مشكلة تسريبات باندورا تهدّد المعونات الغربية للأردن

وضعت تسريبات “وثائق باندورا” العشرات من القادة والمسؤولين السياسيين، ومن بينهم العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، في وضع حرج. وقد تهدد هذه المشكلة بإيقاف المساعدات المالية التي يحتاجها الأردن ويعتمد عليها منذ سنوات لمواجهة الأزمة الاقتصادية. ويقول محللون إن تسريب هذه الوثائق جاء في فترة صعبة تتعالى فيها الأصوات المنددة بالفساد والأوضاع الاقتصادية الحرجة في المملكة.
عمان - كان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في لقاء مع رئيس البنك الدولي ويطلب المزيد من الدعم المالي لاقتصاد بلاده المنهك حين انتشر الخبر: كشفت مجموعة من الوثائق المسربة أن الملك اشترى سرّا أكثر من عشرة منازل فاخرة في الولايات المتحدة وبريطانيا بأكثر من 100 مليون دولار في العقد الماضي.
وكان الملك عبدالله الثاني واحدا من عشرات الشخصيات العامة التي تم تحديدها على أنها صاحبة حسابات خارجية مخفية.
وقال ديف هاردن، المدير السابق لمهمة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والذي يترشح الآن للكونغرس كديمقراطي من ولاية ماريلاند، “لن يغض أحد الطرف عن هذا”، وأضاف “حتى تصور سوء الإنفاق يمكن أن يؤدي إلى دعوات للمزيد من الرقابة على المساعدة الأميركية المستقبلية للأردن”.
وكان الملك عبدالله الثاني على قائمة طويلة من قادة العالم والسياسيين والمليارديرات والمشاهير والزعماء الدينيين وتجار المخدرات الذين كانوا يخفون استثماراتهم في القصور والممتلكات الحصرية المطلة على الشواطئ واليخوت والأصول الأخرى على مدار ربع القرن الماضي، وفقا لتقرير يوم الأحد الذي نشره الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين.
وقت عصيب
أُطلق على التقرير، الذي يستند إلى مراجعة لما يقرب من 12 مليون ملف تم الحصول عليها من 14 شركة في العالم، اسم “وثائق باندورا”. ولم ترد أي مزاعم عن نشاط غير قانوني أو سوء استخدام لأموال المساعدات الدولية.
ومع ذلك يرى الكاتب جوزيف فيدرمان في مقال نشرته وكالة أسوشيتد برس الأميركية أن التقرير جاء في وقت حرج بالنسبة إلى العاهل الأردني؛ حيث عانى اقتصاد البلاد في السنوات الأخيرة، وخضعت قيادته للتدقيق في وقت سابق من هذا العام عندما اتهم أخوه غير الشقيق، الأمير حمزة بن الحسين، “الطبقة الحاكمة” بالفساد.
ويعتمد الملك عبدالله الثاني، الذي يراه الغرب كقوة للاعتدال والاستقرار في الشرق الأوسط المضطرب، على مليارات الدولارات من المساعدات الدولية، وهو تدفق يمكن أن يتعطل إذا اعتقد المانحون أن مساعداتهم تتبدد.
ونفى العاهل الأردني بغضب ارتكاب أي مخالفات، قائلا إن المنازل ظلت سرية بسبب مخاوف أمنية وإن شراءها كان بأموال شخصية. وجاء في بيان للديوان الملكي الهاشمي الاثنين أن “أي ادعاء يربط هذه الملكيات الخاصة بالمال العام أو المساعدات افتراء لا أساس له من الصحة، ومحاولة مسيئة لتشويه الحقيقة وإن هذه الادعاءات الباطلة تمثل تشهيرا بالملك وسمعة المملكة ومكانتها بشكل ممنهج وموجه، خاصة في ظل مواقف جلالته ودوره الإقليمي والدولي”.
ويرى فيدرمان أن الملك عبدالله الثاني يواجه تهديدا على المدى القصير في الداخل. وعندما وجه أخوه غير الشقيق، الأمير حمزة، اتهامات بالفساد وعدم الكفاءة في أبريل الماضي سرعان ما وُضع قيد الإقامة الجبرية.
وشوهد الأمير حمزة مرة واحدة فقط منذ ذلك الحين ولا يزال بمعزل عن العالم الخارجي. كما حُكم على اثنين من كبار المساعدين السابقين بالسجن لمدة 15 عاما بتهمة التحريض والفتنة، بسبب دورهما في مؤامرة مزعومة مع الأمير المذكور.
وفي إشارة واضحة إلى القلق يقول فيدرمان إن وسائل الإعلام الأردنية، التي يسيطر القصر على معظمها بشكل مباشر أو غير مباشر، لم تذكر قضية وثائق باندورا. وتمارس وسائل الإعلام الأردنية المستقلة الرقابة الذاتية، متجنبة انتقاد العائلة المالكة وقوات الأمن.
وشهد الاقتصاد الأردني أوقاتا عصيبة على مدار العقد الماضي، حيث تضرر من تدفق مئات الآلاف من اللاجئين الفارين من الحرب في سوريا المجاورة، ثم عانى من جائحة فايروس كورونا المستجد.
وانكمش الاقتصاد الأردني -وفقا للبنك الدولي- بشكل طفيف العام الماضي، في حين ارتفعت نسبة البطالة إلى 25 في المئة. وتعدّ الدولة التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة مقسمة بين طبقة صغيرة متوسطة وطبقة عليا تربطها علاقات وثيقة بالحكومة، وجماهير فقيرة تعيش في الأحياء الفقيرة بالمدن وفي القرى النائية ومخيمات اللاجئين.
وقالت ميسرة مالاس، الناشطة النقابية التي انضمت إلى الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي تطالب بخفض الضرائب ووضع حد للفساد، “عندما يواجه أشخاص معاناة ويعيشون في ظروف صعبة وفقر مدقع، من الصعب رؤية حكامهم يعيشون في ظروف مزدهرة”.
وسعى الملك عبدالله الثاني، الذي تولى السلطة في 1999 بعد وفاة والده الملك حسين، لتجاوز هذه العوالم من خلال تصوير نفسه على أنه لا يختلف عن شخصية الأب. وهو حريص على عدم التباهي بثروته. وعلى الرغم من أنه يقضي فترات طويلة في الخارج، إلا أنه يفعل ذلك بهدوء، وغالبا في أماكن غير معلنة.
ويلتقي مع زعماء القبائل الأقوياء في المناطق البعيدة عن المدن في الأردن للتأكيد على جذوره المحلية. وغالبا ما تُظهر الملصقات في المكاتب الحكومية واللوحات الإعلانية الملك وهو يرتدي غطاء الرأس الأحمر أو الزي العسكري.
وفي العام الماضي أطلق رئيس وزرائه آنذاك عمر الرزاز حملة للقضاء على التهرب الضريبي والفساد و”تهريب الأموال إلى الملاذات الضريبية”.
وأجرى الملك الاثنين زيارة لشيوخ عشائر ووجهاء آخرين في البادية الواقعة جنوب العاصمة عمان، حيث قال إن الأردن يتعرض لتهديد قوى مزعزعة للاستقرار. وأكد أن “هناك حملة على الأردن، ولا يزال هنالك من يريد التخريب ويبني الشكوك… لا يوجد ما يتم إخفاؤه… والأردن سيبقى أقوى، فهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها استهدافه”.
لا تهديد مباشرا

قال المحلل السياسي الأردني لبيب قمحاوي إنه بالنظر إلى التعتيم الإعلامي ونقص استخدام الإنترنت بين أفقر الناس، فإنه لا يرى أي تهديد مباشر للملك. لكنه قال إنه مع انتشار خبر الفضيحة يمكن أن تكون التبعات “مدمرة للغاية” محليا.
وأشار إلى أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الخبر قد يغضب الدول المانحة. وبحسب وكالة الأنباء الأردنية الرسمية (بترا) تلقت البلاد حوالي 5 مليارات دولار من المساعدات الخارجية العام الماضي، سواء في شكل مساعدات غير مقيدة للميزانية أو في شكل منح مخصصة. وجاء أكثر من ربع هذه الأموال من الولايات المتحدة وحدها.
وقال قمحاوي “لا بد أن يؤثر ذلك على قدرة الأردن على طلب المساعدة بسهولة”.
ويظل الأردن، بصفته حليفا غربيا استراتيجيا ومع اتفاق سلام مع إسرائيل، مهما للغاية بحيث لا يمكن أن يتخلى عنه المجتمع الدولي. ووصف الرئيس جو بايدن الملك عبدالله الثاني هذا العام بأنه “صديق مخلص ومحترم”.
ولم يعلق المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس بشكل خاص على ممتلكات الملك عبدالله الثاني العقارية، لكنه قال “عندما يتعلق الأمر بمساعدتنا للأردن، فإننا نساعد على تحسين حياة الشعب الأردني لأكثر من ستة عقود. إننا نراقب جميع برامج المساعدة ونقيمها بعناية للتأكد من تنفيذها وفقا للغرض المقصود منها”.
وحدد برايس أن المساعدات الأميركية للأردن تصب في مصلحة أمن الولايات المتحدة القومي، لأنها تساعد البلاد على تأمين حدودها وتعزيز الاستقرار والمشاركة في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال هاردن إنه من دواعي القلق الشائعة أن ينتهي الأمر بإساءة استخدام المساعدة ومساعدة القادة الفاسدين بدلا من الأشخاص العاديين. ولتجنب ذلك غالبا ما يتم تخصيص الأموال لمشاريع تنموية محددة مع الإشراف عليها بإحكام.
وتوقع “مراجعة جادة” لأي مساعدات غير مقيّدة للأردن، لكنه قال إنه يتوقع أيضا استمرار تدفق الأموال إلى البرامج بضمانات مشددة. ومع ذلك قال إن التسريبات المتعلقة بوثائق باندورا “تتعارض مع جوهر ما نحاول تحقيقه”.