مصر تكثف مناوراتها العسكرية بأهداف ورسائل متعددة

يتفق المتابعون لسياسات المناورات العسكرية التي تتبعها مصر وزادت من زخمها طيلة العام الجاري على أنها أسلوب يرسم أبعادا جديدة للبلد في منطقة الشرق الأوسط وحوض المتوسط، فتكثيف التدريبات والعمل على ضمان استمراريتها كتقليد في عقيدة الجيش له أهداف سياسية كثيرة ويبعث برسائل لبعض القوى التي تسعى للتدخل في شؤونها، ما يعني أنها تؤشر على ملامح تأسيس محور إقليمي متوسط دائم بوجه التهديدات المحتملة.
القاهرة – بعد شهر نوفمبر المزدحم بالمناورات العسكرية، أجريت في أماكن مختلفة من البحر، تواصل مصر جهودها التدريبية حتى ديسمبر الجاري وطوال العام المقبل، مرسلة إشارات سياسية حول انتشارها العالمي وقدراتها على التصدي لأي استفزازات من بعض القوى في المنطقة وعلى رأسها تركيا.
ومع أن مصر كثفت من مناوراتها العسكرية الشهر الماضي، لكن البلاد تشارك بانتظام في التدريبات، وتشير أغنيس حلو المتخصصة في الشأن الدفاعي بالشرق الأوسط في تقرير نشره موقع “ديفنس نيوز” الأميركي إلى أنه في يوليو 2019، نفذت مناورات “تحية النسر” مع أساطيل من السعودية والإمارات والولايات المتحدة، وفي سبتمبر من نفس العام شاركت في تمرين الموج الأحمر مع البحرية الملكية السعودية وقوات بعض الدول الأخرى المطلة على البحر الأحمر.
وفي وقت سابق من هذا العام، انضمت إلى القوات المصرية البحرية الملكية السعودية في تمرين “مورغان – 16” البحري ومن المتوقع أن تنضم القاهرة إلى هذه الأحداث الثلاثة خلال نسخها للعام المقبل.
ونفذ الجيش المصري الشهر الماضي تمرينا بريا وجويا مشتركا أطلق عليه اسم “سيف العرب” مع الإمارات والسعودية والبحرين والأردن والسودان في قاعدة محمد نجيب العسكرية البحرية شمال غرب البلاد، كما نفذ التمرين الجوي المشترك بين “نسور النيل – 1” مع السودان.
وكذلك أطلقت مصر وروسيا تمرين “جسر الصداقة 3” في البحر الأسود، وتعاونت مصر مع المملكة المتحدة في تمرين تي – 1 المشترك في البحر المتوسط بالإضافة إلى التدريب البحري المشترك في شمال المتوسط مع فرنسا.
ويقول أحمد عليبة الخبير الدفاعي بالمركز المصري للدراسات الاستراتيجية إن زيادة عدد التدريبات تظهر أن القوات المسلحة المصرية لديها القدرة على إجراء عدة مناورات حربية في نفس الوقت وتظهر قدرات الردع الإستراتيجي وأنظمة الأسلحة التي تملكها القاهرة.
رسائل سياسية
يرى يزيد صايغ، الزميل البارز في مركز مالكولم إتش كير كارنيغي للشرق الأوسط، أن الأهمية الأساسية للتدريبات البحرية المصرية الأخيرة تتمثل في أنها سياسية وثانيا تجارية وليست عسكرية بالدرجة الأولى.
ويعتقد أنه في الحالة الأولى تعكس الجهود التي تبذلها إدارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لتوسيع وتنويع علاقاتها الإستراتيجية الخارجية، جزئيا لإثبات أنها لا تعتمد كليا على الولايات المتحدة، ولكن بشكل خاص لتعميق العلاقات مع الدول التي تشاركها معها العداء أو الشك على الأقل، كما في حالة تركيا.
أما الحالة الثانية فمن خلال رفع مكانتها البحرية في شرق المتوسط والبحر الأحمر وتشير مصر إلى قدرتها وتصميمها على حماية حقول الغاز البحرية وخطوط الأنابيب المستقبلية إلى أوروبا التي تأمل في بنائها مع منتجي الغاز الآخرين في شرق المتوسط.
وتقوم القاهرة بتطوير البنية التحتية العسكرية مثل قاعدة برنيس البحرية في البحر الأحمر لإثبات قدرتها على حماية طرق الشحن البحري عبر قناة السويس، على أمل تشجيع المزيد من الشحن العالمي عبر القناة.
وفي أواخر أكتوبر الماضي، انضمت مصر إلى قبرص واليونان في إدانة استكشاف تركيا للطاقة في البحر المتوسط. وخلال القمة الأخيرة التي عُقدت في العاصمة القبرصية نيقوسيا، التي شارك فيها السيسي ونظيره القبرصي نيكوس أناستاسيادس، إلى جانب رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، شدد الرئيس المصري على ضرورة تعزيز العلاقة الثلاثية.
وتحقيقا لهذه الغاية، انطلقت الثلاثاء الماضي مناورة عسكرية “ميدوسا” والتي تستمر لغاية الـ30 من هذا الشهر وتضم القوات المسلحة للدول الثلاث وتشارك في التدريبات قوات بحرية وجوية وقوات خاصة، ويتوقع أيضا أن تشارك فرنسا والإمارات.
يعتقد عليبة أن هذه المناورات هي الأهم من حيث إمكانية ظهور تحالف واضح في المنطقة، لكنها معنية إستراتيجيا بهدف محدد وهو التعامل مع الترتيبات الأمنية في شرق البحر المتوسط.
ويؤكد الخبير العسكري المصري أن التدريبات السابقة ركزت على توحيد المفاهيم العسكرية والتعاون المشترك، إلا أن تدريبات 2020 أكثر تقدما من حيث البرامج التدريبية مع تدريبات أكثر تفاعلية لمواجهة التهديدات والمخاطر.
وبحسب محمد الكناني، الباحث في الشؤون العسكرية والمحلل الدفاعي بالمركز العربي في القاهرة ومنتدى تحليل السياسات الإيرانية، لمواكبة التهديدات الإقليمية، شرع الجيش المصري في تطوير ورفع الكفاءة القتالية الشاملة لفروعه وأسلحته وإداراته المختلفة.
ويشمل ذلك تكثيف التدريبات المشتركة مع دول الحلفاء لتعزيز التعاون العسكري وتبادل الخبرات، وتحقيق التوافق التشغيلي في أي مهام وعمليات قد تتم مع الشركاء ضد أي من التهديدات المشتركة ومتابعة أحدث الابتكارات في أنظمة الأسلحة، وأساليب القتال والتدريب ومفاهيم الحرب الحديثة والتعامل مع التهديدات المتطابقة وغير المتكافئة.
وهنا يشير الكناني إلى أن مصر تستفيد من المشاركة في عدد من التدريبات في شهر واحد لأنها تسرع من فهم مقاتليها الحربيين واستيعابهم بمنصات قتالية جديدة تم طلبها أو دخلت الخدمة مؤخرا، حيث توفر التدريبات خبرة في مفهوم “الجيش الذكي” بحيث تكون الجودة أكثر أهمية من الكمية.
وبدأت البحرية البريطانية في تنفيذ هذه التقنية من خلال مجموعة الاستجابة الساحلية “أل.آر.جي – إكس” وهي مجموعة مهام تنفذ عمليات لمدة ثلاثة أشهر في البحر المتوسط لاختبار تكتيكات قوة كوماندوز مستقبلية والمجموعة الضاربة الساحلية وهي نفس المجموعة التي شاركت في تدريب تي – 1 البرمائي مع البحرية المصرية.
ويمكن أن يساعد هذا في تكوين تصور لسلاح مشاة البحرية المتقدم المولود في وحدات القوات الخاصة البحرية المصرية، أو تطبيق تكتيكات وأساليب جديدة تماما في المهمات الخاصة ومهام الإنزال البرمائي، وطرق مهاجمة واقتحام الأهداف الساحلية التي تتضمن استخدام التقنيات المتقدمة المتمثلة في المنصات البحرية والجوية والبرية وكذلك الاتصالات غير المأهولة والمركزة على الشبكة وأنظمة التصوير الحي الحديثة.
ما بعد التدريب
المؤكد أن الرسائل السياسية لن تكون بمعزل عن الرسائل العسكرية، فمصر تعمل على تطوير قدرات جيوشها منذ سنوات، ومن المهم الإشارة هنا إلى أن البحرية المصرية تعمل على خطة تطوير من ثلاثة أجزاء؛ التدريب والبناء والتسليح.
وتشمل الخطط العسكرية إنشاء قواعد بحرية جديدة وفعالة، ومواصلة تطوير القواعد الحالية، وتقوية البنية التحتية لجميع المرافق البحرية لاستيعاب السفن البحرية الجديدة، وطرق التدريب المتقدمة وأجهزة المحاكاة.
وليس ذلك فحسب، بل تسعى المؤسسة العسكرية المصرية أيضا إلى تعزيز التسليح من خلال طلب شراء السفن القتالية السطحية والغواصات، وأسفر هذا الجهد حتى الآن عن عقود منها حاملتا طائرات هليكوبتر طراز ميسترال وأربعة طرادات من طراز غويند 2500 وفرقاطتان من طراز أكويتان مصنعة في فرنسا ومثلها من إيطاليا وهي طراز بيرجاميني.
وبالإضافة إلى ذلك ستحصل مصر على 4 غواصات وزوارق دورية وقوارب حماية ساحلية من ألمانيا، إلى جانب قارب صواريخ أم.كا 3 وقوارب دورية ساحلية من صنع شركة سويفتشيب الأميركية.
ويشير الكناني إلى أن مصر تعمل على نقل التكنولوجيا لحوض بناء السفن بالإسكندرية، والذي شارك في عقد غويند 2500 وتم بناء ثلاثة منها محليا، وسيستضيف حوض بناء السفن أيضا بناء فرقاطة ميكو أي – 200، كما أن المحادثات جارية مع شركة لورسن الألمانية لبناء السفن لنقل التقنيات الحديثة إليها.
والأنظمة الدفاعية الحالية والمقبلة في مصر ستُستخدم على الأرجح لحماية منصات الحفر البحرية والقيام بدوريات في المنطقة الاقتصادية البحرية للبلاد باستخدام سفن يمكنها الدفاع عن نفسها، على عكس سفن خفر السواحل الأخف وزنا. ومن المفترض أن يكون هذا أيضا الغرض من الحصول على غواصات.
وعلاوة على ذلك، فإن زيادة عدد التدريبات وتنويعها من حيث الموقع للدول الشريكة لا يفيد مصر فحسب، بل يفيد أيضا حلفائها في الشرق الأوسط. وبحسب الكناني، إذا كانت مصر بحاجة إلى مواجهة بحرية بين إيران وجيرانها، فلن تتردد البحرية المصرية في مساعدة حلفائها ضد طهران.
وأشار إلى أن التعامل مع التهديد البحري الإيراني يتطلب وجود قوة بحرية كبيرة ذات كثافة عالية من النيران، وحتى لو لم تكن لدى طهران وحدات بحرية ثقيلة وحديثة، فإن الحرس الثوري الإيراني لا يزال يشكل تهديدا للطرادات والفرقاطات والمدمرات والسفن الحربية الكبيرة الأخرى بفضل القوارب السريعة وخفيفة الوزن المجهزة بالصواريخ.