مصالح تركيا تضع وجود قيادات حماس فيها على المحك

مرة أخرى يؤكد أردوغان أن المصالح تفرض التصالح حتى وإن كان ذلك على حساب المواقف والمبادئ، ويضع حماس في موقف صعب خاصة أن المواقف الدولية ضدها تزيد من حجم الضغط الواقع عليها.
الجمعة 2022/03/18
الخناق يضيق على حماس

ما أن انتهت زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى أنقرة حتى بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية بتناقل أخبار مفادها تحرك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضد الجناح العسكري والسياسي لحركة حماس وكبح نشاطها داخل تركيا. وبينما لم يؤكد أيّ مصدر رسمي تركي هذه المعلومة، اكتفت حماس بالتعليق عن زيارة هرتسوغ بحذر وباختيار مفردات غير مستفزة للجانب التركي الذي لم يفصل بعد في القضية.

والواضح تماما أن أردوغان لن يفوّت فرصة بعث مشروع ”إيست ميد” لنقل غاز الشرق الأوسط إلى أوروبا بعد أن رفعت الولايات المتحدة دعمها السياسي عنه، ولكن التطورات الحاصلة على الساحة الأوكرانية قد تجعل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تغير موقفها مجددا من هذا المشروع. ويتضح جليا أن إسرائيل لن تفوّت الفرصة أيضا في استغلال حاجة أردوغان إلى هذا التقارب الاقتصادي لجعله تقاربا أمنيا، من خلال وضع حماس في قائمة الشروط التي تدعم مشروع ”إيست ميد” الذي يسيل لعاب أردوغان ويجعله يتقبل شرط إسرائيل القاضي بطرد قيادات عسكرية تابعة لحماس من الأراضي التركية.

أردوغان سياسي بامتياز، ولا يتحرك بالعواطف إلا من أجل خدمة مصالحه السياسية والاقتصادية؛ سبق له أن وظف حماس توظيفا سياسيا في فترة شهدت توترا وجمودا في العلاقات بينه وبين دول الخليج ومصر من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى.

لم يكن أردوغان يؤمن بفكرة المقاومة بقدر ما كان يؤمن بفكرة المقايضة، حيث جعل من جناح حماس العسكري الناشط في تركيا ”جوكر” يستعمله متى ما شاء ذلك، تماما مثل ما فعل مع كوادر الإخوان ليبتز بهم مصر. يتغير الموقف السياسي في تركيا بتغير المصالح وما يحصل اليوم من تقارب في العلاقات مع إسرائيل يؤكد ما تداولته القناة الإسرائيلية الثانية وما نشره موقع “إنتل تايمز” عن القرار الذي اتخذته تركيا بالطلاق مع حماس، وإعلانها عن زواج مصلحة مع إسرائيل يسمح لأنقرة بتجاوز أزمتها الاقتصادية وسقوط عملة الليرة، كما سيوفر حصة معتبرة من الأموال بعبور أنابيب النفط الإسرائيلية عبر الأراضي التركية متجهة إلى اليونان ثم إلى أوروبا.

حكومة أردوغان حريصة على ألاّ تقع في إحراج يضطرها إلى تقديم تبريرات وشرح موقفها الجديد من حركة حماس، لهذا فإن تحركها يجري في تكتم شديد؛ قد يفهم منه عدم رغبتها في إعادة تصنيف الحركة رسميا، والذي من المحتمل أن يزعج حلفاء حماس في المنطقة، ويزرع الشكوك لدى الإخوان المسلمين في مصر عن احتمالية مقايضتهم في صفقة جديدة مع الحكومة المصرية. ومن غير المستبعد أن تكون تركيا قد أعطت لقيادات حماس الوقت الكافي لإيجاد البديل أو لمغادرة الأراضي التركية دون ”شوشرة”.

مرة أخرى يؤكد أردوغان أن المصالح تفرض التصالح، حتى وإن كان ذلك على حساب المواقف والمبادئ، ويضع حماس في موقف صعب، خاصة أن المواقف الدولية المتزايدة ضدها تزيد من حجم الضغط الواقع عليها. ولا يستبعد أيضا أن تدير إيران ظهرها لحماس، بعد تلقيها إشارات من الإدارة الأميركية حول إمكانية رفع الحرس الثوري الإيراني من القائمة السوداء للإرهاب، وهو ما تحدثت عنه مصادر لموقع “أكسيوس” الأميركي.

وقد تذعن إيران أيضا لشروط الولايات المتحدة وتخضع لإغراءات إسرائيل بالتخلي عن حماس من أجل السماح لها بدخول السوق الأوروبية للنفط والغاز لتعويض ما يمكن تعويضه من نقص في الحصص الروسية.

إن الموقف التركي الجديد وزوال الجليد عن العلاقات مع إسرائيل هو ضربة قوية موجعة توجه إلى حماس التي تزداد عزلتها الإقليمية يوما إثر يوم، وقد تجبرها على إعادة قراءة المشهد وفق ما يجري من مستجدات وحسب ما تقتضيه الضرورة.

8