مصريات يحاربن التحرش بركلات من المصارعة التايلاندية

تصاعدت ظاهرة التحرش الجنسي ضد النساء والفتيات في مصر ما دفعهن إلى تعلم الرياضات القتالية بهدف حماية أنفسهن عند الذهاب إلى العمل أو التعليم. وتعزز رياضات مثل المصارعة التايلاندية الثقة بالنفس، وتخلق لدى النساء إحساسًا بالسيطرة على أجسادهن وتحفزهن على أن يكن أكثر استقلالية، خصوصا أمام ما كشفته استطلاعات من أن القاهرة هي أخطر المدن الكبرى بالنسبة إلى النساء.
القاهرة – تنامت ظاهرة التحرش الجنسي في مصر منذ العام 2011 وكانت القاهرة تحديدا بؤرة خطيرة عالميا بالنسبة إلى النساء، حيث وضعت مؤسسة تومسون رويتر مصر في خانة الأخطر بالنسبة إلى النساء في الكثير من الجوانب مقارنة بالدول العربية الأخرى. وحتى حين تمت مقارنة القاهرة كمدينة عملاقة تحوي أكثر من 10 ملايين ساكن مع أكثر من عشرين مدينة عملاقة حول العالم، جاءت الأكثر سوءا بالنسبة إلى أحوال المرأة مثل الختان والزواج الإجباري وزواج القاصرات، وأخذت المركز الثالث بعد نيودلهي وساوباولو في العنف الجنسي.
وكشفت دراسة استقصائية صدرت عن الأمم المتحدة في عام 2013 أن 99.3 في المئة من النساء المصريات يتعرضن لصورة من صور التحرش، وقذ عززت هذه الدراسة الأرقام التي صدرت عن المركز المصري لحقوق المرأة قبل نحو عقد من الآن حيث أشارت إلى أن نسب التحرش في مصر بلغت 83 في المئة، وهي أيضا نسبة كبيرة.
أكاديمية الوحوش
ترتدي فتيات مصريات محجبات السراويل الضيقة وقفازات المصارعة ويضربن بعضهن البعض ويركلن بتشجيع من المدربة سماح أحمد مؤسسة أكاديمية الوحوش.
بدأت أحمد المعروفة لدى الجميع باسم المدربة سماح في تعلم المصارعة التايلاندية قبل خمس سنوات بعد تعرضها للتحرش الجنسي، وهي الآن تعلم فنون الدفاع عن النفس لحوالي 40 شخصًا معظمهم من النساء والفتيات في معسكرها التدريبي الخاص.
وقالت أحمد لمؤسسة تومسون رويترز من أكاديميتها التي مر عام واحد على افتتاحها في أبوزعبل على بعد حوالي 30 كيلومترا شمال شرق القاهرة “المصارعة التايلاندية تحول كل جزء من جسدك إلى سلاح؛ مرفقيك وركبتيك ويديك وحتى ذقنك”.
وأَضافت أحمد أن الفتيات لن يحتجن إلى حمل أسلحة للدفاع عن أنفسهن. ويمكنهن استخدام أجسادهن للدفاع، مضيفة أنها أطلقت عليها اسم أكاديمية الوحوش لأنها تتطلب شجاعة وقوة الوحش لتعلم المصارعة التايلاندية.
ويتنامى الجدل حول التحرش الجنسي في الدولة المحافظة اجتماعياً، حيث تواجه النساء بانتظام تعليقات مسيئة وتحرشاً في وسائل النقل العام المزدحمة، مما قد يمنعهن من التنقل للعمل أو التعليم.
ووجد استطلاع أجرته مؤسسة تومسون رويترز في عام 2017 أن القاهرة هي أخطر المدن الكبرى بالنسبة إلى النساء، ووجد استطلاع أجرته الأمم المتحدة في عام 2013 أن 99 في المئة من النساء تعرضن للتحرش الجنسي في مصر.
رفض والدا أحمد في البداية السماح لها بالتدريب، قائلين إن فنون الدفاع عن النفس مخصصة للرجال فقط.
وقالت وهي تقف أمام جدار أسود مطلي بظلال بيضاء لنساء يؤدين الركلات العالية وصور لمقاتلين آخرين في الحلبة “لقد أصررت على تعلمها وحتى تعليم فتيات أخريات”. وتضغط العديد من الشابات المصريات مثل أحمد من أجل التغيير، حيث تحدثت المئات منهن عن الاعتداء الجنسي على وسائل التواصل الاجتماعي، ترديداً لحملة “مي تو” التي تم إطلاقها في عام 2017 في الولايات المتحدة.
وتقول المتدربات في الأكاديمية إنه من المهم بالنسبة إليهن الشعور بالأمان حتى يستطعن العيش بشكل كامل والتنقل بحرية.
وتشارك نسبة 26 في المئة فقط من النساء في مصر مقارنة بـ79 في المئة من الرجال في القوى العاملة وفقًا لمؤشر الفجوة بين الجنسين العالمي لعام 2015 الذي صنف الدولة الواقعة في شمال أفريقيا في المرتبة 136 من أصل 145 دولة في ما يتعلق بالمساواة بين الجنسين.
وقال علماء النفس إن النماذج النسائية في الرياضة مثل أحمد تعتبر ذات قيمة بالنسبة إلى النساء والفتيات لأنها تقدم دليلاً على أن النجاح يمكن تحقيقه وتتصدى للصور النمطية السلبية عن المرأة باعتبارها جنسًا أضعف.
كما وجد باحثون في جامعة تورنتو الكندية هذا العام أن هذا يمكن أن يعزز الثقة بالنفس، ويخلق إحساسًا بالسيطرة على أجسادهن ويحفزهن على أن يكن أكثر استقلالية.
وقالت أحمد التي جمعت الأموال من الأصدقاء والعائلة لفتح الأكاديمية “أعتقد أنه من الحقوق الأساسية للفتيات ممارسة أي رياضة يرغبن فيها، كما أنه من المهم للغاية بالنسبة إليهن الدفاع عن أنفسهن ضد أي اعتداءات. الرياضة تزداد شهرة خاصة في منطقتنا”.
أما ملك أحمد (17 عامًا) التي تدربت مع المدربة سماح لمدة عامين وهي إحدى مساعداتها في مجال التدريب، فأكدت أن الوضع غير آمن هنا وتعلم رياضة للدفاع عن النفس مثل المصارعة التايلاندية يمكن أن يساعد العديد من النساء على حماية أنفسهن من التحرش الجنسي أو أي نوع من العنف.
وأشارت إلى أنها تمشي الآن في الشوارع بثقة أكبر وتشعر بالأمان. وقالت “يمكنني الذهاب إلى مدرستي دون القلق بشأن التحرش الجنسي”.
وبينت المتدربات أن المصارعة التايلاندية تساعدهن أيضًا على التخلص من المشاعر السلبية وتجاوز تجارب التحرش الجنسي التي تعرضن لها وتعزز شعورهن بالتمكين، ورفض المواقف التقليدية التي يتم من خلالها إلقاء اللوم على النساء في الاعتداء الجنسي، بدلاً من الرجال الذين يهاجمونهن.
وقالت أسوة عبدالنبي (16 عاما) “نشارك الأحداث التي تعرضنا لها ونقول لبعضنا البعض كيف كان ينبغي أن نتعامل معها. المصارعة التايلاندية ليست مجرد رياضة ولكنها سلاح حقيقي ضد التحرش الجنسي والعنف”.
التغلب على الصمت
خطت النساء العربيات خطوات هامة في مجال رياضات الدفاع عن النفس متحديات العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية التي جعلت هذه الرياضات ولعقود طويلة خاضعة لسيطرة الرجال.
ورسمت العديد من البطلات في الكاراتيه والتايكواندو والكونغ فو والجودو صورة أكثر إشراقا، وهن يحملن الشعلة الأولمبية ويقفن في الصفوف الأمامية ليمثلن بلدانهن في المنافسات الدولية ويتوجن بالميداليات الذهبية والفضية والبرونزية.
ويبدو أن جيلا بأكمله من الفتيات بدأ فعلا في كسر الأفكار النمطية التي تصوّر المرأة على أنها كائن ضعيف، وذلك عبر التوجه إلى احتراف الرياضات القتالية بمختلف أنواعها.
وتختلف دوافع الإقبال الأنثوي على ممارسة هذا النوع من الرياضات من فتاة إلى أخرى، غير أن التحرش الجنسي الذي تتعرض له المرأة العربية جعل الكثيرات منهن يتجهن إلى تعلم مهارات القتال لحماية أنفسهن من التحرش الجنسي ومحاولات الإزعاج التي يمارسها الرجال تجاههن.
ومن بينهن من استهوتهن هذه الرياضة القتالية، رغم عدم النظر بعين المساواة للجنسين في ممارسة هذه الرياضات، وعزوف المرأة نفسها عن ممارسة ومتابعة الرياضة النسائية.
وقالت سهام الصوالحي بطلة التايكواندو المصرية في تصريح سابق لـ”العرب” إنها قررت منذ البداية احتراف رياضة التايكواندو لشعورها بأن هذه الرياضة ستمنحها اللياقة البدنية والقوة الجسدية اللتين ستكونان بمثابة الدرع الذي سيحميها ويساعدها على صد المتحرشين في الشارع.
الجدل حول التحرش الجنسي يتنامى في الدولة المحافظة حيث تواجه النساء تعليقات مسيئة وتحرشاً في وسائل النقل
وأضافت أنها شهدت في صغرها العديد من الفتيات يتعرضن للمعاكسات والتحرش ولكنهن لا يستطعن أن يفعلن أيّ شيء إزاء ذلك ويكتفين في أغلب الأحيان بالصمت من شدة الخوف.
وأوضحت أنه مع مرور السّنوات زاد حبّها للتايكواندو، وواصلت التدريب والمشاركة في البطولات فانضمت إلى منتخب مصر للناشئين، ثم منتخب الكبار وهي في الخامسة عشرة من عمرها، ولم تعط آذانا صاغية لجميع الانتقادات الاجتماعية التي كانت تدور حولها، كما لم تثنها عن مواصلة مشوارها جميع النعوت والأوصاف المستهزئة والساخرة التي ألحقتها بصنف الفتيات المسترجلات.
وفي خطوة لتشجيع ضحايا التحرش الجنسي في مصر على التقدم ببلاغات أو الإدلاء بشهادات، وافقت الحكومة العام الماضي على مشروع قانون يوفر مزيدا من الحماية من خلال حجب الهوية. الأمر الذي ربما سيساعد عددا أكبر من الضحايا على مواجهة الجناة.
ويعد التحرش الجنسي جريمة بحسب القانون المصري، ويحاكم المعتدون استناداً إلى المادتين 306 (أ) و306 (ب) من قانون العقوبات. وقد تصل عقوبة مرتكب جريمة التحرش سواء لفظياً أو بالفعل أو سلوكياً أو عن طريق الهاتف أو الإنترنت، إلى السجن لمدة تتراوح ما بين 6 أشهر و5 سنوات، إضافة إلى غرامة مالية قد تصل إلى 50 ألف جنيه مصري (نحو 3120 دولارا).
وعلى الرغم من ذلك فإن غالبية الفتيات لا يحرّرن محاضر رسمية بوقائع التحرش الجنسي، ما يجعل هذه الظاهرة المجتمعية مستترة وإن كانت منتشرة.
وعلى الرغم من بعض التعديلات التشريعية في الخامس من يونيو في عام 2014، والمتعلقة بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات لتوسيع تعريف جريمة التحرش وزيادة العقوبات على من تثبت إدانته بها، إلا أنها لم تمنع ظاهرة التحرش الجنسي في الشوارع والميادين والمنتزهات، وإن كان هناك تصدٍّ لبعضها بحكم القانون.
وعادة ما تصدر مؤسسة الأزهر الدينية بيانات شديد اللهجة تنتقد فيها التحرش باعتباره “محرما وسلوكا منحرفا”. كما تنتقد دار الإفتاء المصرية ربط ارتكاب التحرش بما ترتديه الفتاة أو المرأة من ملابس، وتؤكد أنه “تبرير واهم لا يصدر إلا عن ذوي النفوس المريضة”.
وقالت الكاتبة الصحافية فريدة الشوباشي إن سبب انتشار ظاهرة التحرش في مصر هم بعض الشيوخ الوافدين إلى مصر فى منتصف السبعينات من القرن الماضي، حيث ساهموا في نشر مفاهيم ومصطلحات منها أن “المرأة عورة” ويجب ألا تخرج من المنزل، وأمور أخرى تتعلق بزيها وما ترتديه، مُدللة على حديثها بأن الفتيات كُنَ يرتدين ملابس قصيرة في حقبة الستينات مثل “الميني جيب”، ورُغم ذلك لم يتعرضن وقتها للتحرش.
وترى الشوباشي في تصريحات أن مصر تحتاج إلى ثورة ثقافية واجتماعية لمواجهة ظاهرة التحرش، إضافة إلى مساندة من الدولة عبر عدم سماحها لمن يحلل للمتحرش هذه الأفعال بالظهور على شاشات التلفزيون، علاوة على ضرورة إصدار المؤسسات الدينية البيانات اللازمة لمواجهة هذه الظاهرة.
كما رفضت الناشطة فى حقوق المرأة داليا المنسي دعوات البعض لتحميل الفتيات مسؤولية التحرش بهن بسبب ملابسهن، مُذكرة بفترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، حينما كانت النساء يرتدين الملابس القصيرة دون أن يجرؤ أحد على التحرش بهن، فضلا عن رفض المجتمع لذلك.
وقالت المنسي إن التحرش لا يفرق بين فتاة محجبة وأخرى، كما أن الكثير من الشباب يتعلمون ويعملون في مجتمعات منفتحة ويلتزمون بقوانينها ولا يجرؤون على اقتحام الحقوق الشخصية هناك. بينما عزت سبب الظاهرة إلى غلاء المعيشة وارتفاع تكاليف الزواج.
وأشارت المنسي إلى أن الأهم من إضافة تشريعات جديدة لمواجهة هذه الظاهرة هو تفعيل القانون الحالي، لافتة إلى أن هناك فتيات يرفضن الإبلاغ عن تعرضهن للتحرش خشية من الأهالى الذين يصفون الأمر بـ”الفضيحة”، ويرون الفتاة في موقع الجاني وليس المجني عليها.
ومنذ ثورة يناير 2011 تصاعدت حالات التحرش الجماعي في مصر بأنواعه الجسدي واللفظي، وأصبحت لافتة للانتباه عالميا، حتى أن بعض الباحثين ركّزوا على الحالة المصرية التي برزت فجأة كأحد منتجات التغيُّر الاجتماعي والاقتصادي الجذري الذي طال البلاد، في أثناء ذلك كله تظهر الثورة المصرية وما تلاها كقفزة واضحة في سجلات البيانات الخاصة بالتحرش، وقفزة واضحة في تغيُّر مفهوم المصريين عن التحرش كذلك، ليس فقط بسبب اضطراب الأمن في البلاد وقسوة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولكن أيضا بسبب الحالات المتتالية للتحرش في ميدان التحرير والتي استُخدمت لغرض سياسي وأمني فج.
وبعد حادثة التحرش الشهيرة بالراقصة المصرية دينا في العام 2006 يوم عيد الفطر، والتي حاول فيها عدد من الشباب الاعتداء على الفتيات بعد أن تمكن الطاقم الأمني من حماية الراقصة، أصبحت الأعياد فرصة شهيرة لحوادث التحرش في مصر. وفي عيد الأضحى في العام 2012 تلقى الأمن المصري أكثر من 700 بلاغ في هذه المناسبة فقط. كما عرفت مصر حوادث متنوعة للتحرش منها حادثتا “فتاة العتبة” و”الأربعاء الأسود”.