مصالح إيران والإخوان تلغي الاختلافات المذهبية بينهما

انعقدت في طهران منذ أسبوع ندوة تبحث “آثار وأفكار سيد قطب”. موضوع الندوة والمكان والتوقيت، عناصر تفرضُ مجتمعة طرح سيل من الأسئلة عن الصلات التي تجمع الثورة الإسلامية في إيران بالتراث الإخواني عموما، والقطبي بشكل خاص.
تداولت وسائل الإعلام العربية والإسلامية الأسبوع الماضي، خبرا مفاده أن ممثلي جامعات مرشد الثورة الإيرانية “خامنئي”، بالتعاون مع مركز فكر الشباب والإشراق للتعليم، نظموا ندوة في العاصمة الإيرانية طهران لمناقشة أفكار سيد قطب.
وأشارت المصادر أيضا إلى أن “حجة الإسلام هادي خسرا وشاهي”، عضو المجلس الاستشاري الأعلى في هيئة “دار التقارب” بين المذاهب الإسلامية، وعضو جماعة الدعوة والإصلاح “خالد محمدي”، وعددا من الأكاديميين، ألقوا كلمات خلال الندوة التي أقيمت تحت عنوان “آثار وأفكار سيد قطب”، وقد أثارت اهتمام الطلاب المشاركين فيها.
وناقش المشاركون في الندوة الآثار التي تركتها كتب وأفكار سيد قطب في العالم الإسلامي، حيث ركزوا على موضوع التيارات التكفيرية المتأثرة بقطب في يومنا هذا.
قد يبدو عاديا ومألوفا أن تنظم جهة أكاديمية أو بحثية عربية أو إسلامية لقاء بحثيا يسلط الضوء (نقدا أو تثمينا) على تراث كاتب أو مدونة فكرية أو فقهية، لكن المكان والتوقيت والشخصية موضوع البحث، تفرض ضرورة الانتباه إلى خلفيات الحدث وتخومه.
لقطب دور طليعي في نقل تيارات الإسلام السياسي إلى فضاءات أكثر تكفيرية، ومثل منطلقا لكل التيارات الجهادية
وجدير بالتذكير أن سيد قطب يمثل ركنا رئيسيا في بنية الإسلام السياسي، بعد ابن تيمية وأبي الأعلى المودودي وحسن البنا. وإن كان لكل اسم من هؤلاء مساهمته المخصوصة، فإن لسيد قطب دوره الطليعي في نقل تيارات الإسلام السياسي إلى فضاءات أكثر تكفيرية ورفضا للآخر، وقد مثّل بذلك منطلقا نظريا لكل التيارات الجهادية التي سادت ولا تزال تسود إلى يومنا هذا.
“ولكن ما هو المجتمع الجاهلي؟ وما هو منهج الإسلام في مواجهته؟ إن المجتمع الجاهلي هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم. وإذا أردنا التحديد الموضوعي قلنا: إنه هو كل مجتمع لا يخلص عبوديته لله وحده… متمثلة هذه العبودية في التصور الاعتقادي، وفي الشعائر التعبّدية، وفي الشرائع القانونية… وبهذا التعريف الموضوعي تدخل في إطار ‘المجتمع الجاهلي’ جميع المجتمعات القائمة اليوم في الأرض فعلا”. (من كتاب معالم في الطريق لسيد قطب).
وفّر سيد قطب بهذه السردية التكفيرية المغالية المتعالية، منطلقا فكريا لمزيد نزوع جماعة الإخوان نحو العنف والتكفير، وتجلى ذلك عمليا في إنشاء “التنظيم الخاص”. لكنه كان أيضا “قدوة” فكرية لكل التيارات الإسلامية، بلا استثناء، حيث تستلهم منه وإلى اليوم التيارات الجهادية وغيرها، منطلقاتها الفكرية والتنظيمية. ولم تكن الثورة الإسلامية في إيران مستثناة من موجة الاقتداء والاستلهام.
بحثُ الصلات التي تربط الثورة الإيرانية بجماعة الإخوان يقود إلى مسارب عدة، تبدأ من فترات سابقة للثورة الإسلامية في إيران. وتشير العديد من المصادر الإيرانية إلى أن جماعة الإخوان لعبت دورا كبيرا في إعادة بعث الروح الإسلامية في طهران قبل قيام الثورة الإسلامية، وإلى وجود تعاون بين عتاة جماعة الإخوان وأقطابها في مصر ورموز الشيعة الأصوليين في طهران.
العديد من المصادر الإيرانية تشير إلى أن جماعة الإخوان لعبت دورا كبيرا في إعادة بعث الروح الإسلامية في طهران قبل قيام الثورة الإسلامية
ولم يكن الحب الإيراني للإخوان ولسيد قطب من طرف واحد، بل كان حبا متبادلا رغم الاختلاف المذهبي، حيث عبّر العديد من قادة الإخوان عن ترحيبهم ودعمهم للثورة الإسلامية الإيرانية، منذ الأيام الأولى لاعتلاء الخميني سدة الحكم، واحتفت مجلة الدعوة الإخوانية بـ”انتصار” الثورة الإسلامية بأن وضعت صورة الخميني في العدد الصادر في آذار 1979.
وكتب عمر التلمساني أيضا عام 1985 في مجلة “الدعوة” أن “الاتصالات بين الإخوان ورجال الدين الإيرانيين ليس الهدف منها دفع الشيعة إلى اعتناق المذهب السني، ولكن الهدف الأساسي من ورائها الامتثال لمهمة الإسلام لتلاقي المذاهب الإسلامية إلى أقصى حد ممكن”.
لا يكفي الحيّز المحدود لاستعراض كل مظاهر الود التاريخي الطويل بين الإخوان وإيران، لكن الثابت أن الجهتين يفرقهما المذهب وتوحدهما المصلحة السياسية والانتماء إلى الإسلام السياسي بمعناه العام.
قطب "قدوة" فكرية تستلهم منه التيارات الجهادية منطلقاتها. والثورة في إيران ليست مستثناة من الاقتداء
بالعودة إلى الندوة التي انطلقنا منها، نشير إلى أن توقيتها (تنامي الفعل الجهادي الذي يستقي تعاليمه من أدبيات سيد قطب واستشراء التعبيرات الطائفية) ومكانها (طهران معقل الإسلام السياسي الشيعي)، فضلا عن الجهات الرسمية التي دعت إلى تنظيم اللقاء، وأخيرا الشخصية التي أخضعت للبحث، هي عوامل تشير كلها إلى تأكيد الصلات التي لم تتوقف بين الجهتين، وتعبّر ثانيا على أن إيران الرسمية ما زالت تعتبر سيد قطب أحد أكبر أرضياتها الفكرية.
رغم التباين المذهبي بين إيران الشيعية وجماعة الإخوان المسلمين السنية، ورغم ارتفاع منسوب الشد الطائفي في العالم العربي الإسلامي، إلا المصالح التي تجمع الطرفين تجعلهما يتجاوزان معا، ولو مؤقتا، الاختلافات المذهبية بحثا عن مصالح مشتركة، ولا شك أن طهران تجد في سيد قطب ما تبحث عنه من سند فكري تكفيري، وتجد الجماعة لدى الدولة التي لا تخفي سعيها إلى تصدير ثورتها دعما تفتقده مؤخرا.