مصريات وجدن الراحة في صمت الطبيعة

في مصر تنتشر رحلات "ريتريت" التي تقوم بها النساء كوسيلة للتعافي بعد الأزمات، حيث تجمع بين التأمل والأنشطة العلاجية في بيئة آمنة كفرصة لاستعادة التوازن النفسي والجسدي بعيدًا عن ضغوط الحياة اليومية.
ذاع نوع من الرحلات يسمى “ريتريت” أو الانسحاب، ويعمل على تحسين الصحة النفسية للمرأة التي تمر بأزمات شديدة وتجارب مؤلمة، قد تهزم روحها وتسبب لها حزنا عميقا لفترة من الوقت، وتتضمن الرحلات برامج ترمي إلى تعزيز القدرة على الانسحاب من ضغوط الحياة والتخلص من الضغوط.
ويعني هذا المصطلح الانسحاب من العالم الخارجي بهدف التعمق في الذات أو الشفاء، وتُخصص الرحلات لتحسين الصحة النفسية والجسدية من خلال التأمل والصمت واليوغا والمشي والعلاج بالرسم، وحتى الكتابة التعبيرية.
والمصطلح من المسميات المشهورة لهذا النوع من الرحلات التي تعتمد على استدعاء الإنسان لحالته الأصلية التي فُطر عليها، وتستند إلى الراحة والسعادة والطمأنينة والمدد، وتجنب الروح والقلب التفاعل مع العالم الخارجي حتى لا يتعرضا للجرح.
عانت المصرية نسمة خضر من أزمة نفسية عقب طلاقها، وهي أم لطفلين أيضا، وأخذت على عاتقها مبادرة تحرير النساء من متاعبهن النفسية، خاصة تلك الناجمة عن الطلاق وتوابعه الاجتماعية، وأصبحت مسؤولة عن تنظيم رحلات “ريتريت” منذ أربعة أعوام داخل مصر وخارجها.
قالت نسمة لـ”العرب” إنها كانت تتساءل لماذا لا تملك النساء وقتا خاصا بمفردهن، ولماذا تعيش المرأة من أجل إسعاد الآخرين ولا تفكر في إسعاد نفسها ولو بشيء بسيط؟
ترى نسمة أن المرأة حينما تكون سعيدة سوف تجعل كل من حولها سعداء، وتعترف بأنها لم تكن تحب الخروج في رحلات وهي في سن صغيرة، وعندما كبرت وتعرضت لأزمات ومرت بتجارب صعبة في حياتها، منها طلاقها، فكرت في تكوين ما أسمته بالصحبة الآمنة، والقيام برحلات استشفائية، ودشنت مشروعها “وقتي الخاص”.
وأكدت المعالجة النفسية الشمولية والباحثة في علوم الأعصاب النفسية سارة حجازي لـ”العرب” أن مما يفيد صحة النساء النفسية رحلات “ريتريت”، وهي برنامج للعلاج الجماعي من خلال حلقة فضفضة للمشاركات، تحت إشراف معالج نفسي، كل واحدة منهن تحكي عن تجربتها المؤلمة بصراحة.
وأضافت أن الإنسان عندما يكون وسط مجموعة يعاني أفرادها من نفس مشكلته أو يتشابهون في بعض النقاط، يتمكن من النظر إلى ما يعانيه من منظور مختلف، ما يمنحه فرصة لتقييم الأمور برؤية جديدة، كأنه ينظر إلى نفسه من الخارج.
واشترطت حجازي أن تتضمن الرحلات برنامجا استشفائيا متكاملا، والهدف شفاء كل فرد على حدة، ثم يأتي دور المعالج النفسي كي لا تحدث لأحد المشاركين انتكاسة نفسية نتيجة استدعاء صدمة قوية حدثت له من قبل.
ويبدو هذا النوع من الرحلات في ظاهره ترفيهيا، لكن في مضمونه البعيد يحوي علاجا ممتدا، ومن المهم الانتباه إلى أهمية أن يتواجد معالج نفسي مع المشاركات، فدوره مفيد في كل الحالات، وهناك عدد من المنظمين يقومون بدورهم بشكل واع.
وتتوافر لدى نسمة خضر كافة الشروط التي ذكرتها المعالجة النفسية في المُنظم لرحلة “ريتريت”، فهي تعمل كمدربة حياة لكيفية تجاوز الحزن وتخصص الرحلة تمامًا للسيدات، وتوفر لهن مساحات للحديث عن معاناتهن، ومنهن صديقات ويجاملن بعضهن في مناسبات اجتماعية.
وشددت خضر على ضرورة توفير احتياجات السيدات للتعافي النفسي، وترتيب جلسات خاصة لهن تتخللها أنشطة ترفيهية، وفي إحدى الرحلات أحضرت راقصة لتعليمهن الرقص الشرقي، وفي أخرى جاءت مدربة “مساج”، فضلا عن توفير أوقات للتأمل.
وكي تحقق رحلة “ريتريت” هدفها يجب أن تكون مدتها نحو أسبوع، وأحيانًا تصل إلى ثلاثة أسابيع، ومن الواجب أن يتخللها برنامج علاجي شامل للوصول إلى التعافي الكامل وتأتي الرحلة بثمارها الإيجابية. وهناك نظرية نفسية تقول إن مراحل الحزن خمس، وهي: الإنكار والغضب والمساومة والاكتئاب والتقبل، ويمر بها الإنسان بعد الفقد أو الصدمة، مثل وفاة شريك، وتكون المرأة أكثر تأثرًا بها من الرجل.
وبعد رحلة طويلة من الصراع مع المرض فقدت المصرية شيرين عادل الزوج الذي تصفه بأنه كان حبيبًا وصديقًا وسندًا لها، وسبقه رحيل والدتها، ما أصابها بحزن شديد، وقادها إلى حالة نفسية سيئة فكرت معها في اللجوء إلى طبيب نفسي لتلقي العلاج، كي تستمر حياتها من أجل ولديها.