مصر تفتح صفحة جديدة مع المنظمات الأجنبية بعد تبرئتها

غلق قضية التمويل الأجنبي خطوة إيجابية في سجل مصر الحقوقي بعد توقيع شراكة إستراتيجية شاملة مع زعماء في الاتحاد الأوروبي.
الأحد 2024/03/24
هل تم احتواء الجمعيات التي لديها صلات خارجية

القاهرة - أوحى التحرك المصري لغلق أبرز قضية اتُهمت فيها منظمات أجنبية بزعزعة الاستقرار في البلاد بوجود رغبة جادة لدى القاهرة في غلق ثغرات تستثمرها جهات غربية للضغط عليها بحجة العمل الأهلي، مقابل فتح صفحة جديدة مع منظمات أجنبية حقوقية تزامنا مع شراكة إستراتيجية وقعتها مصر وأوروبا أخيرا.

ووصلت القضية المعروفة إعلاميا في مصر بـ”التمويل الأجنبي” لمنظمات المجتمع المدني إلى نقطة النهاية بإعلان قاضي التحقيق الخميس أنه “لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضد 85 منظمة”، ما يعني تبرئة الأشخاص والمؤسسات المتهمين في القضية، وحفظ التحقيقات، ليُسدل الستار على أشهر قضية حقوقية استغرقت ثلاثة عشر عاما.

وربط بعض المعارضين للحكومة غلق قضية التمويل الأجنبي بمحاولة القاهرة اتخاذ خطوة إيجابية في سجلها الحقوقي بعد أيام من توقيع شراكة إستراتيجية شاملة مع زعماء في الاتحاد الأوروبي، فقد تضمن الاتفاق بين الطرفين العمل على “الترويج لقيم الاستقرار والديمقراطية والحريات والمساواة بين الجنسين والفرص المتساوية”.

لكن تصورات هؤلاء المعارضين غير دقيقة، لأن القضاء المصري لا يحكم وفق توقيتات سياسية أو وجهة نظر الحكومة، ولن يبرئ منظمات كانت متهمة من أجهزة الأمن بارتكاب مخالفات لاسترضاء حكومات أجنبية، بدليل تبرئة العشرات منذ سنوات ولم تكن وقتها علاقة مصر بالاتحاد الأوروبي قد شهدت التطور الأخير.

وأكد عضو مجلس أمناء الحوار الوطني والحقوقي نجاد البرعي لـ”العرب” أن مصر تتعامل مع الملف الحقوقي وفق وجهة نظرها، وقرارها مستقل ولا يمكن ربط حكم غلق قضية التمويل الأجنبي بضغوط أو وصاية أوروبية، مع الوضع في الاعتبار أن القرار بالغ الإيجابية ويسهم في المزيد من تحسن الوضع الحقوقي في مصر.

نجاد البرعي: مصر سوف تستفيد من التقارب مع المنظمات الحقوقية
نجاد البرعي: مصر سوف تستفيد من التقارب مع المنظمات الحقوقية

وصاحب غلق قضية التمويل الأجنبي إلغاء منع عدد من العاملين والمسؤولين من السفر ورفع التحفظ على أموالهم ورفعهم من قوائم ترقّب الوصول، وبينهم أشخاص معروفون بتوجهاتهم السياسية المناهضة للحكومة.

ويبدو أن القاهرة أدركت ميزة رفع القيود المفروضة على حرية المنظمات الحقوقية وما يجلبه ذلك من مكاسب سياسية وتنموية وتقريب المسافات مع قوى دولية بالتزامن مع تصاعد التحديات التي تواجهها في المنطقة، لأن هناك قانونا يحكم عمل المؤسسات الأهلية وتوافقت عليه منظمات محلية وأجنبية سيكون الفيصل في العلاقة.

وتم تداول قضية التمويل الأجنبي منذ عام 2011، عقب ثورة 25 يناير التي أسقطت نظام الرئيس حسني مبارك، وواجه العشرات من الحقوقيين والصحافيين والعاملين في منظمات أهلية مختلفة اتهامات بالحصول على تمويلات لأغراض سياسية والتحريض على أعمال عنف وتأليب الرأي العام ضد المجلس العسكري الحاكم.

وترى دوائر سياسية في مصر أن استمرار الاستنفار في قضايا تهم المجتمع المدني، وما يرتبط منها بمنظمات أجنبية، سوف يعرّض الدولة لخسائر على الصعيد السياسي، وقد يشوّه هذا الملف التحركات الإيجابية التي تقوم بها القاهرة على المستويين الإقليمي والدولي، مع أنها شريك حيوي لقوى كبرى.

ومن وجهة نظر اقتصادية، أصبحت الحكومة المصرية على قناعة بأن إعادة الملايين من الدولارات التي خرجت من البلاد وكانت مخصصة لمجالات تنموية بفعل انسحاب المنظمات الحقوقية وجهات التمويل بسبب القضية المتداولة قضائيا لن يتحقق سوى بتسريع إجراءات غلقها وفتح صفحة جديدة قائمة على التشارك بدلا من الصدام.

وأوضح نجاد البرعي لـ”العرب” أن مصر سوف تستفيد على كل الأصعدة من التقارب مع المنظمات الحقوقية، فهي تغلق منفذا يجلب لها منغصات سياسية، ويحقق لها منافع تنموية، مشيرا إلى أن تقارب الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني يفيد الوضع الحقوقي والتنموي والسياسي في البلاد.

وتدعم دوائر سياسية هذا التوجه وطرح مبادرات لفتح المجال العام أمام المجتمع المدني لممارسة نشاطه شريطة الالتزام بالثوابت الوطنية ومقتضيات الأمن القومي وفي حدود القانون، لكن تحقيق ذلك يتطلّب تحسين نظرة بعض الجهات للمنظمات الأهلية والكف عن التعامل مع أنشطتها بحساسية بدعوى الحفاظ على الاستقرار.

ويعكس غلق القضية الأشهر في مسار المنظمات الحقوقية وجود مرونة، ويوحي بأن الحكومة تمضي في الطريق الصحيح، ما يفرض عليها عدم وضع كل المنظمات في سلة واحدة، وعدم الاستسهال في اتهامها بالتآمر والعمل لحساب جماعات أجنبية.

◙ غلق القضية يعكس وجود مرونة ويوحي بأن الحكومة تمضي في الطريق الصحيح ما يفرض عليها عدم وضع كل المنظمات في سلة واحدة

ومن الضروري اقتناع الحكومة المصرية بأن التعامل مع العمل الأهلي من منظور أمني فقط ليس دائما صوابا، وإن كانت هناك شبهات في بعض الأنشطة فهذا لا يعني التعميم على كل المنظمات، فالقضاء حكم ببراءة كل المتهمين في قضية التمويل الأجنبي، وبإمكان السلطة فرض ضوابط صارمة تطبق بعيدا عن السياسة.

وأصدرت حكومات ومنظمات حقوقية أجنبية تقارير عديدة انتقدت فيها أوضاع حقوق الإنسان بمصر، بينها التضييق على العمل الأهلي، ما شكّل حرجا للحكومة بعد أن ترتّب على التقارير ظهور مطالبات بتجميد مساعدات مقدمة للقاهرة، وهو مرحلة لا يريد النظام العودة إليها أمام عدم وجود ما يستدعي القلق من حرية العمل الأهلي.

وظلت المخاوف من تأثير جماعة الإخوان على عمل بعض الجمعيات الأهلية بمصر مبررا للتضييق، لكن الحكومة أغلقت منافذ الإخوان بالقانون، وحظرت كل نشاط له علاقة بالإسلاميين وقطع الطريق عليهم للتغلغل في الشارع تحت غطاء إنساني.

وعلى الرغم من إغلاق قضية التمويل الأجنبي للمنظمات الأهلية والحقوقية، فإن لدى الحكومة المصرية خطوطا حمراء لن تتخلى عنها، بشأن عدم السماح لأيّ منظمة أن تتحول إلى منبر حزب سياسي وتنحرف عن أهدافها وتمارس دور المعارضة والوصاية على الحريات، مهما كان تعارض ذلك مع حكومات غربية صديقة للقاهرة.

ويرتبط موقف مصر بأن التحديات المختلفة تستدعي أن يكون الاستقرار أولوية، ولن يُسمح لأيّ منظمة أهلية استغلال الظروف الاقتصادية لممارسة أدوار تتجاوز حدود المسموح به قانونا، وإذا أراد المجتمع المدني التحرك بأريحية عليه أن يلتزم مع الحكومة بعلاقة تشاركية تنموية، ولا يمارس دورا سياسيا لخدمة جهات معينة.

4