنذار، وخصم 25 في المئة من الراتب أو المكافأة، وإذا اشتد الجزاء يكون بالحرمان من المكافأة لحوالي ثلاثة أشهر، وقد تصل إلى وقف المسؤول (عمدة أو شيخ) عن العمل لستة أشهر ووصولا إلى فصله نهائيًا من مهمته.

غياب أعضاء مجلس النواب عن الدوائر الانتخابية كان عاملا مساعداً على تراجع دور العمدة أو شيخ القرية

قال مصطفى إبراهيم أحد أبناء قرية العسوية التابعة لمحافظة سوهاج (جنوب مصر)، إن أدوار عمد القرى تراجعت إلى حد كبير في العقد الأخير، وأن عدم قدرتهم على حل المشكلات تنبع من قناعة الأهالي بأن الجلسات العرفية التي يتم عقدها لا تؤتي ثمارها مع ضعف شخصياتهم، حيث يعيّن المسؤول المحلي بالتوافق بين أهالي القرية على أن تكون لديه علاقات ومهارات تساعده على حل المشكلات قبل تفاقمها.

وأضاف لـ”العرب” أن غياب أعضاء مجلس النواب عن الدوائر الانتخابية كان عاملا مساعداً على تراجع دور العمدة أو شيخ القرية، وفي كثير من المرات يجد العمدة نفسه في موقف محرج لأن الجلسات العرفية لا تتوفر فيها الأدوات المناسبة التي تمكنه من تطبيق ما خرجت به من تفاهمات.

كما أن التنسيق مع الأجهزة الأمنية لم يكن كافيًا في كثير من المرات، وهناك أجيال صاعدة تملك قناعات خاصة بأن تحصل على حقها بيديها أو أن تلجأ إلى الجهات القضائية والأمنية بدلا من الاعتماد على السلطة المعنوية في القرية.

وأكد أن طبيعة المشكلات بين العائلات الموجودة في القرية اختلفت الآن عما كانت عليه في السابق، فهناك خلافات من نوع آخر بين أهالي القرية والأجهزة الحكومية، مع توالي قرارات وقف التعدي على الأراضي الزراعية وتجميد البناء في القرى والمراكز، ما أحدث احتقانا مجتمعيا وغيّب دور شيخ القرية أو العمدة، وثمة قناعة بعدم قدرتهما على التأثير في توجهات الحكومة، وهو ما كان دافعًا لتقصيرهم.

حضور هنا وغياب هناك

التعديلات لا تمنح شيخ القرية الأدوات التنفيذية المناسبة التي تسهم في تخفيف حدة المشكلات التي يعانيها المواطنون
التعديلات لا تمنح شيخ القرية الأدوات التنفيذية المناسبة التي تسهم في تخفيف حدة المشكلات التي يعانيها المواطنون

جاءت مساعي إعادة لفت الانتباه إلى أدوار العمد في الوقت الذي غابت فيه النقاشات حول إقرار قانون المحليات الذي يقضي بإعادة إجراء انتخابات المجلس المحلية بعد 15 عاما من آخر انتخابات أجريت في المحافظات والمراكز المختلفة في العام 2008، ما يشي بإمكانية الاعتماد على العمد في أن يكونوا بمثابة جهة لها قدرات رقابية لما يدور على أرض الواقع ومساعدة الدولة في تنفيذ سياساتها العامة.

ويشكل الارتكان إلى العمدة أو شيخ القرية أفضل وسيلة لجهات حكومية تسعى لاستكمال ما بدأته في ملف تحسين جودة الحياة في قرى ظل الكثير منها خاضعًا لتوجهات تنظيم الإخوان وجماعات سلفية تمكنت من اختطاف الخطاب الديني عبر سيطرتها على المساجد والزوايا الصغيرة في هذه المناطق البعيدة.

الحسين حسان: التعديلات لا تخفف من حدة المشكلات التي يعانيها المواطنون
الحسين حسان: التعديلات لا تخفف من حدة المشكلات التي يعانيها المواطنون

ويتطلب توفير خدمات حكومية مع الانتهاء من المرحلة الأولى لمشروع “حياة كريمة” وقرب انطلاق المرحلة الثانية فاعلية شخصيات لها حضور شعبي في هذه الأماكن.

وأوضح عضو مجلس الشيوخ المصري عصام هلال أن التعديلات الأخيرة تستهدف إعادة الاعتبار لشيخ القرية لأنه الأكثر احتكاكا بمشكلات المواطنين، وقادر على حلها من بدايتها قبل أن تتفاقم وتجد جهات إدارية وأمنية في الدولة صعوبة في التعامل معها، ما يفتح الباب للاعتماد على شخصيات تملك مؤهلات تعليمية وقيادية.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن الحكومة تهدف إلى إحداث ردع عام وخاص في المخالفات المرتكبة من جانب بعض العمد والمشايخ وبسببها تزايدت بعض الأزمات في عدد من القرى، وتحرص الدولة من وراء مضاعفة العقوبات على أن يقوم كل شخص بدوره في حل المشكلة لتخفيف الضغط على الأجهزة الأمنية.

وشدد هلال وهو الأمين العام المساعد لحزب مستقبل وطن (الظهير السياسي للحكومة) على أن التطور التكنولوجي وزيادة معدلات التعليم في كثير من القرى يدفعان نحو إعادة فرز من يتولى منصب شيخ القرية أو العمدة، وأن الاختيار بين المعينين الجدد سيكون بشكل أكبر من الحاصلين على شهادات تعليمية ولديه من الثقافة والقدرة على التعامل مع مواطنين منفتحين على العالم وليس كما كان الوضع في السابق.

المساهمة في التنمية

تكمن أزمة العديد من أبناء القرى في أنهم يرون أن المدن تأخذ نصيبها من مشروعات التنمية، في حين أنهم يعانون أوضاعا اقتصادية صعبة جراء عدم توفر الأدوات الإنتاجية التي تساعدهم على الحياة.

ويرون أيضا أن شيخ القرية بشكله القديم وصورته الذهنية النمطية هو تابع لأجهزة أمنية ويعمل على تنفيذ توجهاتها ولا يقوم بدور اجتماعي يسهم في تحسين أوضاع الناس كما هو حال أعضاء المجالس النيابية والأحزاب والجمعيات الأهلية.

وقال خبير التنمية المحلية الحسين حسان إن القرى تعج بالمشكلات التي تراكمت طيلة السنوات الماضية ولا توجد حلول لها، وأغلبها يرتبط بالحاجة إلى توفير البيئة الإنتاجية المناسبة، وأن العمد بدلا من أن يصبحوا أدوات للحل أضحوا أطرافا معرقلة في كثير من الأحيان لجهلهم بالسياسات العامة للدولة وضعف قدراتهم الإدارية.

وذكر لـ”العرب” أن التعديلات الأخيرة غير كافية وركزت على الجوانب الأمنية ولا تمنح شيخ القرية الأدوات التنفيذية المناسبة التي تسهم في تخفيف حدة المشكلات التي يعانيها المواطنون مع زيادة معدلات الفقر في هذه المناطق، ويغيب الإطار التنفيذي الذي يعمل على أساسه العمدة أو شيخ القرية باعتباره تابعا لوزارة الداخلية وليس وزارة التنمية المحلية، وهي وزارة مركزية ليس لها فروع في المحافظات.

ولفت إلى أن صورة السلطة المحلية في القرية تشوهت لأسباب عديدة بينها السياسية والثقافية، ولا بد أن تسن إجراءات عقابية ضد التقصير، بما يمكن العمدة والشيخ من نسج علاقات تعاون مشترك مع منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية لخدمة سكان القرية والوفاء باحتياجاتهم.

7