مسنّون أوروبيون ينعمون بالحياة في تونس الدافئة

العديد من المتقاعدين الأوروبيين يفضلون العيش في تونس وخاصة في المدن الساحلية لدوافع عديدة منها الطقس المعتدل ورغد العيش نظرا لفارق العملة.
الاثنين 2020/06/01
يرسمون بهجة الحياة

يفضل السياح الأوروبيون من كبار السن المناطق الدافئة في جنوب المتوسط، ومنهم من يقيم في تونس والمغرب طيلة العام، ولتنويع وتنشيط القطاع السياحي توجهت بعض الفنادق في تونس إلى بعث مراكز رعاية المسنين الأجانب مع توفير كل سبل الراحة والخدمات الصحية خاصة خلال فترة الحجر الصحي.

قمرت (تونس)- تجلس أوديت الفرنسية على كرسيّها قبالة النافذة وبين أناملها قطعة قماش تطرّز عليها أشكالا فنية، وهي نزيلة في مركز لرعاية المسنين يشغل جزءا من فندق سياحي قريب من البحر في تونس التي تريد النهوض بهذا النوع من الخدمات.

لا تفارق الابتسامة تجاعيد وجهها بينما تقول، “المكان جيّد هنا، انظروا الشمس والحديقة. إنها الحياة، يمكن التواصل مع الطاقم الصحيّ متى نشاء”.

وتحدثت أوديت بريفو (85 عاما)، قبل بدء تدابير الحجر للوقاية من وباء كورونا، بينما كانت تمسك بيد ممرضة تساعدها على التنقل.

ومنذ بدأت السلطات الصحية في تونس تسجيل إصابات بفايروس كورونا المستجد في مطلع مارس، شرع المركز مباشرة في حجر صحيّ مشدد وأغلقت أبواب الدور على المسنين والطاقم الصحيّ المتواجد بداخله من ممرضين ومساعدين.

يقول مدير المركز الطبيب الفرنسي جان بيار دو لستان، “لم يكن قرارا سهلا البتة، لكننا أقنعنا العائلات والعاملين بعد أن فسرنا لهم أسباب ذلك فتفهموا في النهاية”.

وتقول السلطات التونسية إنها كبحت انتشار جائحة كورونا. وتمكن مركز “ريزورت ميديكال” لرعاية المسنين الأجانب في منطقة قمرت السياحية في الضاحية الشمالية بالعاصمة من تجاوز الأزمة بسلام حتى الآن، ولم تسجل إصابات ووفيات في الـ32 مركزا لرعاية المسنين في البلاد.

ولم يؤثر الإغلاق على البرنامج اليومي لحوالي ثلاثين مقيما من الفرنسيين والسويسريين والبلجيكيين في “ريزورت ميديكال” الذي أقيم على بعد أمتار من البحر العام 2009.

رعاية خاصة
رعاية خاصة

ويوضح الطبيب، “ظلّ كل شيء على حاله: الفضاء الذي ينشطون فيه ومواعيد النزهة على الشاطئ. واصلنا العيش معهم كما كان عليه الحال قبل الحجر”. ويقطع صوت المغنية الفرنسية إديت بياف سكون المكان. في الوقت ذاته، تقوم أنامل بعض المسنين في المكان بتلوين قطع من الفخار.

في الحديقة يدفع ميشال بكرسي رفيقته المقعدة ماري بهدوء بين الأشجار. يقولان إنهما فضلا تونس على دول أوروبية لقضاء ما تبقى لهما من خريف العمر وسط السكينة، وهما راضيان على اختبارهما في هذا البلد المتوسطي حيث أشعة الشمس لا تغيب طيلة السنة تقريبا.

في الأيام العادية، يختلط المسنون بالسيّاح في الفندق الملاصق للمركز. يقول دو لستان، “أردنا المزج بين النزلاء في الإقامة والسيّاح عوضا عن عزلهم”.

وظهرت في السنوات الأخيرة مشاريع استثمارية عدة في إقامات لرعاية المسنين المتقاعدين من دول أوروبية.

وحوّل مستثمر فرنسي آخر فندقا في مدينة الحمّامات تضرّر من أزمة قطاع السياحة في البلاد في السنوات التي تلت هجمات استهدفت سيّاحا في العام 2015، إلى مركز فخم لرعاية المتقاعدين الأجانب.

وتمت تهيئة فندق “سفير بالاص” وفق التهيئة اللازمة لرعاية المسنين على شاكلة مؤسسات إيواء المسنين ذوي الاحتياجات الخاصة في أوروبا، ويقع الفندق  قبالة البحر على أرض تمسح 2.5 هكتار.

ويتمتع الطاقم الطبي في تونس بتكوين جيّد، ويحظى الأطباء بسمعة جيّدة في الخارج، وشهدت السياحة الطبية في البلاد انتعاشا. يقول الفرنسي ميشال فوايا (83 عاما) “اخترنا تونس لدوافع مالية بالأساس، الأسعار أقل بثلاث مرّات مما هي عليه في فرنسا”. وتطلّ كل الغرف تقريبا على الحديقة.

وتفضل أوديت المكوث في جناحها في معظم الوقت. ووصلت إلى المركز منذ مطلع العام الحالي بعد تجربة في مركز آخر في باريس.

لم يؤثر الحجر على برنامج المقيمين في مركز "ريزورت ميديكال" فظلوا ينشطون في الفضاءات المخصصة ويتنزهون على الشاطئ في الموعد
لم يؤثر الحجر على برنامج المقيمين في مركز "ريزورت ميديكال" فظلوا ينشطون في الفضاءات المخصصة ويتنزهون على الشاطئ في الموعد

وتقول ابنتها جنفياف التي تقيم في منطقة سافوا الفرنسية، “الطاقم في فرنسا كان جيّدا ومؤهلا، لكن لم يكن في وسعهم تخصيص ربع ساعة للحديث مع والدتي.. لم تكن مرتاحة هناك”.

ولكن ومنذ وصولها إلى تونس “بدأت تشعر بأن الاعتناء بها أفضل، فهي تتجوّل وتحسنت كثيرا”.

وتشير إلى أن المشكلة الوحيدة اليوم أنها غير قادرة على المجيء لزيارة والدتها كل شهرين أو ثلاثة بسبب توقف الرحلات الجوية منذ مارس. لكنها تضيف “في كل الحالات، لو بقيت في فرنسا لقضت فترة الحجر وحيدة في غرفة بتسعة أمتار مربعة”.

وللتعويض عن نقص الزيارات، قام المركز بتكثيف التواصل بين المقيمين وعائلاتهم عبر تقنيات الفيديو وتبادل الصور بالهواتف وذلك لتفادي شعورهم بالعزلة.

ونجحت تونس على ما يبدو في استباق تفشي وباء كورونا بشكل مدمر. وبلغ إجمالي الوفيات بالفايروس حتى الآن 48. ولم تطل الإصابات مراكز رعاية المسنين، كما حصل في دول أوروبية حيث تسببت بمآس.

قام المركز بتكثيف التواصل بين المقيمين وعائلاتهم عبر تقنيات الفيديو وتبادل الصور لتفادي شعورهم بالعزلة 

ويمكن لتونس أن تستثمر نجاحها هذا لتطوير هذا القطاع السياحي مستقبلا، في وقت يزداد متوسط الأعمار وترتفع نسبة التهرم في الدول الأوروبية. ويقدّر معهد الإحصاء الفرنسي أن أكثر من أربعة ملايين مسنّ سيصبحون غير قادرين على الاعتماد على أنفسهم في العام 2050، مقارنة بـ2.5 مليون في العام 2015.

وتؤكد وزير المرأة والأسرة والطفولة وكبار السنّ أسماء السحيري، أن “من بين الملفات التي ستعمل عليها الحكومة البحث في كيفية دعم الاستثمار لهذا الصنف من الخدمات داخل المنشآت السياحية وخارجها”، وسيكون ذلك “عبر تكثيف الحملات الترويجية في الخارج”.

وقد شرع دو لستان في الإعداد لمشروع ثان في محافظة سوسة السياحية، كما يفكر في توسيع نشاطه في المغرب.

والمنتظر أن تنقذ هذه المشاريع السياحية القطاع في تونس بعد أن تضرر من عوامل عدة آخرها وباء كورونا، كما ستمكن من خلق المئات من مواطن الشغل التي سيتم تكوينها من أجل الاستجابة لحاجيات المرضى.

واختار العديد من المتقاعدين الأوروبيين خاصة من ألمانيا وفرنسا، العيش في تونس وخاصة في المدن الساحلية كنابل والحمامات وسوسة والمنستير، لدوافع عديدة منها الطقس المعتدل، كما أن راتبهم التقاعدي يمكنهم من رغد العيش في تونس نظرا لفارق العملة.

20